الفرقان بين الصوم والصيام في القرآن / ذ: عدنا زهار
بسم الله.
ورد على الموقع السؤال التالي: هل هناك فرق بين لفظتي الصيام والصوم الواردة في القرآن؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا بما عهدنا فيكم من سعة العلم والمعرفة وحسن إجابة.
فأجبت بقولي:
اعلم أن أهل اللغة اتفقوا على أن لفظ “الصوم” و”الصيام” مصدران لفعل صام بمعنى واحد، قال في “لسان العرب”: “(صوم) الصَّوْمُ تَرْكُ الطعامِ والشَّرابِ والنِّكاحِ والكلامِ صامَ يَصُوم صَوْماً وصِياماً”,اهـ
وقال الزبيدي في “تاج العروس”: “صام صوما وصياما بالكسر، واصطام إذا أمسك هذا أصل اللغة في الصوم…”اهـ
فالصوم فَعُلٌ والصيام فِعَالٌ، وكل ذلك وارد مسموع عن العرب في استعمالات المصادر.
وقد ورد في القرآن الكريم لفظ الصوم مرة واحدة، وهي في قوله تعالى (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا)، وأما الصيام فورد في سبعة مواضع: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) و(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) و(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)، (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ)، و(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ) و(فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ) و(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)…
والذي يستخلص من النظر العام على مواطن لفظ الصيام في المواضع السبع هو كونه المتعلق بالعبادة الشرعية المعرفة بكونها الإمساك عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية صالحة، ولفظ الصوم خرج عن حد التعريف الاصطلاحي إلى حقيقة الوضع اللغوي وهو مطلق الإمساك المستعمل في سياق الآية هنالك عن الإمساك عن الكلام بقرينة (آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال).
قال الزركشي في “البرهان”: “وكل صوم في القرآن فهو الصيام المعروف إلا الذي في سورة مريم إني نذرت للرحمن صوم يعنى صمتا.”اهـ
ومعلوم أن صياغة المصدر من فَعَلَ بفتح كله ب”فَعْل” بإسكان وسطه يدل على مطلق المصدرية، وهو المقصود ب”صوم” في آية مريم، وأما صياغته منه ب “فعال” فيدل على زيادة معنى لزيادة المبنى، وهو ما في “فعال” من زيادة التكلف وحصول المشقة بالفعل المجرد منه، وهو المعني بلفظ “الصيام” في الآيات الأخرى لكون الصيام التعبدي ينطوي على مشقة حسية ومعنوية ومعلومة.
ومن هاهنا تدرك عظمة القرآن وبلاغته ودقته في الاختيار والتركيب والزيادة والنقصان، وأنه كلام الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. والله أعلم