الخطبمقالات

الكتب المنزلة من عند الله على رسله: الإيمان بها و بخصائصها 

 

 

الكتب المنزلة من عند الله على رسله: الإيمان بها و بخصائصها 

 

الخطبة الأولى:

*الحمد لله القائل مخاطبا رسوله : أَلَٓمِّٓۖ اَ۬للَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ اَ۬لْحَيُّ اُ۬لْقَيُّومُ (1) نَزَّلَ عَلَيْكَ اَ۬لْكِتَٰبَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاٗ لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِۖ وَأَنزَلَ اَ۬لتَّوْر۪يٰةَ وَالِانجِيلَ (2) مِن قَبْلُ هُديٗ لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ اَ۬لْفُرْقَانَۖ (3)آل عمران * و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد المصطفى العدنان، و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، * ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله        و رسوله صلى الله عليه وسلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته  و التابعين، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه إلى يوم الدين .

* أما بعد ،عباد الله : إن الإيمان بالكتب السماوية ركن من أركان الإيمان بعد ركني الإيمان بالله و بملائكته، وبدون التصديق بالكتب السماوية المنزلة وحياً من الله على رسله لا يصح إيمان المسلم، والكتب السماوية  مظهر  من مظاهر عناية الله بالبشر، ومظهر من مظاهر ربوبية الله لخلقه، فقد أنزل الله إلينا كُتبًا، وأمر رسله بتبليغها إلينا، وعلينا معاشر المسلمين أن نؤمن بها إجمالاً؛ و نعتقد أن الله أنزلها على الناس لتُعَرِّفَهم به سبحانه، وتُعَلِّمَهُم كيف يعبدونه، كما يجب علينا أن نؤمن بما أخبر به الله ، فنؤمن أنه سبحانه أنزل على بعض أنبيائه صُحفًا كنبيه إبراهيم عليه السلام و نبيه موسى عليه السلام، قال تعالى:﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾، وقال سبحانه:﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى(37)﴾ النجم ـ كما نؤمن كذلك أن الله ألقى إلى موسى الألواح وآتاه التوراة، قال تعالى :﴿ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾،وقال تعالى:﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾، ونؤمن كذلك أن الله أنزل على نبيه داود عليه السلام الزبور وهو تراتيل و أذكار و أمثال ليس فيه التشريع شيء، قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ و كان لصوت داوود الجميل أثركبير شبه بالمزامير حتى إن الجبال و الطير لتردد معه تسابيحه قال تعالى:(ياجبال أوِّبي معه و الطير). ونؤمن بأن الله أنزل على عيسى بن مريم عليه السلام الإنجيل،قال سبحانه:﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ،وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ وقال تعالى:﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا، وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾.

ـ أما لجواب من يتساءل عن عدد الكتب والصحف السماوية فنقول: لم يَرِد في القرآن الكريم عددُ الكتب والصحف، وَإِنَّمَا وردت فيه أسماء بَعض الكتب مضافة إِلىَ رُسلٍ أنزلت عَلَيْهِم. وجاء في الخبر عن أبي ذر رضي الله عنه أَنَّ عدد الصحف والكتب هو أربعة ومائة كِتَاب: خمسون عَلَى شيث، وثلاثون عَلَى إدريس، وعشرة عَلَى إبراهيم، وعشرة عَلَى موسى قبل التوراة وقد سماها ألواحا في قَوله تَعَالىَ: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الاَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ الأعراف: 145، والتوراة لموسى، وقد تكون الصحف والتوراة والألواح شَيْئًا واحدا.والإنجيل لعيسى وقال عنه:﴿وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ..﴾ (المائدة: 46)، والزبور لداود، وقال عنه:﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيئِينَ عَلَى بَعْضٍ وَءَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ (الإسراء: 55).والقرآن لسيدنا محَمَّد صلَّى الله عليهم وسلَّم أجمعين .

ـ وأما لجواب من يتساءل عن خصائص هذه الكتب والصحف فنقول: إن من الخصائص الثابتة لها بِنَصِّ القرآن الكريم :

  1. أن كُلُّ الصحف والكتب تَتَّفِقُ في العقيدة ومكارم الأخلاق، مثل: إفراد الله تَعَالىَ بالعبادة، قَالَ تَعَالىَ: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ اِلاَّ يُوحَى إِلَيْه أَنَّهُ لآَ إِلَهَ إِلآَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 25.) ولكنها تختلف في بَعض الشرائع والأحكام، قَالَ تَعَالىَ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ (المائدة: 48.)

  2. كُلُّ الكتب قبل القرآن عَهِدَ الله بحفظها إِلىَ الناس فخانوا الأمانة، وبدلوا وغيروا،وأخفوا منها ما أرادوا، خدمةً لأغراضهم وأهوائهم، فأحلوا ما حرم الله،قال تَعَالىَ عن اليهود:﴿مِنَ الذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ (النساء: 46) وأضافوا إِلىَ التوراة قصصا عن الأنبياء في غاية من السوء والفحش، ونسبوا إِلىَ الله ما هو شرك صريح: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾ (التوبة: 30) وكتموا من التوراة والإنجيل ما شاءوا،ومن ذَلِكَ التبشير بالرسولﷺ، قال تَعَالىَ:﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ

اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًـا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّـوْرَاةِ وَمُبَشِّـرًا بِرَسُـولٍ يَأْتِي مِـن بَـعْدِي

اسْمُهُ أَحْمَدُ، فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾( الصف: 6 )

ـ وَأَمَّا القرآن الكريم فقد تكفل الله بحفظه، قَالَ تَعَالىَ:﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(الحجر:9) فجعله محفوظا في الصدور محفوظا في السطور

  1. لم تكن تلك الكتب السماوية السابقة للقرآن معجزةً بلفظها، أما القرآن، فمعجزٌ بلفظه و معناه ليبقى المعجزة الخالدة للرَّسُول سيدنا محَمَّد ﷺ، قال تعالى:﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (التوبة: 6)، فلولا أنَّ سماع القرآن يُعَدُّ حجَّةً على سامِعِه لم يُوقف أمْر المشْرك على سماعه، ولا يكون حجَّةً إلَّا إذا كان معجزة.

  2. تختلف الكتب في لغاتها حسب الأقوام الذين نزلت فيهم، قال تَعَالىَ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ..﴾ (إبراهيم: 4.)

5ـ . تعريف القرآن: هو الكلام المنزل عَلَى سَيِّدنَا محَمَّد ﷺ، المعجز، المتعبد بتلاوته، المدون في المصاحف، المنقول إلينا بالتواتر. أنزل يخاطب الناس جميعا و ليس لقوم مخصوصين يرشدهم إِلىَ صلاحهم وفلاحهم في الدُّنْيَا وَالآخِرَة.

    نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة  عما يصفون،… 

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :

 أيها المومنون: إن القرآن كتابُ الله المعجزة الباقية الخالدة تتحدى الجن و الانس إلى يوم البعث المعصومة من التحريف و التبديل و التغيير، المهيمنُ على جميع الكتب السماوية السابقة قال تعالى:(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ)( المائدة 48)، فقد نُقِل إلينا القرآن كما نُقِل وجود النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتواتر، فالأمة لم تزَل تنقُل القرآن خلفًا عن سلف، والسلف عن سلفه، إلى أن يتَّصل ذلك بالنبي -صلى الله عليه وسلم- المعلومِ وجودُه بالضرورة، وصدقـُه بالأدلة والمعجزات،والرسول صلى الله عليه وسلم أخذه بطريق الوحي عن أمين الوحي جبريل عليه السلام الذي أخذه عن ربِّه عز وجل.فنقل القرآنَ في الأصل رسولان معصومان من الزيادة والنُّقصان، ونقَله إلينا بعدهما أهل التواتر الذين لا يجوز عليهم الكذب فيما ينقلونه ويسمعونه لكثرة العدد؛ فالقرآن إذًا معجزة نبيِّنا الباقية، وبه قامت الحجة السماعية،ولذلك قال الله تعالى تحدِّيًا لِمَن سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليه آيات من ربِّه: ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمُ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (العنكبوت: 50، 51).فتحدَّى الله جل جلاله البشر جميعًا بأن القرآن هو أعظم المعجزات الكافية،والباقية إلى يوم القيامة، وأما معجزات الأنبياء الآخرين عليهم السلام، فانقرَضت بمُضيِّهم، أو دخَلها التغيير. فاللهم اشهد بأننا آمنا بجميع ما أنزلت من كتب على رسلك .

عباد الله استعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق  و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره  و مقداره العظيم. ،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

 

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :

” ذ. سعيد منقار بنيس”

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية

بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد

البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى