مقالاتمواضيع مختلفة

الفرق بين اندفاع الشبيبة ونضج الأربعين

 

فائدة وتعليق

الفرق بين اندفاع الشبيبة ونضج الأربعين

قال العلامة الرباني سيدي أحمد زروق البرنسي الفاسي ( تـ 899 هـ) في كتابه “الكناش” ص 27:

ولما كان آخرَ سنة سبعين زُرنا الشيخَ أبا يعزى، مع الشيخ الزيتوني وجماعة من الفقراء، فظهر لنا من أسراره وأنواره وبركاته ما لا مزيد عليه، وسافر معنا هذه المرة الشيخ أبو عبد الله الدَّقُون، وكان أميا صادقا مفتوحا عليه، بحيث يتكلم في التوحيد الخاص والعلوم الدقيقة، ويأتي بما يرضي ويسُرٌّ، وكان لي حِدَّة، فكان إذا رآها مني قال: أمهِلْ حتى تجاوز الأربعين، فإن هذا لا يَبقى منه شيء. انتهى

قلتُ: في هذا النقل فوائد، منها:

1 ـ بلوغ مراتب الرجال يكون باللقاء بهم والرحلة في طلبهم، وهذا واقع أكثر العارفين والعلماء العاملين، مثل الإمام زروق الذي ضُرب له نصيب أوفر في العلمين الظاهري والباطني، فهو يثبت هنا أن رحلته للقاء أبي يعزى لم تكن الأولى وإنما تكررت، وكذلك ثبت عنه وعن غيره رحلات كثيرة للِّقاء مع الصادقين والسماع منه.

2 ـ أن كرامات العارفين وأنوارهم لا تُرى إلا لأهل البصائر، وتُحجب عن أصحاب القرطاس والأوراق والدفاتر، وأحمد زروق ممن منَّ الله عليه ببصيرة تُدرِك حقائق الرجال ومراتبهم، بخلاف من انخدع بمحفوظاتٍ لا يتجاوز ظواهر ألفاظها إلى أنوار أسرارها، (واتقوا الله ويعلمكم الله).

3 ـ شهادة سيدي أحمد زروق للدَّقُون بأنه كان يتكلم في خصائص التوحيد ودقائق العرفان وإن كان أميا، دليل على أن المعرفة بالتقوى أسرع منه بالطلب والبحث.

4 ـ كانت تعتري الإمام زروقا حدةُ الشريعة التي يزن بها ظواهر ألفاظ وأحوال الصالحين، وكان يظهر عليه هذا في مبتدإ أمره رضي الله عنه الذي تغيَّر بمقاربته الأربعين كما تجده وتستنشفه في كتاب “إعانة المتوجه المسكين” وغيره.

5 ـ وفائدة الفوائد كلمة سيدي الدَّقُون، التي بيَّن له ولكل متشرع متسنن أن للسن ولزمن الشبيبة – خصوصا – أثرا في تصور الأشياء ثم الحكم عليها، إذ يكون تصورا محدودا جدا متأثرا بالاندفاع لإصلاح ما يظهر لصاحبه فساده، إلى أن يتم النضج بالأربعين المنوَّه بها في القرآن، حيث قال عز من قائل (حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك…) الآية، فيحصل له تصورٌ أشمل مما مضى، فيصير يعتقد ما كان من قبل ينتقد، وهذا مرئي في كثير من أهل العلم، ممن صدق منهم الله ورسولَه.

6 ـ وعليه، فإن تحقيق الأمور العظام والبث فيها والإجابة في القضايا المعضلة والحكم في مسائل معرفية متعمقة، لا تصلح -غالبا- لمن دون الأربعين، إلا كمفحص قطاة، وهم قلة قليلة، والبركة مع الكبار، كما ورد في كلام النبوة، أخرجه ابن حبان في “صحيحه” عن ابن عباس، شرط أن يكون للكبير نضج، بخلاف المتصابين -فكريا- من الكبار سنا؛ والله أعلم.

 

عدنان_زهار

 

تعليق الفقيه سعيد بنيس:

 

كلام جميل ولكن يحتاج إلى توضيح وتفصيل لتنقية الفهم العام فالاولياء منهم السالكون ومنهم المجذوبون والأحوال مختلفة، فمن كان من أهل الجذب  تظهر عليه أنوار مشرقة قبل الأربعين غير أنها بعد الأربعين تزيد إشراقا.

والسالكون تكون أنوارهم قبل الأربعين تخللها كسوفات وظلل ظلمانية حتى يجاوزوا الأربعين ويتأهلون لحمل سر النور فتتهذب نفوسهم رويدا ويظهر عليهم الإشراق الذي كان  غائبا قبل بلوغهم الأربعين.

فأهل الجذب لم تفتهم الطريق وإنما فاتتهم متاعبها  كالمسافر بالطائرة، وأهل السلوك يتجشمون الطريق بمتاعبها ويحيطون  علما بتفاصيل مطباتها.

وللمقارنة:

يقارن الشاذلي مع الغزالي رضي الله عن شيخنا وعنهما.

فالشاذلي مجذوب لا سالك وإنما متدارك بالسلوك بعد الجذب.

بينما الغزالي سالك متدارك بالجذب.

وأهل الطريقة التجانية كلهم مجذوبون متداركون بالسلوك وليس فيهم من هو سالك عناية خاصة بهم.

وهو التعبير بقوله رضي الله عنه

” أنتم محبوبون مقبولون على أي حالة كنتم “

قال الشيخ البعقيلي رضي الله عنه مفسرا ومقيدا:

” أي حالة كنتم  من أحوال الشيخ التجاني رضي الله عنه “.

سعيد ـ بنيس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى