مقر الإلقاء : كلية الآداب بعين الشق( بتاريخ: 6 يونيو 2011 – رجب :1432)
صاحبة الكلمة: نجلة الشيخ البعقيلي: السيدة زينب أبوعقيل( تُلقيها نيابة عن عائلة الفقيد)
عنوان الكلمة:
استخدمها كأداة مَرِنة لمحاربة القطيعة الفكرية والروحية.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد،
ولعل التركيز على ظاهرة الغيرة على الدين والوطن والمشرب يؤتي أُكلَه ويَفي بالغرض- إن شاء الله- لأنه من أهم ما نحتاج إليه في هذه الحقبة الشائكة والمظلمة، خلال هذه المحنة العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية، من البلبلة و الفُرقة والاحتقانِ الفكري، إلى جانب ظاهرة رفعِ راية العصيان بأشكاله، التي أصبحت ويا للأسف آفة العصر، خاصة حين خرجت الفكرة عن جادة الطريق، وحادت عن مسارها الصحيح وعن غايتها النبيلة. التي هي السعي للتغيير من أجل ترميم شخصية الفرد وبناء المجتمع، لا استحلاء الفوضى و ضرب الأمن والاستقرار.
وأية غيرةٍ أصدقُ و لا أنقى من غيرةٍ حميدةٍ مَرِنة تسعى للإصلاح واستردادِ الهوية المستهدَفة، بالحكمة البالغة والفكر السوي، من أجل فهم الدين و قراءةِ الواقع قراءةً سليمة و موضوعية ؟!
فهذا الجبلُ الراسخُ في المعرفة والحِلم، الذي أوقف علمَه وماله وحياته على خدمة الدين، فكان سيفا مسلولا على الدوامُ في وجه خيول الجهل والظلم والافتراء، ذاق كأمثاله من الربانيين الواصلين حلاوةَ الصبر في كؤوس الجد والمثابرة، مختومةً بمِسكِ عَـَرق الإنجاز، لأنه كان يعلم يقينا أن الراحة لا تُنال براحةٍ وأنَّ التجارةَ مع الله رابحةٌ على الدوام، لأن سلعتَه-عز وجل- غاليةٌ لا تُقاسُ إلا بالفداء والتضحية والإيثار ونكران الذات.: فرسم هذا العلاَّمة لنفسه خطة حكيمة وهدفا نبيلا، وحدَّد أَوْلَوِياتِهِ فسار في دروب التوفيق الإلهي من المَحْبَرَة إلى المقبرة، مُكرِّسا حياته ومالَه وعلمَه وسعةَ صدرهِ لبَلورةِ معنى الإيمان الحقِّ، و مؤكدا أكثرَ من مرَّة على أنْ لا بد للإيمان من علامتي الصدق والتصديق، الصدقِ في نية العبادة و التصديق بالدالين على الله بمنهجه تعالى، أنبياءَ كانوا ومرسلين، أو ورثتهم من العلماء والصالحين. كما لابد له من ثمرتي العلم والعمل به فهذه هي مرجعيته الدينية وهكذا كانت منهجيته في التربية والتهذيب مع تلامذته وأتباعه. منهجية دفعت به إلى مد جسور التواصل الفكري بانتقاء مطبعة خاصة من حُرِّ ماله وتحت إشرافه المباشر( هي المطبعة العربية) وذلك لرفع الحَجر والوِصاية عن أفكاره الدينية و عن أحواله الوجدانية و مشاعره الوطنية. فكانت هذه المطبعة المباركة أداةً مسخرة في يده وطوع إرادته، للتعبير عن بطولة الكلمة في عصر الحَجر والحماية، وفي وقت أُقبر فيه الرأيُّ الحر، وللتعبير أيضا بقوة عن تحرر العقل من التلوث الفكري، في وقت نفتَ التطرفُ سمومَه في النسيج الديني السليم، وامتزجت الشرايين الحيوية للفكر والعاطفة فيه بالاستشراق والاستغراب، ليُفْـرِزا معاً فكرًا دخيلا على الدين والقومية العربية. وعلى التراث الحضاري المغربي ككل.
*و لقد واجه رضي الله عنه في كتابه: ” ترياق لمن فسد قلبه ومزاجه ” وزير الأوقاف آنذاك، الفقيه الحجوي الذي تطاول على مبادئ التجانية و رموزها بعد أن ارتد عنها بقوة التحريض فقال له معاتبا:
“فلا تشوش على الأمة..فنحن براءٌ من الكفر ونَفِـرُّ منه. وأصولُنا وقبائلنا مسلمون، وحواشينا وفروعنا ونساؤنا مسلمون مهتدون فبالله الذي قام به ملكُه (تعالى) ما في الطريقة التجانية إلا لُبابَ سنةِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم-…فلا تُـثِرْ في المغرب فتنا …” انتهى ( الصفحة:55 )
*كما ردَّ رضي الله عنه أيضا على تطاول الإمام الشاطبي مؤلفِ: الاعتصام، مخاطبا إياه قائلا:
“فكل ما أحدثه المسلمون قاطبة للتقرب إلى الله اقتضاهُ الدليلُ الشرعي، وإن لم يُنقل من فعل الصحابة الكرام. وعلي، فكل ما استنبطه الراسخون في العلم أو العمل كالعباد، والأحوال كالصوفية والأذواق كالمقربين فلا يَـحِلُّ لمسلم أن يُسميهُ بدعـة، إن كان من الشرع…” انتهى (من كتابه: “الإشفاق على مؤلف الاعتصام مما جناه وأفكهُ على أهل الاستسلام” الصفحتان: 17 و 18)
ومن مميزات هذه الشخصية أيضا أن صاحبها كان يُعلِّم أتباعَه تجديدَ الإيمان و العملَ على جعله إيمانا متحركا، ينزل بالمسلم من بروج العقيدة الصحيحة إلى أرض الواقع، لحل مشاكل مجتمعه الذي كان يتخبط في أوحال الاستعمار ويَتيهُ في دهاليز الثقافة المستورَدة. كان إيمانُه صحيحا و صريحا، جعله لا يستحي من كلمة الحق وإنْ كلفته ما كلفته، ولا يخشى الخلقَ و إن أجمعوا له وبيَّتوا له المكيدة: إنه كان يحاربُ على جبهة(الأمر بالمعروف) كلاً من النذالة والخيانة والغزو الفكري والهُوية المَمْسوخة والشخصية المهزوزة، ليشارك في مسيرة بناء الإنسان وصناعة الشخصية السَّوية. فأبرز بذلك المفهومَ الحقيقي للرجولة التي أشاد بها القرآن في أكثر من آية، في “مواطن الثبات على الحق” وتوطين النفس، لقوله تعالى: ) مِنَ المؤمنين رجـالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ( (الآية.)
وإلى جانب هذا الإشراق كان الحاج الأحسن البعقيلي يُعد رمزا في تحقيق المفهوم الصحيح للربانية و العبودية، شريعةً و طريقة وحقيقة: فلكَمْ صال وجالَ في ساحة الدعوة حين كانت الساحة شبهَ خالية من المصلحين والصالحين ومليئةً بحملة لواء العولمة والتبعية، وُمدَجَّجةً بدبابات الغزو الترابي والفكري وبرشاشات الاستلاب الثقافي، لطمس معالم الهوية المغربية الإسلامية وضربها في مقتل. إلا أن هذه الساحة الدعوية أصبحت اليوم ولله الحمد، ساحة واعِدة تشع ببوارق الأمل في غد أفضل، من وَمضات الإنصاف والاعتدال والوسطية والحوار، مع قَبول الآخر دون إقصائه أو الاستهتار بآرائه،احتضانا لفكرة الاختلاف لا الخلاف، لأنها حسنة من حسنات هذا الدين واعتراف بحرية الرأي والتعبير لإغناء التنوع الفكري. حصل هذا الانفتاح بفضل المبادرة المولوية الرشيدة التي توّج بها أخيرا صاحبُ الجلالة محمد السادس مبادراتِ الإنصاف، بإحقاق الحق في ساحة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فأطلَّت علينا هذه المظلة الحقوقية في حُلة قَشيبة من وراء غيوم اليأس والتعتيم والإقصاء لتنصر بإذن الله تعالى فئةً مباركة، لطالما عاشت في الظل، وهي القدوةُ العاملة في صمت واستماتة، التي تومن بأن التاريخ لا يصنعه إلا أبناؤه الغيورون على وحدته: إنها فئة أهلِ التصديق والتحقيق من أهل التصوف السني، أو كما يُطلق عليه هذا العارفُ بالله اسم: التصوف الإسلامي. فمِن أندية زواياهم انتشر الوعيُ الديني والحِسُّ الوطني، فتخرَّج منها العلماء والفقهاء والوُعَّاظ. ومِن رِباطاتهم وثغورهم تخرَّج الحُماةُ والأبطال الأشاوس الذين أقلقوا راحةَ الغاصِب المستعمر شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. هذا المستعمر الذي استشعر بدهائه الخطرَ من هذه القدوة المؤثِّرة ، فعقد العزمَ على ضرب وحدة المسلمين من الداخل، باستخدام بني جلدتهم ( إذ يعلم أن الفتنة أشد من القتل وأن البلبلة تمزق الوصال وتقطع الأرحام الموصولة وتذهب بريح الوحدة والصمود.)
فرغم أن هذا المستعمر بكل جنسياته المختلقة المتكالبة على العالم العربي كان دخيلا على التراب الوطني، إلا أنه كان يؤثر بدهاء في الحِراك الديني والوطني، فنراه يفرح بالفُرقة الحاصلة بين المذاهب والطوائف، و يرحب بالحملةُ الشرسة التي شنَّها بعضُ المتشددين من الذين اختلط عليهم الأمر في مفهوم الاقتداء والابتداع، فشنوها حربا مُعلَنة على الشيوخ والربانيين، حتى طالت سيوفُ أقلامهم وألسنتهم رموزَ الأمة، فأحرقت بتبنيها لثقافة التعميم الأخضرَ واليابس. بل دفعت ببعضهم الجرأةُ – لحد الوقاحة – إلى هتك أعراض الأصفياء، ففسَّقوهم ونهشوا لحومهم وسفَّهوا طرق عباداتهم، منفرين العامةَ و ُزمرةً من الشباب المفتقر للمعلومة الصحيحة، من مجالسهم بزعمهم أن زوايا هؤلاء وأذكارَهم، ما هي إلا بِدَعـا ومستحدثات ما أنزل الله بها من سلطان.
كما أسعَد هذا المستعمرَ أكثر ظهورُ بعض الجُهال من أتباع بعض الطرق المشينة، لأميتهم الدينية التي دفعت بهم إلى ارتكاب أخطاء نُسبت لأهل الصلاح، وهم منها براء. أخطاء أقل ما يقال عنها أنها غبية وسفيهة( وإن كانت غير مقصودة) كبعض السلوكيات المُنِّفرة والخالية من الذوق، مثل ما يفعله أصحاب الفئة الدخيلة على التدين التي إما أنها تمارِس أو تتاجر بما يُطلق عليه في الشرق( بحضرات الزَّار، لِفَكِّ السحر أو للعلاج من المسِّ المزعوم ) وما يجري فيها من اختلاط سافر، في ظل طقوس كُفرية و خادشة للذوق، تُقدََم فيها القرابين لغير الله تعالى، و تُخرِجُ الممارسَ الذي يطلب الشفاء عن وعيه، لدخوله في دوامة الجذبة والحال، على نغمات إيقاع هستيري .وسلوكياتُ آخرين بتعليقهم للسبحة وإظهارها كرمز للتدين، مع ممارسة الاختلاط و التصفيق والصراخ في ما يسمونه بحلقات الذكر. وآخرون ميزوا أنفسَهم بالهندام المُقـزِّزِ في ظل بطالة مفتعَلة أخرجت الزهدَ القلبي للصوفية السنية إلى زهد الأبدان والسلبية، ومفهوم الولاية والفتح إلى الدروشة، والكرامات الحسية إلى الدجل، والرُّقية الشرعية إلى الشعوذة والتوكل إلى التواكل…) مما جعل أذاهم أكثر ضررا من أي سم قاتل. وآخرون رفعوا لواء التشدد بدافع الغيرة على الدين، ناسين أو متناسين أن لا غلُـوَّ في الدين ولا تـنطع، لِما يؤديان إليه من تطرف وتعسير وتعقيد.و ناسين بذلك أن التجرد من الدنيا والزهد فيها بالكلية، هو إقصاء صريح من الحياة العملية وهروب ضمني من مسؤولياتها وخروج عما خُلقوا له من تعمير و خلافة في الأرض، ومن تواصل وتكافل وتفاعل مع أطياف كل الشرائح الاجتماعية، وأن أفضل الكرامات الدينية هي الاستقامة على الدين، لخُلُوِّها من العطب الذي قد يُصيب المُرائين من أصحاب بعض الكرامات الحِسية.
وهكذا، وبحِرفيةِ المخادع البارع، أُشعِلت نارُ الفتنة داخل الكيان الروحي للقضاء عليه، فجاءت المبادرة المولوية لتزيل عن التصوف السني الصدأ وتنفض عنه غبارَ المهانة المفتعَلة وآثارَ التخلف لإظهار بريق معدنه الأصيل، تماما كما فعل قديما الأجدادُ الأشرافُ العلويون حين استشعروا الأخطار القادمة على البلاد من هنا وهناك ، فعالجوا سمومَ التفرقة بترياق جمْع الشمل وإغلاق منافذ الفتنة. فأظهروا التصوف في أحلى وأرقى صوره إذ غربلوا الطرق الموجودة آنذاك على الساحة الوجدانية، ليجعلوا منها نسيجا واحدا ومُوَحَّدا يليق بوحدة الإسلام وبتعاليمه في الوسطية والحوار وعدم الإقصاء والتهميش، فاختاروا من الطرق أتقاها وأنقاها. وساعدوا على انتشارها في حدود المشروعية والذوق السليم، حتى عُرف المغرب ببلد الصالحين والأولياء، وأصبح بذلك فضلا من الله قِبلةً للروحانيات. فالشيخ البعقيلي إذن، كان من المربين الدالين على الله تعالى، المتفانين في الإخلاص للطريقة التجانية، ولهذه “الوسيلة”، الموصِلة إلى الخالق تعالى والمقرِّبة إلى حبيبه سيد الخلائق فكرَّس حياته لخدمة مبادئها، وقدم أبناءَه وذريتَه فداءً لاستمراريتها. فلم يُفطَمْ بعد ذلك أهلُه و لا أتباعُه عن هذا الشراب السائغ والورد الزُّلال، لِما وجدوا فيه من حلاوة القرب والمَعِيَّة والاستئناس بالله، فعانقوا أفكارَ شيوخهم وأضافوا لحبلهم إلى الله بريقَ عصرهم، وواجهوا بألسنتهم المعارضين كما واجه شيوخُهم بأقلامهم المغرضين، لأنه كما قيل: » – أعراضُ الأولياء تُنهَشُ بأنياب الأغبياء .« وكما قال الجنيد t :» – لا يبلغ أحد درجةَ الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صديق بأنه زنديق! «و كما جاء أيضا في كتاب ” الجامع الصغير “: “- كُفوا عن أهل لا إله إلا الله ولا تتهموهم بذنب، فمن كفَّر أهل لا إله إلا الله، فهو إلى الكفر أقرب” انتهى
وقال جلال الدين السيوطي :» – إنه ما كان كبيرٌ قطُّ، إلا كان له عدو من السّفلة، إذِ الأشرافُ لا تزال تُبْتَلَى بالأطراف.
كان االعلامة البعقيلي – رضي الله عنه- من الرجال الكُمَّل الذين تركوا بصمات على صفحات التاريخ وَزَيَّنوها بأنوارهم التي كانت مُرتبطةً بأسرارهم، فبارك الله في أعماِرهم وأعمالِهم: فمطبعته العربية الخاصة (قرب مقر سكناه بالدار البيضاء) وتآليفه الفقهية والروحية (العديدة والمتنوعة) ومخطوطاته الثمينة، وذريته الصالحة وأتباعه المخلصين، كل ذلك كان صدقة جارية له وبركةً على عصره وعلى وطنه الذي كان يتفانى في حبه و في الدفاع عنه، بصفته مَعقِلَ العلم والإتباع وبستانَ الأشراف (كما كان يوصفه به شخصيا في بعض كتبه) إلا أنه لم يأخذ حظَّه الكافي من التعريف و الانتشار، مقارنةً بالدعايةِ المُكثفة التي تُخَصَّصُ لأمثاله ونُظرائه من العلماء والربانيين: فلا ندري هل ذلك التقصير من قبيل الجهل بمناقبه أومِن قبيل التجاهل و التعتيم والإقصاء؟ و لكنه مع ذلك يبقى حقيقةً ملموسة ،وواقعا لم تمحُ مرارَتَه إلا. تباشيُر التقدير والامتنان التي أخذت تظهر على استحياء، عن طريق التعريف به في بعض المنصات المنصفة الرشيدة والمواقع الإلكترونية الواعدة التي أحيت ما سبق وأن أُقبر عن غير قصد ، لتُزيح اللثام عن أسماء بعض المربين الواصلين. كما لا ننسى في هذا الصدد فضلَ المبادرة المولوية الكريمة التي أطل بها صاحب الجلالة علينا وحرص على تفعيلها، إحقاقا للحق و إحياء للثرات المغربي الروحي، ودفْعا بعجلة التنمية إلى مسايرة الركب الحضاري.
وأخيرا وليس آخرا، وبعد أن وفقنا الله إلى إلقاء ضوء الحقيقة على بعض الجوانب المشرقة في ثراتنا المعرفي وثروتنا القومية، نحمد الله على هذا الفيض من الوفاء وهذه النماذج المشرفة من الالتزام والانتماء، كما نشكره تعالى على نعمة العلم والعلماء ونعمة الصحبة والإخوان ونعمة السلم والسلام، وندعو بالثبات على الحق للذين صانوا للإسلام كرامته وأعطوا للحقيقة حقها، حين أقاموها بميزان الشرع وبجميع صنوجه. والحمد لله على أن أصبح الحلال لنا غذاء والذكر شرابا والتقوى لباسا والورع رداء، و أصبح حب االخالق لنا حالا، والصلاةُ على حبيبه المصطفى فاكهةَ مجالسنا وجلاء همنا وأحزاننا. وصل اللهم عليه صلاة تعرفنا بها إياه معرفة لا نغفل بعدها عن سنته وعن طريقته المثلى للوصول إلى معرفة الله بما يرضي الله وعلى مراد رضي الله عنه.
لا يسعنا إذن إلا أن نقول كما قال الشاعر الوجداني ” داود الرسموكي ” في رثائه لفقيد الحقيقة رضي الله عنه:
أيا دار الـبيضــاء مــاؤُكِ نـــاضِـب
|
وسـترك زائــل وبــــــــدرُك آفــــــلُ
|
|
فــكيف يطيب العيش من بعد ما نعَى
|
نُـــعــــاةٌ إمــامــــاً غـيَّبـتــه الـجنـادلُ
|
|
خــليــفةَ شـيـخـنـا التجاني جواهَر الـ
|
ــكُـمَّـال بـه عِـقـد الـكَـمَـــال مُـكـمَّـلُ
|
|
ألا قـل لـمـن يُـمـسي ويـصبح منكرا
|
مــقــالـتَــه، فـاحـــذرْ سـهــامـا تـقتلُ
|
|
فــسـلْ عـنـه إن جـهلتَ مقدارَ فضله
|
تــآلـيـفَـــه ُتـنـبـئـك مـا كـنـت تـجـهلُ
|
وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم وعلى آله
أَعلامٌ وأقلامٌ من سجلات الذاكرة الروحية التجانية
ووقفةٌٌ تأملية مع الأفكار الحسنية،للعلامة،الحاج الأحسن البعقيلي رضي الله عنه
من كتابه الإشراقي:” سوْقُ الأسرار”.
• نُبذةٌ مختصرة عن أعمال المؤلف وعن فحوى كتابه:”سَوْقُ الأسرار”
•
كان رضي الله عنه في سباق مع الزمن،كأنه يُلاحق أنفاسَه وساعاتِه،حتى لا تفوته لحظة إشراق، من غيرأن يُدوِّن فيها خواطره وهواجسه،أويُسطِّر فيها تطلعاتِه وآمالَه،معالجا بذلك همومَ الأمة.،إما بطرح تساؤلاته الخاصة أو بالإجابة على بعض الأسئلة الحائرة للأَتباع،أو بالرد على بعض الأسئلة الوقحة لبعض الخصوم الذين تعودوا الخوض في المياه الراكدة العكرة،.فألف لمثل هؤلاء عدة كتب(كإلجام الجهال وإعلام جهال الحقائق والإشفاق…) وللمحبين كتبا للتثبيث والتوطين (ككشف الغمة عن الأمة وتحقيق الحقائق والإراءة والشرب الصافي،وما نحن بصدده:”سوق الأسرار”) الِذى لقيَّ إقبالا كبيرا لَدَى المثقفين من الأتباع،لِما فيه من إشراقات روحية عالية وما يتضمنه من أسرارَ ذاتِ أنوار ربانية، قد لا يستشعرها إلا من وُفق لذلك .
وبالتالي ،فالغاية من الكتاب هي التوعية الروحية والإرتقاء بالمشاعر،لاستقبال التجليات والفيوضات الربانية بأريحية عالية .و قد لا يتأتَّى ذلك إلا بترقيق الحجب بالتصفية،تخلياً وتحليا وتجليا،للتمتع بالشفافية الوجدانية التي تُلحق أنوارَ الذات بأنوار الروح، كي تُماثلَها في لطافتها وشفافيتها،بحيث لايسعى صاحبها إلا في مجالات الصلاح والإصلاح ،وفي كل ما يقرب إلى الله. بإخلاص الوجهة له جل وعلا. في كل الحالات.
ولقد أصَّر هذا العارف بالله في هذا الكتاب المشرق على إبراز معنى العبودية الحقة بشرح مراتب الدين الثلاث وبمقاماتها الثلاثة، من أجل إشعار التجانيين بمقام العُبودة الذي ورثوه عن مرتبة الإحسان،توفيقا من صاحب الفضل الفعال لما يريد جل جلاله..
فالننظرإذن، كيف يود هذا الشيخ الواصل أن نكون عليه من أدب مع الحضرة المولوية. إنه يقول في (سوْق الأسرار):”- العبد عبد وإن قرَّبهُ سيده ،فإن أمره امتثل محبةً وشهودا لِحلاوة أمره، فلا يصعب عليه شيء من أوامر سيده ،بل يتلذذ بالأوامروينقص بالإهمال،طبعا،من غير قصد،بل بفيض إلهى….فكن أيها الأخ كذلك مع مولاك الحق ،تحصلْ على كنز العبودية…وليكنْ حظك من مولاك أن جعلـك أذاةً لـذكـره…” انتهى
الحاج الأحسن البعقيلي؟
إن الأمريرجع حثما إلى صاحب المشيئة،سبحانه وتعالى،الذي يحرك قلوب المحبين نحو أصفيائه، القائمين بوظائف العبودية ،الذين عَرفوه وعرَّفوا به ،وأوقفوا حياتهم على الدلالة عليه، فأوقفهم في محراب الأنس به والقرب منه وأرخى عليهم ستائر رحمته وأتحفهم بميزة الخصوصية،وأنعم عليهم بكرامة القـَبول وقوة الحضور.
ومن حسن الحظ،أنْ هدى الله الأشرافَ من المسؤولين على الموقع التجاني المغربي إلى إحياء التراث الديني والحضاري للأمة و إبراز أقلام الحق وسيوف الغيرة على الهوية الإسلامية،بإماطة لثام التعتيم عن فحول المشرب وحراسه،وعن ثرواتهم الفكرية التي تُؤرِّخ للطريقة وتؤطرها،وتطعِّمها من جراثيم الأفكارالهدامة ومن الإنفعالات المدمرة،بدواء القلوب وذلك برفع المناعة الإيمانية لدى أتباعها،فجاءت فكرة إدراج مقتطفات من الكتاب الروحي”سوْق الأسرار”،خلال شهررمضان الكريم لهذه السنة (1431-2010 ) مع إعطاء عنوان خاص يناسب كل فقرة، من باب التسهيل على القارئ.وإعطائه الفرصة لاستيعاب مايقرأ،وحرصا على احتفاظ النص الأصلي بطابعه اللغوي والبلاغي والوجداني على السواء،مع احترم خصوصية المؤلف..
جعل الله عز وجل هذه المبادرة الطيبة في سجل حسنات أصحاب الأيادي البيضاء في مجال التقريب والإحتضان من المشرفين على موقع التواصل الروحي ،الذين أخذوا على عاتقهم جمع شمل الإخوان حيث كانوا،ومن كل الأجناس والأعراق والفصائل..
مقدمة ُكتابِ “سوْق الأسرار”، هي مرآةٌ تعكس قصدَ صاحبها رضي الله عنه
المقدمة كما وردت في أول الكتاب:
والصلاة على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
فإني لَما مَنَّ الله عليَّ بحضرة دين المُنعَمِ عليهم من الأصفياء،تذكرتَُ إخواننا العبيد الأتقياء فأحببت أن أوضح لنا ولهم زُلالَ العبودية،لتنقشعَ عنه العُـبـودَة المحضة ويُزالَ نقابُ محياها بعبارةغضة فيعقبها ذوق ما أشار له العارفون بأساطير التلويح والكناية،فيربحَ كل تاجر بأحكام فهمِ ماسطرناه بالعناية. فالله المبدِئُ المتمُ المعيد.هو الذي أنطق كل شيء،المحرك المسكن.: فاللفظ قالب المعنى والقلب قالب الأسرار، والمراد للمبْنىَ، وسميته ( سوْق الأسرار إلى حضرة الشاهد الستار) وبعد،
فليعلمِ اللبيبُ أن كل ما خطر بباله، فالله بخلافه ،وأن هذا الكتاب إنما يُساق به مساق الأمثال،وهو وما فُهِم منه،وماتخيَّلتْه الأفهامُ عند تقريره ،لاغير، وأن المقصود به ،هو إفراد الِوجهة إلى حضرة الألوهية.(التوحيد)…” انتهى