الخطبمقالات

 ربيعة بن كعب الأسلمي يسأل النبي صلى الله عليه و سلم  مرافقته في الجنة

 

 ربيعة بن كعب الأسلمي                 

يسأل النبي صلى الله عليه و سلم  مرافقته في الجنة

*الحمد لله رب العالمين* والصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد.  * و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،  * ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله  و مصطفاه من خلقه و خليله صلى الله عليه وسلم وآله وصحابته، وعلى من حافظ على دينه واستمسك بهديه   إلى يوم الدين .

* أما بعد، عباد الله، في خطبة اليوم سأحدثكم عن صحابي كريم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانت له مواقف شريفة متميزة و مؤثرة ، وكانت له منزلة خاصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سيرته و مواقفه مليئة بالعِبَر و مثيرة للفِكـَر.إنه الصحابي الجليل سيدنا ربيعة بنُ كعبٍ الأسلمي رضي الله عنه  خادمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاستمعوا رحمكم الله إليه يحدثنا عن نفسه ، استمعوا إلى صحابي فتح الله عليه باب الفهم و الذوق، وأكرمه برجاحة العقل و صواب الفكر، و حسن المنطق و التعبير عما في خلجات نفسه:

 قال:[كنت فتىً حديثَ السنِّ لمَّا أشرقت نفسي بالإيمان، وامتلأ فؤادي بمعاني

الإسلام، ولما اكتحلت عيناي بمرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول مرة أحببتُه حبّاً ملأ عليَّ كل جارحة من جوارحي،  وأولِعْتُ به وَلعاً صرفني عن كل ما عداه، فقلت في نفسي ذات يوم: ما قيمة الحب من غير عملٍ تُقدمه؟ ويحك يا ربيعة، لِمَ لا تُجَرِّد نفسك لخدمة رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ اعرض نفسك عليه، فإن رضيَ بك (أي رضي بك خادما)سعِدْتَ بقربه، وفزتَ بحبه، وحظيتَ بخَيْرَي الدنيا والآخرة. قال:(منذ ذلك اليوم صرت ألزمَ للنبي الكريم مِن ظِلِّه، أسير معه أينما سار، وأدور في فلكه كيفما دار، فما رام بطَرْفه مرةً نحوي إلا مَثـُلْتُ واقفاً بين يديه – وما تَشَوَّف لحاجة من حاجاته إلا وجدني مسرعاً في قضائها. قال: وكنت أخدِمه نهارَه كلـَّه، فإذا انقضى النهار وصلى العشاء الآخرة، وأوى إلى بيته، أهُمُّ بالانصراف، لكني ما ألبثُ أن أقول في نفسي: إلى أين تمضي يا ربيعة؟( يعني: هل لك مكان أجمل من هذا المكان؟) فلعل تعرضُ للنبي عليه الصلاة والسلام حاجة في الليل؟ فأجلسُ على بابه، ولا أتحولُ عن عتبة بيته، وقد كان عليه الصلاة والسلام يُقَطِّع ليله قائماً يصلي، فربما سمعته يقرأ بفاتحة الكتاب، فما يزال يكررها هزيعاً من الليل حتى أملَّ فأتركه،أو تغلبَني عيناي فأنام، وربما سمعته يقول: سمع الله لمن حمده، ثم يحمده، فما يزال يرددها أطول من ترديد فاتحة الكتاب. قال ربيعة:(وقد أحبَّ النبي أن يجازيَني على خدمتي له، فأقبلَ عليَّ ذات يوم

 وقال: يا ربيعة بنَ كعب، قلت: لبيك يا رسول الله، وسعديك قال: سلني شيئًا أعطِه لك، أنت خدمتنا، اطلب مني حاجة. تروّيتُ قليلاً، ثم قلت: أمهلني يا رسول الله، لأنظر فيما أطلبه منك، ثم أعْلِمُك. فقال عليه الصلاة والسلام: لا بأس عليك، ـ وكنت يومئذ شاباً فقيراً لا أهل لي ولا مال ولا سَكن، وإنما كنت آوي إلى صُفَّة المسجد مع أمثالي من فقراء المسلمين، وكان الناس يدعوننا بضيوف الإسلام، فإذا أتى أحد المسلمين بصدقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها كلـَّها إلينا.ـ   قال:فحدثتني نفسي أن أطلب من النبي عليه الصلاة والسلام من خير الدنيا يُزوجني، وأطلبُ بيتًا، وأغتني به من فقر، وأغدو كالآخرين ذا مال وزوج وولد، لكني ما لبثت أن قلت: تباً لك يا ربيعة بن كعب، إنّ الدنيا زائلة فانية، وإنّ لك فيها رزقاً كفله الله عز وجل، فلا بد أن يأتيَك، والنبي عليه الصلاة والسلام له منزلة عند ربه، فلا يُرَدّ معها طلب، فاطلُبْ منه أن يسأل الله لك من فضل الآخرة، (انظروا إلى العقل الراجح)- قَالَ(كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَلْ، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)أخرجه مسلم في الصحيح عن ربيعة بن كعب الأسلمي.. جئت النبي عليه الصلاة والسلام، فقال لي : ما تقول يا ربيعة؟ قلت يا رسول الله: أسألك أن تدعو لي الله سبحانه وتعالى أن يجعلني رفيقاً لك في الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: من أوصاك بذلك؟ قلت: لا، والله ما أوصاني به أحد، ولكنك حينما قلت لي: سلني أعطك، حدثتني نفسي أن أسألك شيئاً من خير الدنيا، ثم ما لبثت أن هُديت إلى إيثار الباقية على الفانية، فسألتك أن تدعو الله لي أن أكون رفيقك في الجنة، فصَمتَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام طويلاً، ثم قال: أَوَ غيرَ ذلك يا ربيعة؟ قلت: لا يا رسول الله، فما أعدِل بما سألتك شيئا، ما أريد إلا الذي سألتُك، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ).قال ربيعةُ:(فجعلت أدْأَبُ بالعبادة حتى أحظى بمرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، كما حظيتُ بخدمته وصحبته في الدنيا). قال:(ثم إنه لم يمض على ذلك وقت طويل حتى ناداني رسول الله عليه وسلم – يا ربيعة، ألا تتزوج؟ قلت: لا أحب أن يشغلني شيء عن خدمتك يا رسول الله، ثم إنه ليس لي ما أمهر به الزوجة، فسكت عليه الصلاة والسلام، ثم رآني ثانية، فقال: يا ربيعة ألا تتزوج؟ فأجبته بمثل ما قلت له في المرة السابقة، لكني ما إن خلوت إلى نفسي حتى ندمت على ما كان مني، وقلت: ويحك يا ربيعة، فو اللهِ إنّ النبي لأعلمُ منك يا ربيعة بما هو أصلحُ لك في دينك ودنياك، وأَعْرَفُ منك بما عندك، واللهِ لئن دعاني النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعد هذه المرة للزواج لأجيبنَّهُ، ثم لم يمض على ذلك طويل وقت حتى قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا ربيعة، ألا تتزوج؟ـ للمرة الثالثة – قلت: بلى يا رسول الله، أريد أن أتزوج، ولكن من يزوجني وأنا كما تعلم؟ فقال: انطلق إلى آل فلان، وقل لهم: إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني فتاتكم فلانة،  قال: فأتيتهم على استحياء وقلت لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليكم لتزوجوني فتاتكم فلانة، قالوا: فلانة؟) قلت: نعم ـ على استحياء، (ولم يرتفع صوته)، قالوا: مرحباً برسول الله، ومرحباً برسول رسول الله، والله لا يرجع رسولُ رسولِ الله إلا بحاجته، وعقدوا لي عليها، فأتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قلت له : يا رسول الله، لقد جئتُ من عندِ خير بيت، وزوجوني، قال ربيعة: صدَّقوني، ورحَّبوا بي، وعقدوا لي على ابنتهم، فمِن أين آتيهم بالمهر يا رسول الله؟ فاستدعى النبي بُريدة بن الحصيب، وكان سيداً من سادات بني أسلم، وقال له: يا بُريدة، اجمع لربيعة وزنَ نواةٍ ذهباً، فجمعوها لي، فقال لي عليه الصلاة والسلام: اذهب بهذا إليهم، وقل لهم: هذا صداق ابنتكم،  فأتيتهم ودفعته لهم، فقبـِلوه، ورضُوا به، وقالوا: كثير طيب،(تأملوا قولهم كثير طيب مع أنه مجرد نواة،القليل من رسول الله كثير) فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقلت: ما رأيت قوماً قطُّ أكرمَ منهم، فلقد رضُوا ما أعطيتُهم على قِلـَّتِه، وقالوا: كثير طيب، فمن أين ما أولِمُ به؟ (والوليمة من السنة)- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبُريدة: اجمعوا لربيعة ثمنَ كبش، فابتاعوا لي كبشاً عظيماً سميناً، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب إلى عائشة، وقل لها: أن تدفع لك ما عندها من الشعير، فأتيتها، فقالت: إليك المكتل، ففيه سبعة آصُع، لا، والله ما عندنا طعام غيره، فمن عند رسول الله الشعير، ومِن بريدة الكبش والمهر  قال: فانطلقتُ بالكبش والشعير إلى أهل زوجتي، فقالوا: أما الشعير فنحن نُعدُّه، وأما الكبش فأْمُرْ أصحابك أن يُعدُّوه لك، فأخذتُ الكبشَ أنا وأناسٌ مِن أسلم وذبحناه، وسلخناه، وطبخناه، فأصبح عندنا خبز ولحم، فأولمت، ودعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجاب دعوتي).

 

نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين .

سبحان ربك رب العزة  عما يصفون ،

و سلام على المرسلين   و الحمد لله رب العالمين

 

 

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله ، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد

ثم إليكم  أيها الإخوة هذا الموقف العجيب لربيعة بن كعب رضي الله عنه :

 قال:(ثم  إنه عليه الصلاة والسلام منحني أرضاً إلى جانب أرض أبي بكر، فدخلتْ عليَّ الدنيا، حتى إني ذات مرةٍ اختلفت مع أبي بكر رضي الله عنه على نخلة، فقلت: هي في أرضي، فقال: بل هي في أرضي، فنازعته، فأسمعني كلمة، فلما بدرت منه الكلمة ندم، وقال: يا ربيعة رُدَّ عليَّ بمثلها، حتى يكون قصاصاً، فقلت: لا والله، لا أفعل، فقال: إذاً آتي رسول الله، وأشكو له امتناعك عن القصاص مني، وانطلق إلى النبي فمضيتُ في إثره، فتبعني قومي بنو أسلم، وقالوا: هو الذي بدأ بك، ثم يسبقك إلى رسول الله فيشكوك؟، فالتفتّ إليهم، وقلت لهم: وَيْحكم أتدرون من هذا؟ هذا الصديق، وذو شيبة المسلمين، ارجعوا قبل أن يلتفت فيراكم، فيظن إنما جئتم لتعينوني عليه، فيأتي رسولَ الله فيغضب النبيّ لغضبه، ويغضب اللهُ لغضبهما فيهلك ربيعة، ( تأملوا كيف كانوا يعرفون مقام بعضهم ) ثم أتى الصديقُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وحدثه الحديث كما كان، فرفع النبي رأسه إلي، وقال: يا ربيعة، مالَك وللصديق؟ فقلت له: يا رسول الله، أراد مني أن أقول له كما قال لي، فلم أفعل، فقال : نعم، لا تقل له كما قال لك.ـ لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل- و لكن قل: غفر الله لأبي بكر. فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر، فمضى وعيناه تفيضان من الدمع، وهو يقول: جزاك الله عني خيراً يا ربيعة بن كعب، جزاك الله عني خيراً يا ربيعة بن كعب)

عباد الله: هذا سيدنا ربيعة بن كعب، صحابي جليل من أصحاب رسول الله، كان فقيراً، و لكن قصته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفادتنا عبرا كثيرة و فوائد عظيمة منها:

1- إذا قُدِّمتْ لأحدنا خدمة فينبغي أن يراها قرضاً أو دينًا، و ينبغي ألاَّ تنساها، وإذا قدَّم الواحد منا خدمة فهي من فضل الله علينا، وينبغي أن تنساها . 2- إذا لم يتمكن الإنسانُ أن ينفق من ماله ولا من قوته يمكنه أن يقدم خدمات، و تقديم الخدمات عمل عظيم، وإذا أعان أخوانه فهذا عمل جليل ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً خير  الدنيا و الآخرة .

3-  هذا الخيرُ لا يأتينا إلا بجهدنا، قال تعالى:﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾(النجم الآية: 39)

4-  التأدب مع الأولياء.(موقفه من أبي بكر )  قوله صلى الله عليه وسلم له: لا تقل له كما قال لك .فاتقوا الله عباد الله و اعلموا أن الفوز بمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة مطلب عزيز و مطمح كريم، ينال بالعمل بما نصح به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في غير ما مجال، فمن ذلك كثرة السجود و منه تحسين الاخلاق و الطباع و زمُّ اللسان عن الكلام الا عن حق و كلمة طيبة كما سمعتم و استعينوا عباد الله على الاستجابة لأوامر الله  و المبادرة إلى طاعته بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات و تقضي لنا بها جميع الحاجات و تطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك، و خلفاء نبيك، القائمين معه و بعده على الوجه الذي أمر به  و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة  والأنصار منهم  و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين، و عن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم،  و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم  و لا تخالف بنا عن نهجهم القويم وسنتهم.

(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)

( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)

(ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون)

( و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

 الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :

” ذ. سعيد منقار بنيس أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة

القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني 

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى