العبر المستفادة من حدث الهجرة النبوية
الخطبة الأولى:
*الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد بن عبد الله سيد الكائنات.*و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له * و نشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله ومصطفاه من خلقه صلى الله عليه وسلم على آله و صحابته و على من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .
أما بعد، عباد الله : يقول صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات، و إنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله و من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ” (أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه) فهذا الحديث النبوي و إن كان له سَبَبٌ ذكره العلماء، فإن العبرة بعموم لفظه لا بخصوص سببه و بالتالي فهو يتناول جميع أقسام الهجرة، و قد ذكر العلماء منها ثمانية: الأولى و الثانية: الهجرة من أرض الخوف إلى أرض الأمن، كهجرة الصحابة إلى أرض الحبشة فقد هاجر المسلمون الأوائل إليها مرتين، فهما هجرتان.الثالثة: هجرة من أرض الحرب إلى دار السلم. و هي الهجرة من مكة إلى المدينة. الرابعة:هجرةالقبائل بعد إسلامهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. الخامسة:هجرة من أسلم من أهل مكة فلحقوا بالمهاجرين الأولين. السادسة:هجرة من كان مقيما ببلاد الكفر و لا يقدر على إظهار الدين فيجب أن يهاجر إلى دار الإسلام. السابعة:هجرة ما نهى الله عنه.لقوله صلى الله عليه وسلم: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه” الثامنة: الهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن. فعن عبد الله بنعمرو رضي الله عنه: ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألـْزَمُهُم مُهاجَرَ إبراهيم، و يبقى في الأرض شرار أهلها“(رواه أبوداود) لأن إبراهيم عليه السلام لما خرج من العراق مضى إلى الشام و أقام بها. و قد أساء بعض الناس للأسف فَهْمَ هذا الحديث فحملوه على زماننا و حثوا الشباب على الهجرة إلى الشام. فأساءوا من حيث ظنوا أنهم محسنون. و أفسدوا من حيث ظنوا أنهم مصلحون.و قد تعرض الامام ابن العربي المعافري رحمه الله في كتابه أحكام القرآن إلى أنواع أُخَرَ من الهجرة، فقال إنها ستة أقسام: الأول : الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وكانت فرضًا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم إلا على المستضعف العاجز ، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة والهجرة التي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان ؛ الثاني : الخروج من أرض البدعة ؛ قال ابن القاسم سمعت مالكًا يقول: لا يحل لأحد أن يقيم ببلد سُبَّ فيه السلف؛ وهذا صحيح فإن المُنْكَر إذا لم يقدر على تغييره زال عنه، قال الله تعالى: ]وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [ [الأنعام 68[ الثالث : الخروج عن أرض غلب عليها الحرام ، فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم الرابع : الفرار من الإذاية في البدن ، وذلك فضل من الله تعالى أرخص فيه ، فإذا خشي المرء على نفسه في موضع فقد أذن الله سبحانه له في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من هذا المحذور، وأول من حفظناه فيه الخليل إبراهيم عليه السلام لما خاف من قومه قال:[إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي] [العنكبوت26[ ثم موسى عليه السلام قال الله سبحانه فيه:] فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] [القصص21الخامس:خوف المرض في البلاد الوَخِمَة والخروج منها إلى الأرض النَّزِهة وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرِّعاء حين استوخموا المدينة أن يتنزهوا إلى المسارح فيكونوا فيها حتى يصحوا ؛ وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون ، فهو مكروه، يشير إلى ما رواه مالك في الموطأ والشيخان عن أسامة بن زيد وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الطاعون: ” إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ ” ،السادس : الفرار خوف الإذاية في المال،فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه، والأهلُ مثلـُه أو آكد ؛(انتهي ببعض تصرف من أحكام القرآن).فاستعيذوا عباد الله من مُضلات الفتن ما ظهرمنها وما بطن، واسألوا منه تعالى لنا و لكم و لأولادنا و أولادكم و لجميع المسلمين العفو و العافية والمعافاة الدائمة في الدين،والدنيا والآخرة. جعلنا الله و إياكم ممن سمع فوعى وجعل شعاره التقوى، واستدام الخشية من الله عالم السر والنجوى. سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، و سلام على المرسلين ، و الحمد لله رب العالمين .
***************************************************