مصادر ترجمته

ترجمة الشيخ سيدي أحمد التجاني من بغية المستفيد

هذه ترجمة الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه كما جاء في بغية المستفيد لشرح منية المريد للعارف بالله سيدي العربي بن السائح.

مَـا أَنْجَـبَـتْ خَــوْدٌ مِــنَ الغَـوَانِــــي               فِـي كُـلِّ مَـا مَضَــى مِـنَ الزَّمــــانِ
كَمِثْــلِ أُمِّ شَـيْـخِــنَــا الـرَّبَّــــانِــي                 عَائِشَـــةَ الطـَّاهِـــرَةِ الحَـصَـــــانِ
فَمَــا لِـحَــوَّائِـيَّـــــةٍ فَخْــــرٌ كَمَــــا                 لَهَـــا بِشَيْخِــنَـــا إمَــــامِ العُلَمَـــا
سِـوَى اللَّوَاتِــي جِئْــنَ بِالمُخْتـَـــارِ                 وَحِـزْبِــــــهِ وَصَحْـبِـِــهِ الأَخْيــَــــارِ
إِذْ أَنْـجَـبَــتْ بِــهِ رِضـــاً مُسَـــــدَّدَا                 مُهَــــذَّبــاً مُمَجَّـــــداً مُـسَــــــوَّدَا
مِـنْ بَعْلِهـَا ذِي الشَّـرَفِ الطِّيـنِـــيِّ                 والشَّـــرَفِ العِلْمِـــيِّ والـدِّيـنِـــيِّ
مَحَمَّـــدٍ نَجْــلِ الفتَـــى المُخْتَــــار                 نَجْـلِ الرِّضَـى أَحْمَـدَ ذِي الفَخَــــارِ
نَجْـلِ الْمُفَــخَّــمِ الإِمَــامِ1 العَـالِــمِ                 سَيِّـــدِنَــا مَـحَـمَّــدِ بْــنِ سَالِـــمِ

 

أنجبت المرأة: أتت بنجيب هـ أي كريم فائق لغيره. والغواني: جمع غانية. قال في المصباح: “غنيت المرأة بزوجها عن غيره فهي غانية مخففا، والجمع غواني” اهـ وعليه قول الشاعر:

 

دَعَـاني الغَوَانـي عَمَّهُـنَّ وَخِلْتُـنِــي                 لِـيَ اْسْـمٌ فـلا أُدْعَـى بـه وَهْـو أول

 

وقيل الغانية: المرأة التي تُطْلَب ولا تَطْلُب، وقيل: الغنية بحسنها عن الزينة، أو التي غَنِيَتْ ببيت أبويها ولم يقع عليها سِباء، أو الشابة العفيفة ذات زوج أَوْلاَ اهـ ذكره في القاموس. وذكر غيره أنها المرأة اللطيفة الحسنة الخَلْق والخُلُقُ انتهى. وتصح إرادة هذه المعاني هنا كلِّها أو جلِّها إذ كلها من وصف كل حرة كريمة.
وما من قوله “ما مضى” واقعة على جزء، وعليه فـ “كُلِّ” المضاف إليها يدل على الاستغراق لسائر أجزاء الزمان الماضي لوقوع “ما” التي هي المضاف إليه على الفرد المنَكَّر منها، والمراد: في كل جزء مضى من أجزاء الزمان. والزمان كسحاب: اسم للعصر كزمن محركة ويطلقان على كثير الوقت وقليله كما في القاموس وغيره. والمِثل: الشَّبَه والنظير، ونحوه المثيل كأمير. والأُم بالضم وقد تكسر: المراد بها هنا الوالدة. وعائشة: علمٌ، أم الشيخ رضي الله عنه، وهو بدل من أم أو عطف بيان عليه. والطاهرة وصف لها. وكذا الحصان ومعناه: العفيفة. وفي [القاموس]: وامرأة حصان كسحاب عفيفة أو متزوجة اهـ. وفي كلام سيدنا حسان رضي الله عنه:
“حَصَانٌ رَزَانٌ لاَ تُزَنُّ بِرِيبَهٍ”1 إلخ.
وحوائية: منسوبة إلى أمنا حواء. والفخر: التمدح بخصال الكمال. والضمير في لها لأم الشيخ رضي الله عنه. وإمام العلماء: مقدم جماعتهم في تحقيق العلوم، ولا يكون كذلك إلا من كان جامعا بين علم الدراسة وعلم الوراثة، والشيخ رضي الله عنه من ذلك بالمكانة التي لا تنكر. وسوى: هنا بمعنى غير، وهي بالكسر وتضم. وجئن: أتين أي غير اللواتي أتين بالمختار أي نبينا صلى الله عليه وسلم. وحزبه صلى الله عليه وسلم: طائفته، إذ الحزب الطائفة، والمراد الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام. وصحبه: صحابته رضي الله عنهم. وإذ من قوله “إذ أنجبت” ظرفية أو تعليلية أي وقت إنجابها به، أو لأنها أنجبت به رضي الله عنه الخ. ورضَا وما بعده منصوبات على الحال من فاعل أنجبت. ومِنْ الجـارة من قوله “من بعلها” تتعلق بأنجبت. والبعل هنا: الزوج. والشرف الطيني: شرف النسب، وصفه به لأن نسبته السنية مرفوعة إلى سيدنا محمد النفس الزكية. ووصفه أيضا بالشرف العلمي والشرف الديني، لأنه كان من العلماء العاملين، والأولياء الواصلين،رضي الله عنه. ومَحمد بالفتح: بدل من بعلها وهو الموصوف بما ذكر من أنواع الشرف. والنجل هنا: الولد. والفتى أراد به هنا الكامل الفتوة، التام النجدة. والمختار: اسم جد سيدنا رضي الله عنه. وأحمد: هو جد والد سيدنا رضي الله عنه، ووصفه بذي الفخار أي صاحبه لجمعه بين طرائق المزايا وتلائدها، وحيازته لأطراف أُزُرِ المجد وأخذه إياها من معاقدها، لجمعه بين شرف الآباء والأجداد، وشرف النفس والأبناء والأحفاد. والمفخم: المعظم إذ التفخيم: التعظيم. ومَحمد بالفتح: هو الموصوف بالمفخم، وبالولي العالم، وهو رابع أجداد سيدنا رضي الله عنه. وسالم هو جده الخامس، فمن ينسب الشيخ إليه كأهل الصحراء وأهل تونسِ وغيرهم فإنه يَنْسُبُه إلى خامس أجداده، ولعل السبب في نسبة الشيخ إليه كون جده الرابع سيدي مَحمد بن سالم هو الذي استوطن عين ماضي أولا من أجداده، فجرى على الانتساب إليه مَن بعده من ذريته، والله أعلم.

 

حَصَـلَ مَفْخَــــرُ العُـلاَ حِيـنَ وُلِــــدْ                 بِعَيْـنِ مَاضِـي ذَا بِفَضْلِـِهَــا شَهِـدْ
أَنْـبَـتَـــهُ الله نَـبَـــاتــــاً حَسَـنـــــاً                 فِـي أَرْغَــدِ العَيْـشِ وأَنْــــوَرِ سَنَــا

 

المفخر: ما يُتمدح به. والعلا: جمع علياء، والمراد المراتب العالية. والحين: الزمان. والولادة معروفة. وعين ماضي: القرية المتقدمة الذكر، والماضي: يطلق في اللغة على معان: منها الأسد والسيف، ولعل تسميتها من الأول. والإشارة بذا إلى كون الولادة بها. والفضل: الشرف. وشهد: من الشهادة بمعنى الإخبار بما قد شوهد حسبما في [المصباح] عن ابن فارس، والمراد هنا الدلالة الحالية. وأنبته الله نباتا حسنا: أنشأه نشأة صالحة. وأرغد العيش: أوسعُه وأهناه. وأنور السنى: أوضحه وأسماه.

 

زَيَّــنَ مَــنْ أَنْشَــــــأَهُ وخَـلَـقَــــهْ                 بَيْـــنَ الأَنَـــــامِ خَلْقَـــهُ وَخُلُقَــــهْ
فَكَــــانَ يُنْبِــئُ بَهَــ،،،اءُ مَنْظَــــرِهْ                لِحُسْنِـهِ لاَمَحَــــهُ عَـــنْ مَخْـبَــرَهْ
لِشِـبْــهِــــهِ بِسَـيِّــــدِ العُــبَّــــادِ                 أَحْسَـــنِ كُـــلِّ حَـاضِـــــرٍ وَبَـــــادِ

 

زَيَّنَ: فعّل بالتضعيف للمبالغة من الزين: ضدِ الشين. وأنشأه: خلقه. والخلق: التقدير. ومن صفاته سبحانه وتعالى الخالق، ومعناه المبدع للشيء المخترع له على غير مثال سبق اهـ قاموس. والأنام: هو هنا كسحاب، وقد تقدم عن صاحب القاموس أنه الخلق، أو الجن والإنس، أو جميع ما على وجه الأرض. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أي الأنام الناس. قال الصَّلْتاني في [نظم الغريب] بعد إيراده ما ذكر في [القاموس] من المعاني ما نصه:

 

وبعضهـم خصصـهــــا بـالنــــــاس                 وهـو ابـن عبـــــاس بلا التبــــاس

 

أي وبعض من فسر القرآن العظيم: والخَلْق: بالفتح عبارة عن الصورة الظاهرة، وبالضَّمِّ وبضمتين: عبارة عن الصورة الباطنة. والبهاءُ: الحسن، وفعْله بَهُوَ كسرو وكَرَضِيَ أيضا ودعا وسعى اهـ قاله في [القاموس]، ونحوه في [المصباح]، زاد: “ويكون البهاء حسن الهيئة، وبهاه الله: عظمه اهـ. والمنظر: الوجه. ولامحه: من لمحت الشيء لمحا من باب نفع نظرت إليه باختلاس النظر قاله في المصباح. وعلى هذا التفسير ربما يكون الناظم عبر به إيماء إلى أنه رضي الله عنهكان لا يُستطاع النظر إليه من شدة الهيبة إلا نظر اختلاس. والمخبر: الحقيقة الباطنة. والشِّبه بالكسر وبالتحريك وكأمير: المثل، والظاهر أن المراد هنا الشِّبه محركا بمعنى المشابهة1 للوزن. أي وإنما كان ينبئ بهاء منظره عن حسن مخبره، لحصول الشبه له بسيد العُبَّاد صلى الله عليه وسلم. والحاضر والبادي: معروفان.

 

وحَفِـظَ القُــرْآنَ فِــي سَبْــع سِنِـيــنْ                  عَـنْ شَيْخِهِ العَالِمِ ذِي الدِّينِ المَـتِيـنْ

 

حفظ القرآن: استظهره، والمراد، برواية نافع. وقوله في سبع سنين: يريد لسبع سنين مضين من عمره، وبه تظهر المزية، خلاف ما تعطيه عبارة الناظم بظاهرها. وتبع في ذلك ظاهر عبارة [جواهر المعاني]، ففي كليهما تسامح ظاهر، إذ الثابت خلاف ظاهرهما، وعبارة صاحب [اللامية] أصح، وأوفق وأصرح، ونصه فيها:

 

وَقَـدْ حَفِــظَ القُـرْآنَ سَـابِـعَ حِجَّـــةٍ                   مُجِيـداً مَجِيـداً أَيَّ طِفْـلٍ بَـدَا طَفْــلاَ

 

يريد أنه رضي الله عنه حفظ القرآن العظيم سابع حجة أي في سابع حجة من حجج عمره. وقوله في بيت اللامية “مُجِيدا” بضم الميم من الإجادة أي حفظا جيدا، و”مَجيدا” بفتحها من المجادة. و”الطِفل” الأول بالكسر: أي الصغير، والثاني بالفتح: ومعناه الناعم. فبان لك أن تعبير اللامية بسابع حجة أصرح في المراد من تعبير الناظم ولا سيما مع قرينة قوله “أي طفل” إلخ فتأمله منصفا.
نعم قد يقال: إن “في” من قول الناظم “في سبع” إلخ بمعنى اللام، أي لسبع بناء على ما نقله الفخر الرازي عن بعض النحاة من أنها تُعاقِبُها في مثل هذا فيقال: خرجت لعشر بقين وبالليل وفي شهر رمضان مثلا، فيستعمل الباء واللام وفي، وحينئذ يُشْبَه أن يتبادر من كلام الناظم هنا المراد والله أعلم.
والشيخ تقدم معناه لغة وعرفا، والمراد هنا شيخ التعليم، والعالم: وصف له. وذي بمعنى صاحب. والدين: يطلق في اللغة على معان كثيرة أنسبها بالمقام الإسلام، والعبادة، والطاعة والتوحيد. والمتين: وصف للدين، وهو من مَتُن ككرم أي صَلْب، والمراد ذي الدين الصلب أي القوي.

 

وَبَعْـــدَ ذَا اشْـتَـغَـــلَ بِـالعُـلـُـــــومِ                فَجَعَـــلَ الغَـامِـــضَ كَــالمَفْــهُـــومِ
وَحَـازَ فِي صِغَـرهِ قَصْـــبَ السَّبَــقْ                فيهـــا وقُطْـــرُهُ عَـلَــى ذَاكَ اتَّفَـــقْ
أَفْتَـــى وَدَرَّسَ وَذَلِــــكَ عَــلَـــــى                صِغَــــرِ سِنِّــــــهِ، نَعَــــمْ ونَـــــازَلاَ

 

الإشارة بذا المضاف إليه بعد إلى حفظه رضي الله عنه القرآن في السن المذكورة، واشتغل: من الاشتغال وهو افتعال من الشُّغل بالضم، وبضمتين ضد الفراغ، يقال منه: اشتغل به وشُغِل أيضا كَعُنِيَ. والعلوم: جمع علم، والمراد هنا الفنون من فقه ولغة ونحو ومنطق وبيان وغير ذلك من الفنون. والغامض: الخفي، من غَمَض كقعد غموضا إذا خَفِىَ، وأراد به هنا العَوِيصَ من المسائل العلمية. وأراد بالمفهوم: البديهي الذي لا يحتاج فيه إلى تأمل.
وحاز: معناه هنا أحرز. والسبَق محركا: الخطر، وهو ما يتراضى عليه المتسابقان، وسبَّقته بالتشديد أخذت منه السبق، ويقال أيضا بمعنى أعطيته إياه، قال الأزهري: “وهذا من الأضداد”، ومن السبق قولهم: أحرز قَصْبَ السَّبَق. وأصله أنهم كانوا ينصبون في حَلْبة السباق قصبة فمن سبق إليها اقتلعها ليعلم أنه السابق من غير نزاع، ثم كثر استعماله حتى أطلق على المُبَرِّز. والضمير في فيها للعلوم. وقوله: وقطره: القطر معروف، والمراد وأهل قطره، فهو من مجاز الحذف. وأفتى من الإفتاء: وهو في عرف الفقهاء الإخبار بالحكم الشرعي، والمراد هنا ما يعم الجواب عن سائر مسائل العلم فقها وغيره. والتدريس: دَرْس العلم للناس وإلقاء مسائله مفسرة إلى المتعلمين. ونعم: بفتحتين وقد تكسر العين، ونعام أيضا في غير ما هنا: كلمة جواب كبلى إلا أنها أي نعم تقال في جواب الواجب. ونازلا: الألف لإطلاق القافية. وهو من المنازلة: وهي نزول كل واحد من المتنازِلَيْن في مقابلة الآخر: قال في [المصباح]: “نازله في الحرب منازلة ونزالا وتنازلا: نزل كل واحد في مقابلة الآخر” اهـ وأصله في الحرب، واستعمل في المناظرة في العلم، ويصح في قوله “ونازلا” ونزل أيضا كما في القاموس زيادة على ما في [المصباح]. والمراد أنه ناظر العلماء في صغره.

 

ثُــمَّ ارْتَـقَـــتْ هِمَّـتُــــهُ العَـلِـيَّـــــه               إِلَــى اتِّبَــــاعِ السَّــــادَةِ الصُّوفـيَّـــهْ
فَجَــــالَ فِــــي طَلَـــبِ أَهْـــــلِ اللهِ              عَــــــــــادَةَ كُــــــلِّ عَــابِـــــــدٍ أَوَّاهِ
وَعُمْـرُهُ إِحْـــدَى وَعِشْــرُونَ سَنَـــهْ              لله دَرُّ أُمِّــــــهِ مَــــــا أَحْــسَـــنَـــــهْ

 

الهمة العلية: العزم القوي، كذا في المصباح المنير. وهي عند الصوفية: عبارة عن قوى النفس التي يقع عنها الانفعال في بعض الموجودات بإذن الله تعالى، يقولون: فلان أحال همته على كذا فانفعل له بإذن الله تعالى، أي بقضائه وقدره. فإذا صدق المريد في إرادته تكون له همة جمعية لا يقوم لها شيء. قالوا: وهذه الهمة توجد في قوم من المريدين يقتلون بها من يشاءون، لأن النفس إذا جُمِعت أثرت في أجرام العالم وأحواله ولا يعتاص عليها شيء بإذن الله تعالى. قال ابن عباد رضي الله عنه: “وهذه الهمم تكون للأولياء كرامات، ولغيرهم استدراجا كما هو شأن العائن والساحر، أعاذنا الله من شرهما وشر كل ذي شر بمنه”.
والصوفية: من تصوف الرجل فهو صوفي من قوم صوفية. وهي كلمة مولدة كما صرح به في [المصباح]. وجزم في [عوارف المعارف] بأنها لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

تنازع النـاس في الصوفيّ واختلفــــوا                وكلهـم قـــال قولا غيـــر معــــــروف
ولسـت أمنـح هذا الإسـم غيـر فتـى                صافَى فصُوفي حتى سُمِّيَ الصوفي

 

وعلى كل حال فالمراد بلفظ الصوفية حيث أطلق جميع طوائف الخير والصلاح. قال في [عوارف المعارف]: “والله تعالى ذكر طوائف الخير والصلاح، فسمي قوما “أبرارا”، وآخرين “مقربين”، وآخرين “الصابرين”، وآخرين “الصادقين”، وآخرين “المخبتين”، وآخرين “الذاكرين الله كثيرا”، وغير ذلك. واسم الصوفي يجمع المتفرق في هذه الأسماء المذكورة” اهـ.
قلت: وهذا بحسب الإطلاق فقط، وإلا فمن استقرأ سياق كلام المشايخ المؤلفين في علم الطريق علم يقينا أن الغالب عليهم إطلاقه على المقربين خاصة. وقد صرح صاحب [عوارف المعارف] عن نفسه بذلك كما سنورده في تقرير هذه الأبيات هنا إن شاء الله تعالى.
وقوله جال: من جال البلاد: طاف بها غير مستقر. والعادة: معروفة، وتجمع على عادات وعوائد، سميت به لأنها تُعَاوَدُ أي يُرْجَعُ إليها مرة بعد أخرى. والعابد: المطيع لله تعالى والأواه: يطلق على معان منها الرحيم. وعليه، فالمراد هنا الرحيم لنفسه، المشفق عليها. والعُمر: معروف، وهو من عَمِر كتعب عَمْرَا وعُمُرا فهو عَامِر، وبه سمي تفاؤلا، وبالمضارع يَعْمَر، ويتعدى بنفسه وبالتضعيف، وتدخل لام القسم على المصدر المفتوح منه، والمعنى وحياتك وبقائك انتهى. والدَّر: اللبن، تسمية بالمصدر، ومنه “لله دره فارسا” في سياق التعجب انتهى.

 

فَكَـــانَ مِــنْ جُمْـلَــةِ مَــنْ أَتَـــــــاهُ                مِــــنْ أَوْلِيَـــــاءِ عَصْــــــــــــرِهِ الأوَّاهُ
سَيِّـدُنـَـا الطَّـيِّــبُ خِـلْـفَــةُ الفُضَــلْ                وَفَـــارِسُ الحَلَبَــةِ أَحْمَـــــــدُ الصَّقَــلْ
وغيــرُ هَذَيْنِــكَ من أَهْــلِ المِنَـــــنْ                كَسَيِّـــدِي مَحَمَّــدٍ نَجْـــلِ الحسَـــنْ
وهُــوَ الـذِّي قَــالَ لِـهَــذَا الكَـامِــــلِ                 تُـــدْرِكُ لاَبُــــدَ مَـقَــــامَ الشَّاذِلِــــي

 

الضمير البارز في قوله أتاه راجع للموصول الذي هو مَن، وهو مفعول أتى، والمستتر فيه للشيخ رضي الله عنه وهو فاعله. والأواه: اسم كان. ومن جملة إلخ خبرها. ومن من قوله “من أولياء عصره” لبيان مَن الموصول. والأولياء: جمع ولي، وقد تقدم، والمراد هنا المشايخ الذين أهلهم الله تعالى لهداية الخلق، وإرشادهم بطريق التربية والترقية. والعصر: الزمان. والأواه: تقدم أنه يطلق على معان، والأنسب هنا: الخاشع المنيب. قالوا: وهو من التأوه وهو التوجع والتحزن والنطق بأواه أواه. وسيدنا الطيب: المراد به الشيخ الكامل، والعارف الواصل، القطب مولانا الطيب بن مولانا محمد بن مولانا عبد الله الشريف اليملحي العلمي، دفين وازان، رضي الله عنه وعن أسلافه الكرام. وخِلْفَة بالكسر: اسم من خَلَفْتُهُ جئت بعده. والفُضَل: أصله الفضلاء، فرخمه لضرورة الوزن والقافية. والحَلْبَة على وزن سجدة: خيل تجمع للسباق من كل أوب ولا تخرج من وجه واحد، يقال: جاءت الفرس في آخر الحلبة أي في آخر الخيل. وهي بمعنى حليبة ولذا تجمع على حلائب. والصَّقَل: أراد به الصَّقِلِّي. فرخمه أيضا كالفضلاء. والمراد القطب الكبير، والعلم الشهير، مولانا أحمد الصقلي دفين فاس الإدريسية، واحد أركان الطريقة الخلوتية رضي الله عنه. والإشارة بقوله هذينك إلى هذين الشيخين الجليلين. والمنن جمع منة: وهي العطية. والنجل: هنا الولد. والمراد بسيدنا مَحمد نجل الحسن: الولي الصالح، العارف المكاشِف، سيدي محَمد بن الحسن الوَانْجَلي، نسبةً لبني وَانْجَل، قبيلةٌ معروفة بجبل الزبيب. والإشارة في قوله لهذا الكامل: للشيخ رضي الله عنه. والشاذلي: هو شيخ الطريقة، وإمام أهل الحقيقة، مولانا أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه.

 

وَبَعْــــــدَ ذَا رَجَــــعَ لِلصَّحَــــــــــارِي               ثــــمَّ أَتَــــى مَــدِيـنَــــــة الجِــــدَار
وَدَرَّسَ التَّفْسِيــــرَ وَالعِلْـــمَ وَجَـــــدّْ               فِي قَـرْعِ بَابِ المَلِكِ المَوْلَى الصَّمَــدْ
فَاحْتَــازَ مَاحْتَـــازَ مِــــنَ الـعِبَــــــادَهْ               وَالحَــــزْمِ والتَّشْـمِـيـــــر وَالإِفَــــادَهْ
فَبَـرَقَــــتْ بَــــوَارِقُ الفَتْــحِ عَلَيْـــــهْ               وَظَهَـرَتْ خَـــوَارِقُ العِـــــــــزِّ لَـدَيْـــهْ
فَكَــانَ يَـفْـتَـتِـــنُ مِــــــنْ مَـــــــرْآهُ                لِـحُسْـنِــــــــــهِ جَمِيـــعُ مَـــــنْ رَآهُ

فَأَقْبَــــلَ النَّـــاسُ عَلَيْـــــهِ فَزَجَــــرْ                وَشَـــدَّدَ الـفِــــرَار عَنْهُــــمْ وَنَفَــــــرْ

 

الصحاري: جمع صحراء وهي معروفة، والمراد بلده رضي الله عنه. ومدينة الجدار: تلمسان. وتدريس العلم: إقراؤه للناس.
والتفسير: هو الوقوف على أسباب نزول الآية وشأنها وقضيتها، ولا يجوز إلا بالسماع. والتأويل: ما يرجع في كشفه إلى معنى الكلمة. وتلخيصه: التفسير ما يتعلق بالرواية، والتأويل: ما يتعلق بالدراية. ويطلق علم التفسير على ما يعمهما، وهو مراد الناظم رحمه الله تعالى، إذ مراده تدريسه أعني الشيخ رضي الله عنه ، أي إقراؤه للناس تفسير القرآن العظيم. ولابد فيه من الحمل على المعنيين كما لا يخفى، والله أعلم. وعطفه العلم على التفسير من عطف العام على الخاص، ومراده سائر ما عدا التفسير من الفنون العلمية.
والجـد: الاجتهاد، وهو من باب ضَرَب وقَتَل، والاسم بالكسر. وقرع الباب: نقره، والمراد هنا صدق التوجه إلى الله تعالى حال التقرب إليه سبحانه بما شرعه على الوجه الذي يرضاه كما وكيفا ووقتا وحالا جهد الاستطاعة.
والملك: من الأسماء الحسنى جلت وتقدست، ومعناه: الذي له كمال القدرة والاستقلال بالتصرف العام بلا حَجْر، وله الأمر المطاع، والنهي المتبع، والوعد والوعيد، والجزاء بالثواب والعقاب، بلا معارض ولا معاند. وحظ العبد منه لزوم الخدمة، والذلة، والتعظيم، والمخافة، والرجاء، والحياء، مع الوقوف بالباب، ورفع الهمة عن جميع الأكوان بالانتماء إلى عليِّ ذلك الجناب اهـ من بعض شروح أسماء الله الحسنى بلفظه.
والصمد: من الأسماء الحسنى أيضا، ومعناه: الذي يُصْمَد، أي يُلْجأ إليه في جميع الحاجات، وإليه ينتهي السؤدد، ويُتَوَجَّهُ إليه في جميع الأغراض، لأنه الكفيل وحده بقضائها، ولا يحتاج إلى سواه أصلا. وحظ العبد منه ظاهر لا يخفى اهـ من الشرح. وهو أي حظ العبد التوجه إلى جلال الربوبية، بتحقق الافتقار وصدق العبودية، والاكتفاء به عمن سواه تعويلا واستنادا في الظاهر والباطن.
وبما ذُكر من شرح الاسمين العظيمين تعرف وجه المناسبة في إتيان الناظم بهما هنا، فلله دره ما أغزر علومه، وأدق أنظاره وفهومه.
واحتاز: مطاوع حاز الشيء ضمه إلى نفسه، والعبادة: قال الرازي: “التذلل، ومنه طريق معبد أي مذلل”، قال: “ومن زعم أنها الطاعة فقد أخطأ، لأن جماعة عبدوا الملائكة والمسيح وما أطاعوهم”، قال: “ولكن في الشرع صارت اسما لكل طاعة لله أديت له على وجه التذلل والنهاية في التعظيم” اهـ. والحزم: إصدار الأمور في غاية الضبط والإتقان ظاهرا وباطنا، ومنشأه العقل الكامل. والتشمير: معروف. والإفادة: مصدر أفاده إفادة، والمراد إفادة الناس من علومه الجليلة. وبرقت: لمعت.
والبوارق: جمع بارقة، والمراد بالبوارق اللوامع واللوائح. وحاصل هذه الألفاظ يرجع عند أهل الطريق إلى معنى واحد، وهو مبادي الحال ومقدماته، والمراد، والله أعلم، الفيض الذي يرد على العبد قبل الفتح من أنوار الحضرة الإلهية. وعلامته أنه إذا سرى في الذات حملها على طلب الحق، ومنعها من الباطل عملا وحالا. ولابد لهذا الفيض أن يتقدم الفتح في حق السالك. قاله سيدنا رضي الله عنه، ولذلك أضاف الناظم البوارق للفتح.
والفتح هو زوال الحجب الحائلة بين العبد وبين حضرة القدس. قاله سيدنا رضي الله عنه: “وهي مائة ألف حجاب وخمسة وستون ألف حجاب” اهـ.
والخوارق: جمع خارقة: وهو الأمر الخارق للعادة المسى كرامة. والمراد هنا أحد أنواعها، وهو حسبما صرح به في [جواهر المعاني]: “ما ظهر عليه من الفيضان، وجرى منه على المنطق واللسان، مما أشرق به باطنه من التوحيد والعرفان”. وأضاف الخوارق إلى العز لأنها نتيجة استقامة، فلا خزي يلحق صاحبها ولا ملامة.
والافتتان هنا: الأخذ بمجامع القلوب محبة وتعظيما. ومَرْآهُ: رؤيته: أي النظر إليه. والحسن: المراد به هنا السمت. والبهاء: أي ما يلوح على الأسرة من الجمال والسناء. وزجر: منع وكف بعنف وشدة. والفرار: الهَرَب. والنفور: معروف.

 

ثُـــمَّ سَمَـــا بِعَــزْمـِـــهِ الـقَــــــــوِيِّ                 للحــــــجِّ مَــعَ زِيَّـــــارَةِ النَّـبِــــــــــيّ
فَمِـنْ تِــلِمْسَـــانَ إِلَـى بَيْتِ الأَجَـــلّْ                 سَنَـــةَ سِــتٍّ وثَمَانِيــــنَ ارْتَـحَــــــلْ
فَحَـلَّ تُونِـــسَ وَسُـوسَـــةَ سَـنَـــــهْ                 فَأَيْقَـظَ القُلُـوبَ مِـنْ سِجْـنِ السِّنَـــــهْ
وَكَــانَ فِــي تُـونِــسَ إِذْ ذَاكَ وَلِـــــي                  بَشَّـــرَ شَيْـخَــنَــا بِحُبِّـــهِ العَلِــــــي

 

العزم القوي: هو الهمة العلية وقد تقدم. والحج: هو من حج يحج حجا من باب قتل، ومعناه القصد، هذا أصله في اللغة، ثم قُصِر استعمالُه في الشرع على قصد الكعبة المشرفة للحج أو العمرة، ومنه يقال: “ما حج ولكن دج”، فالحج القصد للنُّسُك. والدج: القصد للتجارة. والزيارة في اللغة: القصد من زاره يزوره زيارة: قصده، وهي في العرف: قصد المزور إكراما واستئناسا به هـ. وتلمسان: المدينة المعروفة أعادها الله دار الإسلام بمنه وكرمه. وبيت الأجل: بيت الله الحرام. وارتحل: معناه توجه. وحل: معناه نزل. وتُونِس: المدينة المعروفة. وسوسة: من أعمالها. وأيقظ: نبه. والسجن والسِّنة معروفان، والمراد هنا بسجن السِّنة حجاب الغفلة. والولي: تقدم معناه، والمراد به الولي الذي كان بتونس إذ ذاك، وكان لا يلاقيه أحد إلا أفراد أربعة منهم الولي الصالح سيدي عبد الصمد الرَّحْوِي، وهو كان قطب تلك البلدة في ذلك الوقت، ولم يُسَمَّ في الجواهر ولا في الجامع باسمه. وقوله بحبه: هو من إضافة المصدر إلى مفعوله وهو الضمير العائد على الشيخ رضي الله عنه.
والعلي من أسماء الله الحسنى تعالت وتقدست وهو فاعل المصدر المتقدم الذي هو حب. ومعناه: الذي يصغُر عند ذكر وصفه كل شيء سواه. وهو، أي هذا الاسم الأجل، سار في كل معنى تعلق بالذات والصفات حسبما صرح به غير واحد ممن تعرض لشرح الأسماء الكريمة. فيكون في إتيان الناظم به هنا إشارة إلى أن الشيخ رضي الله عنه محبوب في سائر الحضرات والمراتب، فليفهم ذلك، والله أعلم.

 

فَحَــــنَّ لِلأَزْهَــــرِيِّ المِفْـضَـــــــال                 أَعْنِــي الـــزَّوَاوِيَ أَخَـــا الكَمَـــــــالِ
فَمَـــالَ نَحْـــوَهُ فَخُـــصَّ بِالمَــــرَامِ                 وَهْـوَ عَنِ الحَفْنِـيِّ شَيْخِـهِ الإِمَــــامْ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى