تأسيسه رضي الله عنه للطريقة التجانية
أسس سيدي أحمد التجاني طريقته الصوفية في أواخر القرن الثاني عشر (18م) ضمن اتباع السنة، ومما ميز الطريقة التجانية، الاستقامة والجد؛ فالمتتبع لحياة الشيخ رضي الله عنه، يجده لا يترك شيئا للصدفة يخطط لتنقلاته ولأسفاره، يسافر حيث يود لا حيث يتيسر.
بعدما اجتمع سيدي أحمد التجاني، بمولانا رسول الله، عليه أزكى الصلاة والسلام، يقظة لا في المنام، وذلك كما أتى على لسان الشيخ، وصرح له بأنه لا منة لأحد عليه من الشيوخ، أصحاب المعارف قدم الرسوخ، وأنه صلى الله عليه وسلم هو شيخه ومربيه وكفيله، وأمره بترك جميع ما أخذه عن مشايخ الطريق، وإذا جاء نصر الله بطل نصر معقل على التحقيق ولقنه صلى الله عليه وسلم أذكارا خاصة وعامة، وأذن له أن يأذن في الورد اللازم الذي هو إذ ذاك مائة من الاستغفار، ومائة من الصلاة على سيدنا محمد النبي المختار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأطهار.
وقد كان – رضي الله عنه – يقول: “أخذنا عن مشايخ عدة، فلم يقض الله عز وجل منهم بتحصيل المقصود، وسندنا وأستاذنا في هذا الطريق هو: سيد الوجود صلى الله عليه وسلم”، وقال أيضا: “سندنا في الورد المعلوم: النبي صلى الله عليه وسلم، وأما المسبعات العشر، فأخذناها مشافهةّ، عن شيخنا الشيخ محمود الكردي المصري، وهو أخذها عن الخضر مشافهة. وأما أحزاب الشاذلي ووظيفة زروق، و”دلائل الخيرات”، و”الدور الأعلى”، فكلها أخذناها بالإجازة فيها عن شيخنا القطب سيدي محمد بن عبد الكريم السمان، قاطن المدينة المنورة…”.
ومما ميز الطريقة التجانية، الاستقامة والجد؛ فالمتتبع لحياة الشيخ رضي الله عنه، يجده لا يترك شيئا للصدفة يخطط لتنقلاته ولأسفاره، يسافر حيث يود لا حيث يتيسر. يخطط لمصارفه المالية وينظمها أشد ما ينظم، يخطط لطريقته ولانتشارها، فيوكل مقدما لجهة معينة ويأمر بعدم الظهور حتى تجتمع شروط الظهور، [سيدي محمد الحافظ الشنقيطي العلوي] ينظم توجهات مقدميه ومن بلغ منهم مرتبة المشيخة.
التخطيط والتنظيم
وقد أسهم حسن التنظيم في انتشار الطريقة التجانية انتشارا باهرا؛ وقد ساهم في ذلك أيضا، الحظوة التي لقيها الشيخ التجاني لدى السلطان أبي الربيع مولاي سليمان بن محمد (1206 – 1238)، وقد تحدث أصحاب التراجم بإجمال عن العلاقة الودية والروحية بين السلطان ومولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه، كما حاولوا أن يجمعوا أخبار باقي أصحاب الشيخ في دواوين فلم يتيسر لهم إلا النزر القليل من ذلك.
ومن المؤكد، هو تميز العلاقة بين الشيخ التجاني والسلطان، حيث عرض هذا الأخير على الشيخ رضي الله عنه أن يسكن أحد قصوره، وهو المعروف (بدار المرايا) بفاس.
ذكر المؤرخ “الضعيف” أن مولاي سليمان أنفق على بناء هذا البيت مالا كثيرا، فاستدعى مجلسه العلمي للمناظرة فيه، وذلك على إثر الانتهاء من البناء سنة 1212؛ وفي السنة الموالية، أهدى البيت بكل سخاء للشيخ التجاني رضي الله عنه ليقيم فيه، فأبى الشيخ ذلك إلا بالمقابل، فصار يتصدق كل شهر بمقدار ثمن الكراء؛ كما أراد السلطان أن يُعِين الشيخ رضي الله عنه على بناء الزاوية فلم يقبل، فازداد إعجاب السلطان بهذا السيد، وعلم أنه على أعلى درجة من الورع، حتى أنه استفسره في إمكانية انتسابه للطريقة التجانية.
واشتهر السلطان مولاي سليمان بالعلم والعدل، وكانت له مجالس طافحة بأعظم علماء المغرب في زمانه، بين فقيه ومحدث ولغوي ومؤرخ وصوفي، لكنه لما عرف مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه بعد انتقاله من الصحراء إلى فاس سنة 1213، اتضح له أن هذا الرجل نسيج وحده، قلَّ أن يجود الزمان بمثله، فأقبل عليه بكليته.
وبقي سلاطين وأمراء الأسرة المالكة على عهدهم بالطريقة الأحمدية، زادها الله شرفا ورفعة، جريا على سنة أبي الربيع، كالسلطان مولاي عبد الرحمن، وأولاده سيدي محمد بن عبد الرحمن، وأخويه العالمين الجليلين مولاي علي ومولاي عبد العزيز، ثم انتقل شغف الأشراف بالطريقة إلى الحفدة وحفدة الحفدة إلى اليوم.