الخطبمقالات

شَعبانَ شهر الأهبة  و تجديد التوبة

 

 

شَعبانَ شهر الأهبة  و تجديد التوبة  

 

الخطبة الاولى:

الحمد لله قال وهو أصدق القائلين:”ولكلٍّ وِجهَة هو مُوَلِّيهَا فاستبقوا الخيراتِ، أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قديرالبقرة 148 ـ والصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد سيد الكائنات، المروي عنه أنه قال:[ افعلوا الخير دهركم، و تعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم]  المعجم الكبير للطبراني حسن ـ ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قال عز من قائل:” سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ”  (الحديد:21)  ـ و نشهد أن سيدنا و نبينا ومولانا محمدا عبد الله و رسوله، ومصطفاه من خلقه  و خليله، صلى الله عليه وسلم من نبي أمين، ناصح حليم، و على آله و صحابته و على من حافظ على دينه و شريعته  و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين أما بعد،  

عباد الله :إن من علامات محبة الله لعباده المومنين، وعنايته بأمة النبي محمد الأمين صلى الله عليه وسلم أنْ جعلَ مواسمَ الخيراتِ تَرِدُ عليهم تترًا، ومن بين تلك المواسم شهرٌ يغفلُ عنه كثير من الناس، مع  أن قدره عظيم، و فضلـَه جليل، ألا وهو الشهر الذي عن قريب سيحل بنا، شهر شعبان، فتَحيَّنُوا أَوْقَاتهُ الْمُبَارَكَةِ من أجل اغتنام الفضل و ربح الخير؛ فنحن مقبلون على شهر له خَصَائِصُ مُتَعَدِّدَةٌ- ذَكَرَهَا لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، منها ما دل عليه حديثُ  أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما  قَالَ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ! مَا لِي أَرَاكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ أَكْثَرَ مِمَّا تَصُومُ فِي غَيْرِهِ؟) يَعْنِي: مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ – وَهُوَ الشَّهْرُ الْمَفْرُوضُ صِيَامُهُ؛ فقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلامُ-: “شَهْرُ شَعْبَانَ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى اللهِ، وَإِنِّي أُحِبّ ُ أَنْ تُرْفَعَ أَعْمَالِي فِيهِ إِلَى اللهِ وَأَنَا صَائِمٌ” ولذلك قال أهل العلم:وهذه لـَفْتـَة فيها فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، ولذا كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة، وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم فضَّل القيامَ في وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر، كما قال صلى الله عليه وسلم:(إن أفضل الصلاة بعد المفروضة الصلاةُ في جوف الليل) (السنن الكبرى للبيهقي) ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يؤخرَ العشاء لنصف الليل ولكنه لم يفعل خشية المشقة على الناس، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مكثنا ذات ليلة ننتظر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهبَ ثلثُ الليلِ أو بعده، فلا ندري أشيءٌ شغلَهُ في أهلٍ،أوغيرُ ذلك؟فقال صلى الله عليه وسلم حين خرج:(إنكم لتنتظرون صلاةً ما ينتظرُها أهلُ دين غيرُكم، ولولا أن يثقُل على أمتي لصليتُ بهم هذه الساعة)(رواه مسلم) وفي هذا إشارة إلى فضيلة التَّفَرّدِ بالذِّكْرِ في وقت من الأوقات لا يوجدُ فيه ذاكِرٌ، ولاستيلاء الغفلة على الناس، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم أيضا:(من دخل السوقَ فقال: لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله لهُ ألفَ ألفِ حسنة، ومحا عنه ألفَ ألفِ سيئة، ورفع له ألفَ ألفِ درجة، وبنى له بيتا في الجنة)(سنن الترمذي عن عبد الله بن عمر)ـ والأجور المترتبة على الاشتغال بالطاعات وقتَ غفلةِ الناس كثيرة ومتنوعة، وفوائدها متعددة منها: أن فعل هذه الطاعة يكونُ أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارُها أفضل لاسيما الصيام، فإنه سرٌّ بين العبد وربه، ولهذا قيل: إنه ليس فيه رياء.ومنها: أن في إحياء وقت غفلة الناس بالطاعات مشقةٌ على النفوس، وأفضل الأعمال أشقـُّها على النفوس إن كان على السّـُنة، قال صلى الله عليه وسلم:(الأجرُ على قدر النـَّصَب) فتأملوا كيف أن كثيراً من الناس يشق عليهم الصيام في غير رمضان: فإذا جاء رمضان سَهُلَ عليهم الصيامُ ولم يجدوا فيه مشقة،لأن الناس مِن حولهم يؤدون هذه العبادة الجليلة، والناسُ كأسراب القطا (أي كقطعان الحمام يتبع بعضهم بعضا)، ثم إن الناس في وقت الفتن تستولي عليهم الغفلة كزماننا،حيث يتبعون أهوائهم ولا يرجعون إلى دين، وينشغلون عن عبادة ربهم بهذه المحدثات والمضلات من الفتن، فإذا انفرد مِن بينهم مَن يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيَه ويجتنب مساخطه كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، متبعاً لأوامره مجتنبا لنواهيه، عباد الله ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شُرع فيه ما يُشرَعُ في رمضان من الصيام وقراءة القرآن، ليحصلَ التأهُّبُ ، وتتروض النفوس على الطاعة،  

عباد الله: هَذَا الشَّهْرُ؛ اسْمُهُ شَعْبَانُ، وقَدْ ذَكَرَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ: أَنَّ شَعْبَانَ سُمِّيَ بِهَذَا الاسْمِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَكُونُ فِي شَهْرِ رَجَبٍ مُمْتَنِعَة عَنِ الْحَرْبِ وَمُمْتَنِعَة عَنِ الْقِتَالِ – لِأَنَّهُ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ -، فَإِذَا انْقَضَى شَهْرُ رَجَبٍ تَشَعَّبَ الْعَرَبُ لِلْقِتَالِ فَشَعْبَانُ مِنْ الشُّعَبِ أَوْ مِنْ التَّشَعُّبِ، وَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ هَذَّبَ كَثِيرًا مِنْ أَخْلَاقِ الْعَرَبِ، فحَافَظَ عَلَى مَا كَانُوا فِيهِ مُوَافِقِينَ لِلفِطْرَةِ، غَيْرَ مُغَيِّرِينَ.

 وَأما السَّلَفُ الصَّالِحُ  رَضِيَ اللهُ عَنْهُم فكَانُوا يُسَمُّونَ شَهْرَ شَعْبَانَ (شَهْرَ الْقُرَّاءِ)،وَمَا ذَلِكَ إِلَّا اسْتِعْدَادًا لِلنُّفُوسِ، وَتَهْيِئَةً لِلْجَوَارِحِ وَالْأَبْدَانِ؛ حَتَّى تَسْتَقْبِلَ هَذَا الشَّهْر، وَ تَتَهَيَّأَ لَهُ؛ أيها الإخوة المؤمنون إن شهر رمضان هو شهرُ الجائزة، ففيه يفوزُ الصائمون القائمون، ويخسر القاعدون المبطلون، فهو مجالٌ للعملِ و ليس لبدءِ الاستعدادِ للاستمرار على الطاعة، وإنما أيامُ شعبان هي أوانُ أخذِ بوادرِ الأُهبة، وتجهيز متاع التوبة إلى شهر الصيام والقيام؛ فالفائز في رمضان هو: مَن أحسَن التأهب في شعبان، والمغبون أشد الغبن من استغفله الشيطان واستولى على دقائقه وساعاته في شعبان. نور الله بصائرنا و بصائركم بنوره، و جمعنا و إياكم مع الصالحين، سبحان ربك رب العزة  عما يصفون وسلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية:

 الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الْهَادِي الصَّادِقِ الْوَعْدِ الْأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ -رَضِيَ اللهُ-تَعَالَى-عَنْهُمْ-أَجْمَعِينَ-. أما بعد، عباد الله: من المؤسف جدا معاشر المسلمين أن نلاحظ تفاقم ظاهرة استغلال الأطفال في التسول بينما وضعُهم الطبيعي أن يكونوا في أسرة تتمتع كما يتمتع كل أفرادها بالحقوق الطبيعية و الإنسانية من مأكل و مشرب و ملبس و مأوى محترم مع حق التمدرس و التعليم، والتفيء في دفء عائلي يضمن لهم حياة كريمة مستقرة متوازنة، و لهذا نهيب بكل المحسنين أن يساهموا في إنقاذ الأطفال من الوقوع في براثن من يستغلـُّهُم ليتسول بهم و يعرضهم لأنواع من الاستغلال البشع لهشاشتهم، فيُطافُ بهم في الشوارع لاستجداء عطف الناس و إحسانهم، و أحياناً إبعادِهم عن أسرهم الحقيقية، وخَطْفِهِم منها لينشأوا على عادات سيئة، و ممارسات منحرفة، و أخلاق فاسدة، خصوصا في فترة الحجر الصحي وتزايد الهشاشة الاجتماعية بسبب هذا الوباء فعلى كل من يأنسُ من نفسِهِ المساهمة في التخفيف من هذه الظاهرة و مساعدةِ من يسعى إلى توفير الإيواء و التمدرس و الرعاية الاجتماعية لهؤلاء الأطفال و أمهاتِهم الفقيرات، فإن ذلك يعد عند الله من أعظم القربات و من أكبر الطاعات التي تفوق في ثوابها كل عبادة فردية من صلاة أو صيام ففي القرآن قال تعالى: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب، وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّئينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ) [البقرة: 177] و قال سبحانه : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان: 8 – 12]،  و في الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: “أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ يشكو قسوةَ قلبهِ ؟ قال: أتحب أن يلينَ قلبُك وتدركَ حاجتك؟ ارحمِ اليتيمَ وامسحْ رأسَهُ وأطعِمْهُ من طعامك يَلِنْ قلبك وتدركُ حاجتَكَ” (رواه الطبراني)

 و اكثروا من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره و مقداره العظيم، آمين. وارض اللهم عن أصحاب رسولك، و خلفاء نبيك، القائمين معه و بعده على الوجه الذي أمر به و ارتضاه و استنه، خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة،  والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين، و عن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا  بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لا تخالف بنا عن نهجهم القويم وسنتهم.ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)(سبحان ربك رب العزة عما يصفون ( و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :

ذ. سعيد منقار بنيس الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد 

  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى