مقالات

ظاهرة عزوف الزوجات عن الأزواج بقلم: د. عدنان زهار

ظاهرة عزوف الزوجات عن الأزواج

 

سؤال_وجواب

سألني أخ كريم قائلا: زوجتي تتبطأ علي وتحرمني من حقي الشرعي وأخاف من العنت فالانحراف، بل فكرت في زواج “الفاتحة” وفي “المتعة مرارا”، فبماذا تنصحني جزاك الله خيرا؟

ولما كان السؤال قد تكرر علي مرات أفردتُ هذا التقييد -إملاءً- أبديت فيه رأيي ونصحت فيه إخواتي وإخواني، لعل الله ينفع به، قلت:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،

وبعد،

فقد وقع السؤال وتكرر عن ظاهرة عمت به البلوى في زماننا وكثر بها الهم في أيامنا، وهي شكوى الأزواج من نفور زوجاتهم وبرودتهن جهتهم واستظهارهم على فراشهم ومعاندة رغباتهم عند حاجاتهم لمعاشرتهم… الخ ما يترتب على هذا من القلاقل الاجتماعية والعلل النفسية بل والانحرافات الأخلاقية، التي تصيب بكلاكلها الأمة كلها، وتحيط بآفاتها المجتمع بأسره، والتي فسحت أوسع أبواب الطلاق وسهلته، وشردت بها أسرا وأطفالا ووقت بآثارها خصومات وصلت لمشاحنات بل مقاتلات، إلى آخر ما لا يخفى على متتبع للواقع عليم بمصائبه وبلاء الناس فيه وبه، فأجبت عن ذلك بقولي وعلى الله اعتمادي وبه قوتي وحولي:

اعلم رعاك الله أن ما أصاب بعض نساء الزمان من النفور من الأزواج وترك تمتعيهم بحقوقهم البشرية وشعورهن بالضيق والتكلف في معاشرتهم له أسباب عديدة متداخلة، ترجع إلى البواعث النفسية والتربوية والمادية والبدنية…

فإن الأصل في المرأة كما في الرجل هو وجود الرغبة في المعاشرة كما حكمت إرادة الله في طبائع البشر وركب في الذكر والأنثى الإحساس بالحاجة إليه والمتعة بممارسته، وفي ذلك من الحكم الجليلة ما لا يخفى، من تحصين الجنسين من الوقوع في الرذيلة وطلب تحقيق الأغراض البشرية في المحرم الموجب بعد غضب الله لخراب العنصر الإنساني ومسخ هويته كما هو الواقع في زماننا، وكل زهد كلي في هذه الرغبة البشرية مؤذن بعلل نفسية أو بدنية كما هو المقرر عند علماء الطب والهيأة.

فما يشتكيه بعض الرجال من إعراض زوجاتهم عنهم وشعورهم بالعنت بسبب ذلك، ينبغي أن يفحص ويُشخص على ضوء تلك البواعث المسببة لهذا النفور والإعراض، أجملها تبعا للتقسيم السابق فيما يلي:

البواعث النفسية: تقرر في الطب النفسي أن كثيرا من الأمراض النفسية المزمنة أو العارضة كالاكتئاب بأنواعه وأشكاله سبب مباشر من أسباب ثقل المرأة في فراشها عن زوجها وعدم قدرتها تلبية رغباته البشرية مما يصيبه بالدهشة والحيرة من أمره وأمرها بادئ الأمر ويسبب له البغض ويوقع في الاضطراب والشقاق بينهما إذْ لا هو ولا هي قادران على تشخيص الأسباب، فتفسر هي سلوكَها بتعب طارئ ويفسره هو ببغض ونفور، والأمر أعمق من ذلك وأخطر، وعلاجه في الطب النفسي أو العلاج النفسي الكفيلين بمعرفة سبب العلل المؤدي إلى هذا الوضع المخل.

وأنا أرى أن المرأة الموظفة المتحملة أعباء وهموم الخروج من البيت وما يعتري ذلك من مشاق وهمِّ الشغل وقتا طويلا في يومها بل وليلتها ثم المكلفة بـ “شقاء” أعمال البيت – على حسب تعبير المغاربة – زيادة على اضطرارها لتحمل رعونة زوجها وتكاليف خدمته اللامتناهية مع ما يستوجبه عليها الواقع والعرف من خدمة الأبناء بنفسيتها وجوارحها وغير ذلك مما يزيد المرأة اكتئابا وتعبا نفسيا وإرهاقا بدنيا لا تجد منه خلاصا إلا على فراشها ليلا، حتى تفاجأ بطلب جديد شديد التعقيد وكثير التفصيل، ومما يلزم له إعداد نفسي واستعداد بدني منقطع النظير، فربما تتكلف لأجل ذلك مرة واثنتين، ثم لا تستطيع بعد ذلك وتتقوف تضحيتها يوما ما، فالواجب حينئذ على الزوج بل على المجتمع بل على فلسفة علم الاجتماع والاقتصاد أن يعيدوا النظر في الأمر فإنه لب لباب المصائب في البيوت والناس لا يشعرون، وبعضهم يصم أذنه حتى لا يسمع فيشعر.

ثم إن هناك أسبابا نفسية أخرى قد تكون موروثات جينيةً سلبية عن أم أو جدة تُغَير طبيعة هرمونات المرأة، ويترتب على هذا التغير الفيزيولوجي اختلالات نفسيةً تُصَيِّر الرغبة في المعاشرة رغبة عنها وصدودا دونها، ودواؤه أيضا في عيادات العلاج النفسي والبحث العلمي الحديث.

ومن البواعث النفسية أيضا بغضُ الزوجة للزوج وكرهها له، ولهذا الأمر أسباب أيضا:

منها أنها تبغضه لسوء خلقه وظلمه وإذايته وهي معذورة في هذا نصفَ عذر وعليه النصف الباقي، لأنها إن أبغضته بغضا مستحقا مما يترتب عليه تعنيته فينبغي أن تطالب بالطلاق للضرر، لأن الذي سيؤول إليه الأمر بينهما أقبح وأشد من الطلاق، وارتكاب أخف الضررين قاعدة معلومة عند العقلاء.

ومنها أنها ربما أبغضته لأنها تزوجته عن مضض قهرا، وهذا لا يبيح لها أن تمنعه حقها إن رغبت في استمرار الحياة الزوجية بينهما وإلا فلتطلب الطلاق لشقاق.

ومنها أنها أبغضته لأنه يرغب في أن يتزوج ثانية، وهي بهذا البغض آثمة مرتين، لأنها أبغضته في مراد الله فهي مُبغضة لشرع الله لا له، ثم لأنها رتبت على البغض محرما عظيما وهي منعها حقَّ زوجها فيها مما ورد النص بلعن فاعلته…

فهذا دواءه بالدين والنصيحة وتدخل الصالحين.

البواعث التربوية: أقصد بها هنا أمرين مهمين، لاحظتهما خلال معالجتي لقضايا كثيرة مشابهة:

 الأمر الأول: التشديد في تربية البنات والانغلاق المجحف الواقع عليهن من بعض البيئات المتشددة دينيا، بحيث يصير موضوع الرجل والمعاشرة والعلاقة بين الجنسين كالكفر في تداوله وسماعه فضلا عن الخوض فيه، حتى إن صادفَ قلب وعقل بنت ضعيفة الشخصية والتكوين وقع منها هذا التوجه موقعا سيئا، وظنت الأمر كما قيل وصُوِّر لها، بحيث يجد زوجُها بعد مشقة في القرب منها وصعوبة في ملاطفتها بَلْهَ معاشرتها، وتستصحب هي هذا الحال المرضي طول زواجها فلا يجد لها زوجها سبيلا إلا بالإكراه أو بتكليف نفسها ما لا تطيقه إن كانت ممن يخاف الله أو تخاف على زوجها أن ينظر لغيرها، وعلاج هذا بالتوجيه العلمي والمعرفي وربما احتيج فيه للعلاج النفسي، وليس كما ينتحيه المتحلِّلُون اليوم فيما يسمونه بالتربية الجنسية التي صيرت الأمر تمييعا وجرأت الصغار على الأمور العظام مما أوقع المجتمعات الغربية المتفتحة في مصائب وبلاوى لا تخفى على متتبع.

  الأمر الثاني: هو تربية البنات على التعنيت قصدا على الأزواج ليكون ذلك وسيلة من وسائل الضغط عليهم وسياستهم لمراد الزوجات منعدمات الأخلاق قليلات الدين، ويكون هذا السلوك عادة من وصف أمهات خبيثات جربنه مع أزواجهن فحملن عليه بناتهن، فخربن البلاد والعباد، والرجل الذكي يفطن لهذا بإشاراته من أول ما تطأ قدمه بيت المخطوبة لخطبتها فيفر منها فراره من الأسد، وعلاج هذا بالدين والوعظ والإرشاد، وإلا فلا أَسلَمَ له من الطلاق ولو معه من زوجته ألف ولد وبنت.

البواعث المادية: أقصد بها رغبة أزواج هذا العصر في زوجات عاملات موظفات ذوات مال ومداخيل يُعِنَّهم على تدبير شؤون الحياة وهذا عندي مصيبة المصائب وآفة الآفات، خصوصا إن قصد الزوج المأمور قرآنا بالإنفاق أن يتولى عنه غيره الإنفاق، فصارت الحياة اليوم غير متكافئة الموازين كما كان حال أجدادنا مع جداتنا، فالرجل والمرأة اليوم سواءٌ في الخروج من العمل صباحا والرجوع مساء، لكن الرجل يرجع للبيت ممدا قدميه ماسكا هاتفه النقال بيديه مستمتعا بوقته ريثما تحضر الزوجة المسكينة عشاءه وأبنائِه وترتب غرفته وغرف أبنائه وتغسل ثوبه وأثوابهم وتقضي أغراضهم هو فيها سلطان السلاطين وملك الملوك؛ ثم يأتي عليها يوم تحمل في بطنها ثقلا هو منه خفيف متخفف، ويدوم عليها ذلك تسعة أشهر وهو بين المقاهي ومع الأصدقاء، لا يجد له ألما ولا ثقلا ولا أنينا ولا وجعا ولا تغير مزاج ولا اضطراب رائحة ولا تقلب ذهن ولا ضغط دم ولا هبوط سكري ولا شعور بالخمول ولا إحساس بالاكتئاب، وهي مع ذلك كله تذهب حُبلى للشغل وترجع حبلى بالهم، ثم يأتي عليها أيام كل شهر تضطرب دورتها الدموية وتخرج حيضتها وتتغير معها نفسيتها وطبيعتها وسي السيد (حسب عبارة المصريين) ينتظر لقمة في فمه وخدمة على سريره. فأي موازين هذه التي يطالب فيها الزوج العاقل بعد هذا كله بالحق في الفراش، والمطالَب مقهور مغلول مستغَلٌّ مريض معلول، وإن أظهر غير ذلك…أظن أن طلب الفسحة المادية والتوسع المالي بعمل المرأة مع مطالبتها بالحقوق الفراشية ظلم كبير وحيف عظيم قلد فيه المسلمون النصارى واليهود، حتى صار هؤلاء أعدل منهم، حيث إن الكافر لا يفرض على زوجته المعاشرة بالقرآن ولا ينعتها باللعنة من الرحمن كما يفعل المسلم، لأنه يعلم أنها مرهقة وأن المعاشرة تزيدها إرهاقا، ولذلك من عجائب الغرب الكافر اليوم أن تجد المرأة مشتغلة بالعمل الخارجي والرجل لازم بيته لتربية ورعاية الأبناء وغسل الصحون وطبخ الطعام وتطهير البيت، كما رأيته بعيني في بلادهم.

البواعث البدنية: تصاب كثير من النساء بأمراض بدنية تكسلهن عن أداء حقوق الرجل الفراشية، بل أحيانا كثيرةً تعجزهن عن ذلك، وقد فصل فيها العلماء تفصيلا وبينوا أن منها أمراضا وعيوبا في جهاز النساء التناسلي يجعلهن غير قادرات أو يشعرن بآلام حادة وقت المعاشرة، فعلاجه في طب النساء، ومنها أمراض تتعلق بالعمود الفقري -والذي صار ظاهرة خطيرة يصيب نساءنا بسبب الأعمال المتراكمة على المرأة- وهذا المرض الفقري يعجز المرأة أو يؤخرها عن طلب زوجها حتى يضجر ويأنف منها، وهو – بل وهي- لا يعلمان لب المشكلة وأصلَها، وعلاجها في تخصص أصحابها. وعندي أن الداهية الدهماء التي أصابت كثيرا النساء وأقعدتهن عن الاستمتاع بحقوقهن وإمتاع أزواجهن هو تلك الأدوية المانعة للحمل وهي السم الزعاف والقتل البطيء، فإن أهل الخبرة اتفقوا أنها مغيرة جزما لهرمونات المرأة وقاتلة فيها كل رغبة سواء على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد حسب تفاعل الدواء المانع وتعامل جسد كل امرأة معه، فلينظر الرجل في الأمر، ولا يخبط في الحكم حتى يستوفي السبب والباعث.

  قلت: لا شك أن ثمة بواعث أخرى غير ما أمليتُ هنا، لكن أظن أن الذي ذكرت هو أصل المشاكل ومَجمَعَ أسبابها، ومن لم يعمل نظره فيها أوقعه في أمور كثيرة أذكرها مع رأيي فيها:

الأول: الزنا، وهو الكاسر للفرد والمجتمع والقاضي على تماسكه والمهدم لبنيانه والقاطع لأركانه، فإن الزنا كلما انتشر في أمة إلا وأوذنت بالمسخ والفسخ والنسخ…ومبيح الزنا لنفسه بدعوى أن زوجته تعْنت عليه، زاد على غضب الله لعنته عليه، لأنه انتقل من فاعل الذنب لمستبيحه، وفاعل الذنب مغضوب عليه، ربما غفر له بعد توبته منه، لكن مستبيحه ملعون والملعون مطرود والمطرود محروم.

الثاني: الطلاق: وهو إن سُلِّم به في حالات – كما ذكرت آنفا – فلا يسلم في كل الحالات، خصوصا إن كانت الزوجة في تلك الحالة مقهورة مغلوبة، وعليه، فينبغي للزوج الواقع عليه العنت والمُعرضة عنه زوجته أن ينظر في سبب ذلك فإن كان لعلة بدينة أو انحراف نفسي بادر لمعالجته وجوبا على نفقته هو عند أهل التخصص، وإن كان لعلة خلقية بادر إلى إصلاحها ونصحها واستشار في ذلك أهل الخير، وإلا فالطلاق رحمة أحيانا كثيرة.

الثالث: وهي دسيسة دسائس الشيطان وباب غضب الرحمن، وهو ما يسمونه بزواج الفاتحة أي الزواج غير الموثق، ولا أحب أن أكثر الحديث فيه لأنني تكلمت عنه مرارا، وبينتُ أن فاعله استرخص فرج امرأة لشهوة بدون تثبيت ولا توثيق مما يعرضها – كما هو واقع في تسعة أعشار مثل هذا الاجتماع الفاسد- للضياع والخراب بعد أن يقضي غرضه منها، ولنا في الباب من القصص والحكايات من الذين يدعون أنهم على السنة ما يشيب لسماعه الولدان، فلا زواج اليوم شرعيٌّ إلا ما وثقه العدلان ووافقت عليه المحاكم الشرعية في بلاد الإسلام وغيره، إن لم يكن زنا فهو بريده وبابه، والعياذ بالله.

فإن قيل: فما يصنع مَن لم يجد بدا لواحدة من الحلول المذكورة آنفا، فهو ممنوع من الزنا وزواج الفاتحة أو المتعة، ولا رغبة له في الطلاق؟

   قلنا: إن كان من أهل الاستطاعة المادية، فليتزوج ثانية يُذهب بها عنته ويحصن بها فرجه، فإن رفضت الزوجة فهي آثمة محاسبة ظالمة (إن كان الأمر على الوصف المذكور لأن فيه تفصيلات وتفريعات)، فيلتقدم بطلب للقضاء الشرعي يذكر فيه سبب رغبته في التعدد ولا أظن أن القضاء يمنعه بعد أن يفصل بواعث الموضوعية والذاتية.

فإن لم يكن من أهل الاستطاعة فليقرأ قول الله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) وليصبر وليحتسب عسى الله تعالى أن يلحقه بموكب (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).

أملاه الفقير أبو عمر عدنان بن عبد الله زُهار صبيحة يوم الجمعة سابع محرم 1442 الموافق 28 غشت 2020 ببيته بمدينة الجديدة المغربية، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم

 عدنان  زهار


ظاهرة عزوف الزوجات عن الأزواج بقلم: د. عدنان زهار

 


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى