أتقن سيدي أحمد التجاني حفظ القرآن ومهر فيه وهو ابن سبع سنين كما أتقن حفظ الروايات السبع، وأتقن علوما كثيرة قبل سن الواحدة والعشرين…
حفظ سيدي أحمد التجاني “متن البخاري”، و”متن مسلم”، و”مختصر خليل”، و”متن الرسالة لأبي زيد القيرواني”، و”الدردير”، و”الدسوقي”، و”المدونة”، و”موطأ الإمام مالك”، إضافة إلى متون أخرى عديدة يصعب إحصاؤها، قال صاحب كتاب اليواقيت العرفانية: “… ولا زال رضي الله تعالى عنه يطلب العلم، إلى أن رزقه الله تعالى فيه من الملكة القسط الأكبر والنصيب الأوفر، حسب ما أقر له به علماء قطره، ووقع منهم عليه الاتفاق…”
لما كان عُمْر سيدي أحمد التجاني إحدى وعشرين سنة وذلك عام 1171هـ الموافق لسنة 1757 ميلادية، توجه رضي الله عنه لطلب العلوم اللدنية واتباع أهل الله تعالى، السادة الصوفية، فارتحل رضي الله عنه قبل الانتقال النهائي لفاس ثلاث رحلات:
1) الرحلة الأولى كانت لفاس وغيرها من مدن المغرب الأقصى.
2) الرحلة الثانية من رحلاته رضي الله عنه، رحلة إلى الديار المقدسة بقصد حج بيت الله الحرام، وزيارة الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
3) الرحلة الثالثة إلى فاس: خلال إقامته الأخيرة بمدينة تلمسان، بعد الحج وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم، ارتحل منها إلى الحضرة الفاسية، ولما فرغ من هذا المقصد المسطور وأراد التوجه في نفس العام المذكور، إلى تلمسان أخبر خليفته الذي قدم معه إلى فاس بأنه لم يستقم حاله بتلمسان، وأنه لابد من أن ينتقل منه إلى غيره من البلدان، فودع خليفته وطلب منه ملازمة العهد والمحبة وصدق التوجه إلى الله عز وجل إلى أن يحصل الفتح الموعود به ثم توجه إلى تلمسان وأقام بها إلى عام 1196هـ الموافق سنة 1781م.
طالب العلوم:
قرأ سيدي أحمد التجاني “النحو” و”الصرف”، و”اللغة” و”البلاغة”، و”المنطق” و”الأدب”، و”العروض” و”التوحيد”، و”الفقه” و”التفسير”، و”الحديث” و”الأصول”، وغير ذلك، على كثير من أجلة علماء وقته:
1- منهم والده العلامة العارف بالله أبو عبد الله سيدي مَحمد بن المختار الماضوي.
2- ومنهم شيخه في القرآن سيدي محمد بن حمو التجاني الماضوي فقد قرأ عليه – كما في جواهر المعاني وفي الجامع وفي البغية – “مختصر الشيخ خليل”، و”الرسالة”، و”مقدمة ابن رشد”، و”الأخضري”.
3- ومنهم العلامة سيدي المبروك بن بوعافية الماضوي التجاني المتوفى عام 1166هـ.
4- ومنهم العلامة الشيخ السجلماسي الذي قرأ عليه “صغرى الإمام السنوسي” وغيرها بفاس لما رحل إليها لسماع الحديث وغيره بها.
5- ومنهم الإمام الدقاق الذي قرأ عليه القرآن الكريم بالقراءات السبع المتواترة.
6- ومنهم الشيخ الجمال الذي قرأ عليه علم الاسم، وعلم سر الحرف، وغيرهما من العلوم الروحانية، كما في رسالة سيدنا رضي الله عنه، التي كتب بها لتلميذه العلامة سيدي محمد بن عبد الله الجيلاني.
“ولازال رضي الله عنه يطلب العلم، إلى أن رزقه الله تعالى فيه من الملكة القسط الأكبر والنصيب الأوفر، حتى حاز بذلك في سائر الفنون المعقولة والمنقولة قصب السباق، حسبما أقر له به علماء قطره ووقع منهم عليه الاتفاق، وصار يفتي من كان يستفتيه في سائر الفنون، ويظهر بتدريسه لها خفي سرها المكنون”.
طلبه للعلوم اللدنية:
توجه أولا إلى فاس وسمع من علمائها شيئا من علم الحديث وعلم القراءات وغيرهما من العلوم.
ثم ارتحل ثانية إلى جبل العلم ـ قرب مشرع بلقصيري ـ فأخذ عن بعض أئمة القرآن الكريم علم التجويد والقراءات السبع المتواترة.
ثم توجه ثالثا إلى مدينة وزان فلقي بها العارف بالله الكامل، مولاي الطيب الوزاني، وكان هو القائم بأعباء التربية والترقية في الزاوية الشهيرة بوزان، فلقنه الطريقة الوزانية وتمسك التجاني رضي الله عنه بها.
وقد لقي رضي الله عنه في هذه الرحلة التي قام بها للمغرب الأقصى عددا من أهل الله، الدالين بحالهم ومقالهم على الله، كما أنه رضي الله عنه تمسك بعدة طرق من طرق أهل الله عز وجل:
– فأخذ الطريقة القادرية المنسوبة إلى الولي الكامل، القطب الشهير الواصل، مولانا عبد القادر الجيلاني المتوفى عام 561 هـ على يد من كان يلقنها في عصره.
– وأخذ الطريقة الناصرية لسيدي مَحمد بن ناصر عن الولي البركة سيدي محمد بن عبد الله التوزاني الشهير في الريف.
– وأخذ الطريقة الوزانية عن القطب الشريف مولانا الطيب الوزاني رضي الله عنه وهو كما تقدم الذي خلف أخاه القطب مولاي التهامي الوزاني وهو عن والدهما معا القطب سيدي محمد وهو عن والده القطب مولانا عبد الله الشريف رضوان الله عليهم أجمعين.
– وأخذ الطريقة الخلوتية عن أبي عبد الله سيدي مَحمد بن عبد الرحمان الأزهري رضي الله عنه.
– وأخذ الطريقة الصديقية المنسوبة إلى العارف بالله سيدي أحمد الحبيب الأغماري السجلماسي الصديقي المتوفى رابع المحرم عام 1165هـ.
– وأخذ الطريقة الطواشية عن صاحبها الولي الكبير سيدي أحمد الطواش نزيل تازة المتوفى بها في ليلة 18 جمادى الأولى عام 1204هـ.
ولما رجع سيدنا رضي الله عنه من هذه الرحلة الأولى القاسية اختار الإقامة في مدينة الأبيض، ثم بعد مرور الأعوام الخمسة التي أقامها في بلاد الأبيض انتقل إلى مدينة تلمسان المسماة بالجدار فآثر المقام بها، واختارها للنزول والاستقرار ومكث بها على ما كان عليه من الجد والتشمير في العبادة وتدريس العلوم وخاصة منها التفسير والحديث وغيرهما من أنواع طاعات رب العباد، إلى عام 1186هـ.