مقالات

الطريقة التجانية المميزات والخصائص

يتناول العلامة حسن علي سيسي في عرضه القيم ما تميزت به الطريقة التجانية من شدة تمسك أصحابها بالكتاب والسنة وما اختصت به من خصائص جعلتها لا تضاها في الوقوف عند المأمورات واجتناب المنهيات

 

الطريقة التجانية: الخصائص والمميزات
الشيخ حسن علي سيسي
رئيس المنظمات الإسلامية الإفريقية للسكان والتنمية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته وجلاله تتم الصالحات القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) وقال أيضا: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) وقال: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ).
والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب لواء الحمد والمقام المحمود القائل ( خير الأعمال أدومها وإن قل ) وعلى ءاله وصحابته الهادين المهتدين ورضي الله عن شيخنا ومولانا الشيخ أحمد بن محمد التجاني الحسني وعن مظاهر تلك العظمة وورثته الذين بهم نتوسل إلى حضرته ونعتصم معهم بحبل الله المتين.
حضرة السيد: وزير الأوقاف والشئون الإسلامية حضرات السادة الشرفاء سلالة القطب المكتوم والبرزخ المعلوم حضرات السادة الخلفاء والمقدمين السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
إنني بداية أثمن جهود الوزارة في عقد هذه الندوة المباركة تحت رعاية الملك المفدى صاحب الجلالة أمير المؤمنين محمد السادس ملك المغرب نصره الله وأيده ونصر به الإسلام والمسلمين. إن عقد مثل هذه الندوة لتؤكد أواصر المحبة التي رسخت في قلوب الإخوان التجانيين تجاه المملكة المغربية منذ عقود طويلة، إذ أن المملكة العلوية الشريفة لها علاقة متينة بالشيخ التجاني وبأبناء الطريقة التجانية بدءا بالسلطان مولي محمد بن عبد الله إلى اليوم، كما كانت علاقة الشيخ التجاني بمولاي سليمان علاقة روحية أسست على التعاون على البر والتقوى، وتعاونا في إرساء وترسيخ مبادي الدين الإسلامي ونشر تعاليمه السمحاء وإعلاء كلمة الحق والتصدى لإعداء المملكة، فجاءت هذه الندوة تتويجا لهذه الجهود الفريدة التي أثمرت في عهد مولانا أمير المؤمنين الملك محمد السادس نصره الله وأيده آمين وستؤتي أكلها في عهده الميمون إن شاء الله. إننا في غاية السرور والإمتنان لحضور هذا اللقاء الأخوى التجاني الفريد من نوعه، لأن “اللقاء لقاح”. ومما أثر عن القوم “من تحقق بحالة لم يخل منها حاضروه”
ومن بنود الطريقة التجانية “ملاقاة الأحباب خير من قراءة الأوراد والأذكار لأن الأذكار تقضي إذا فاتت وملاقاة الأحباب لا تقضي”
ولقد توافد الأحباب من بلاد شتى إلى هذا المكان فاس المحروسة حيث ضريح الشيخ التجاني تعرضا للنفحات الإلهية والفيوضات الربانية ففي الحديث:
[إن لله في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها فلعل أحدا تصيبه نفحة لا يشقى بعدها أبدا].
لا شك أن هذه الندوة من مضان تلك النفحات فا لطريقة منذ أن بزغت شمسها على يد سيدنا أبي العباس الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه إلى يومنا، لم تزل توضح للناس السير إلى الله وترشدهم إلى سبيل الهدى والرشاد وتهدى المريدين إلى أحسن الطريقة ينالون بها السعادة الدنيوية والأخروية.
فالإخوان التجانيون هم الأخوة في الله والأحباب في الله وقد أثر عن الشيخ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “قل لأصحابك لا يؤذي بعضهم بعضا فإن ذلك يؤذيني ” قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا).
إن الطريقة التجانية إذ تؤصل الأخوة الإسلامية نجحت في خرق جدران النفوس وتغلغت في قرارتها وأنارت البواطن بالعلوم الصمدانية الوهيبة، كما ألغت حدود البلاد وأذابت الفروق بين العباد – فها نحن نلتقي في هذه الصالة وفودا من شتي بلدان إفريقيا من غربها إلي جنوبها ومن وسطها وشمالها وهاهي أميركا بشتي ولاياتها نيويورك وشيكاغو وميشيغن وممفيس وأطلنطا وديترويت……..- فكانوا أمة واحدة فجمع بينهم الحب في الله وتحرروا من ربقة عبودية غير الله بأن أزاحت عنهم الحجب بتوحيد الله وأوصلتهم إلى الفناء والبقاء في الله، ونفى الغير والغيرية.
إنهم الصوفية الحقة المتسربلة بسربال السنة صفت سرائرهم واستقامت ظواهرهم على الكتاب والسنة خرجوا من رعونات النفس وانصبغوا بصبغة الحق (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً).
فالتصوف يقول الشيخ التجاني رضي الله عنه ” إمتثال الأمر وإجتناب النهي في الظاهر والباطن من حيث يرضى لا من حيث ترضى ” وهذا لا يتحقق إلا بمراعاة الشريعة المطهرة فأهل الطريقة هم أهل الذكر والصلاة والإستغفار، يذكرون الله أناء الليل وأطراف النهار ويلازمون الصلاة على الوسيلة العظمى إمتثالا لأمر الله تكسبهم نورا. قال تعالى: هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور.
فطريقتنا محمدية أصحابها هم المتمسكون بالسنة، المتفانون في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتأهلون للإقتداء به في أقواله وأفعاله والتخلق بأخلاقه. إنها مؤسسة بالكتاب والسنة وعليهما مدارها وخارج الكتاب والسنة ليس هناك ما يسمى بالتجانية وقديما قال الامام الجنيد رصي الله عنه: (إن الطرق كلها مسدودة أمام الخلق إلا من اقتفى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع سنته وطريقته).
وقد برء مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه ذمته من كل ما يخالف الشريعة المطهرة وبرهن على سنية طريقته قوله: “إذا سمعتم عني شيئا فزنوه بميزان الشرع فما وافق فخذوه وما خالف فاتركوه”. كما أن أعماله وسيرته المطهرة كانت مؤسسة على الكتاب والسنة. وقال تلميذه سيدي محمد بن المشري رضي الله عنه ومع ما سمعت من كرامات هذا الشيخ الجليل القدر فإنه كان في غاية التواضع ومن لم يعرفه لم يميزه بين أصحابه، ومن صفته أنه كان زاهدا راغبا آخذا تاركا فطنا متغافلا عن أحوال الناس مشتغلا بنفسه ومشددا في إتباع السنة غير مسهل فيها لأحد إلا من لم يمتثل أمره، وكان رضي الله عنه يحثنا على صلاة الصف إذا سافرنا ويقول: “من لم يصل معكم في الصف لا تتركوه يرافقكم” ويقول “المحافظة على الصف يصرف الله بها أكثر المصائب”.
ومن متابعته كثرة المحبة لأهل البيت والحث على توقيرهم وتعظيمهم وهذا أدل دليل على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وتطبيق أوامر القرآن فال تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي), وكان يأمر بطاعة المقدمين ما التزموا بالحق “وعليكم بطاعة المقدمين مهما أمروكم بالمعروف أو سعوا في إصلاح ذات بينكم” وليحذر في ذالك عن تغريم دنياهم ولا يتشوف إلى ما في أيدي الإخوان عالما أن الله هو المعطي، وهو المانع الخافض والرافع”, وعلى هذا النهج القويم كان يربي تلامذته وتوارث خلفاؤه هذا المنهج القويم جيلا بعد جيل وحرصوا غاية الحرص على المحافظة علي هذه الأسس وقد كان الشيخ إبراهيم انياس يؤكد سنية الطريقة التجانية وقال:

عليكــم بـحـبـل الله للـعـبـد واثـقـــــا   فنـــهـج يـنـاوي الـذكـر نـهـج شـقـاء
وإن قـــلـت هـل ذا الورد نهج محمد   أقـــول نــعـم وردي لـنـيـل صــفــاء
فــمـا الــورد إلا الــذكـر لله وحـــده   تـــصــلـي عـلى المختار خير وراء
فـمـا فـيـه ذكـر الشـيخ أو ذكر غيره   فــوردي لـــداء الـعـبـد عـيــن دواء
رويـــدكم لا تـــنـكـروا عـن جـهـالة   لـبــغــي وعـــدوان وعـيـن جـفـــاء
ولقد سبق أن قال شيخ الإسلام بتونس سيدي إبراهيم الرياحي في نفس المعنى
فــمـا ظـنـونـك بالـورد الـذي نظمت   يـــد الــنـبـوة هـل يـبـنـى بــلا ساس
فـــما تــظــن بــمـنـهـاج لـسـالـكـــه   أمـــن مـن أهـــوال نـيران وأمراس

فالطريقة ليست بدعا من الصوفية السنية التي هي ( عبارة عن علم إنقدح من قلوب الأولياء حتى إستنارت بالعمل بالكتاب والسنة فكل من عمل به إنقدح له من ذالك علوم وأسرار وحقائق، تعجز الألسن عنها نظير ما انقدح لعلماء الشريعة من الأحكام حتى عملوا بما علموا من أحكامها، والتصوف إنما هو زبدة عمل العبد بأحكام الشريعة إذا خلا عمله من العلل وحظوظ النفس كما أن علم المعاني والبيان زبدة علم النحو فمن جعل علم التصوف علما مستقلا صدق ومن جعله عين أحكام الشريعة صدق ) اهـ كاشف الألباس.
إن الطريقة مبنية على الإخلاص في صدق التوجه إلى الله بإخراج السوى في المعاملة مع الحق، وهذا لا يمكن لمن أسرته النفس وأغرقته الشهوات والطموحات الآثمة، فالصوفية هم العباد والزهاد في كل عصر.
روي عن الحسن البصري “رأيت صوفيا في الطواف وأعطيته شيئا وقال معي أربعة دوانق يكفيني ما معي” هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن التابعين كانوا يسمون الزاهد صوفيا فهم العلماء بأمراض النفوس ودسائسها.
عن الحسن البصري عن سفيان الثوري لو لا أبو هشام الصوفي ما عرفت دقائق الرياء. فالمشايخ كما روي عن شيخنا التجاني رضي الله عنه حبال أدلاهم الله إلى الخلق من تمسك بهم نجى. ويقول الشيخ إبراهيم انياس رضي الله عنه “وأعلم أن المراد بالمشايخ التوسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة العظمى قال لي سيدي عبد الله بن الحاج العلوي رضي الله عنه الغر ض من أوراد التجانية شم رائحة الحقيقة المحمدية عليها الصلاة والسلام”.
وجدير بالذكر أن أهل الطريقة هم الذاكرون الله كثيرا والذاكرات والمحلقون للذكر في كل القارات ومن جميع المستويات. والذكر هو السلم الأمين للإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا). فأهل الطريقة هم المثل الحي لهذا يجتمعون من قبائل شتى يجمعهم حب الله ورسوله والتفاني في متابعته والإنتصار للحق، مع زهد وتواضع إقتداء بالوسيلة الأعظم مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه “ومع ذالك الإستغراق والفناء في الله فهم ما عطلوا نواميس الكون وسنن الخلافة في الأرض بل يزاحمون في كل المجالات، موزعون بين شتى الأعمال والمهن والتخصصات في حياتهم طلبا للحلال وتعرضا لنفحات الرب جل وعلا فبارك الله فيهم ووقاهم مكائد عدوهم وحفظهم بما حفظ به ذكره الحكيم وما ذالك على الله بعزيز” (رسالة التوبة) – فها هم العلماء والمشايخ وأمراء القبائل وهاهم التجار والمدراء والمهندسون والاطباء والصحفيون والاساتذة….. –
فإذا رسخ أن المراد من الأوراد التجانية شم رائحة الحقيقة المحمدية وهي قائدة إلى العمل بالكتاب والسنة اللذان هما طوق الأمان وأساس الإيمان قال صلى الله عليه وسلم:” تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي” وعلى هذه المبادئ انتشرت في الآفاق لأنها طريقة حق والحق يعلو ولا يُعْلى عليه يقول شيخنا التجاني رضي الله عنه : “طابعنا يغلب على كل طابع ولا يغلب عليه طابع”. فالطريقة لها قابلية للإنتشار ولا تعرف الحدود لأنها ترتكز على السماحة ولا تنافي الفطرة السليمة، ولقد أثنى على الشيخ التجاني رضي الله عنه الجلة من العلماء في عصره.
منهم على سبيل المثال لا الحصر العلامة سيدي حمدون بن الحاج وقد ذكر ولده في كتابه الأشراف إنه كان يثنى على هذا الشيخ في العلم والمعرفة ويقول إنه من الكمل وإنه مدحه بقصيدة منها قوله:

فـــعـلـيـك بـالــبـدرالــمـنــيـر سـنـــا   أبــي الـعــبـاس أعني أحمد التـجاني
شـمــس السـيـادة قـطب دائرة الهدى  بــدر الـسـعـادة كـوكـب الإحـســـان
بـحــر الـنـدى مــــد لـنا حكما سمت  كـفـرائــد فـي الـعـقـد والـتــيـجـــان
حــبـر إمــــام قـد سـمى  بـمــعـارج  فـي الـصــالـحــات ولم يكـن متوان

هذا وقد تتلمذ عليه علماء أجلاء لا نطيل في ذكرهم فهم كالقمر ليلة البدر في كل الأ قطار و هم سادة الناس في كل مكان وزمان وإلى هذا يشير الشيخ إبراهيم انياس رضي الله عنه بقوله:

لـــه صــحـب كــأقـــــمـــــــــــــــار   ذوو فــــتــــح وأســرار
وتــــــمكـــيــن وعــــرفــــــــــــــان   وكـــل عــيـن أعــيـــان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى