*الحمد لله قال وهو أصدق القائلين : “يأيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكمُ الصيامُ كما كُتِب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون “البقرة 183
* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد كان يبشر أمته بحلول شهر الصيام، ويحثهم على اغتنام فضله و يحذرهم من الحرمان من خيره فيقول:”أتاكم رمضان، شهرُ بركة، يغشاكمُ الله فيه برحمته، فيُنْزل الرحمة، و يَحُطّ ُالخطايا، و يستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، و يُباهي بكم ملائكتَه، فـَأرُوا اللهَ مِن أنفُسِكُم خيرا،فإن الشقيَّ مَن حُرمَ فيه رحمة َاللهِ عز وجل” رواه الطبراني في الكبير.
* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال عز من قائل في الحديث القدسي: ” كُلّ ُعَمَلِ ابنِ آدمَ يُضاعَف، الحسنة ُبـِعَشْر أمثالِها إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلا الصومَ فإنهُ لي و أنا أجزي به، يَدَعُ شهوَتَهُ و طعامَهُ مِن أجلي، للصائم فرحتان، فرحة ٌعند فِطـْرهِ و فرحة ٌعند لقاءِ رَبِّه و لَخَلـُوفُ فـَمِ الصائم أطـْيَبُ عند اللهِ مِن ريح المِسْكِ ” رواه مسلم و غيره.
* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله و مصطفاه من خلقه و خليله كان إذا استهل شهرُ رمضان استقبلَ القبلة بوجهه ثم قال: “اللهم أهِلـَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسلامةِ والإسلام، والعافيةِ المُجَلـِّلة والرزق الحسنِ ودِفاع الأسْقام، والعونِ على الصلاةِ والصيامِ وتلاوةِ القرآن، اللهم سَلِّمْنا لِرمضانَ وسَلـِّمْهُ مِنا حتى ينقضيَ وقد غفرتَ لنا ورحمتنا وعفوتَ عنا”. (أورده ابن الجوزي في التبصرة بسنده عن علي بن أبي طالب). صلى الله عليه وسلم من نبي أمين، ناصح حليم وعلى آله وصحابته وعلى التابعين لهم إلى يوم الدين * أما بعد ، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله فإنما نحن بالله و له . عباد الله : نبدأ خطبتنا بالتساؤلات التالية:
ـ ما الصوم في الإسلام؟ وما فضائل رمضان؟ وما أهم غايات رمضان؟ وكيف تؤدى هذه العبادة؟
ـ أما الصوم: في اللغة فهو مطلق الإمساك و قد يكون عن الكلام كما في قوله تعالى، إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا [مريم:26]. أما المراد به في شريعة الإسلام فهو: الامتناع عن شهوتَيْ البطن و الفرج أي عن المُفـَطِّرات ـ أكلاً و شرباً و جماعاً ـ من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية .ـ والصيام ـ أيها الإخوة المؤمنون ـ فرضٌ ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، ومنكرُهُ كافر، قال الإمام الذهبي رحمه الله:(الذي يفطر في رمضان من غير عذرٍ شرٌّ من الزاني ومُدمنِ الخمر، بل ويُشك في إسلامه)ـ والصيام ـ أيها المؤمنون ـ عبادة قديمة لقوله تعالى: كما كُتِبَ على الذين مِنْ قبلـِكُم [قال قتادة: كان الصيام زمن نوحٍ عليه السلام ثلاثةَ أيام من كل شهر، ثم نسخه الله بشهر رمضان، وأخبر القرآن أن موسى عليه السلام صام أربعين يوما استعداداً للقائه بربه سبحانه قال تعالى : وواعدنا موسى ثلاثين لليلة وأتممناها بعشرٍ فتم ميقاتُ ربه أربعين ليلة [الأعراف:143]. وفي الإنجيل أن عيسى صام أربعين يوما، وداود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما، أما أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد خصها الله بشهر رمضان.
ـ وأما فضائل رمضان ـ أيها الإخوة المؤمنون ـ فكثيرة يكفي منها:
1ـ أن فيه ليلة القدر: وهي الليلة التي أنزل الله فيها القرآن وهي ليلة خير من ألف شهر.2ـ وفيهمضاعفة الحسنات: فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه) (ابن خزيمة والبيهقي وابن حبان). 3ـ فيهالأجر العظيمالذي لا يعلم قدره إلا الله:يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:(كلُّ عملِ ابنِ آدم لهُ إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجزي به) (مسلم و غيره) ففي قوله (وأنا أجزي به) بيانُ عِظَم فضله وكثرةِ ثوابه لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى ذلك بنفسه اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء). الترغيب والترهيب 4ـ فيهالدعاء المستجاب: قال صلى الله عليه وسلم🙁ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ:الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ“رواه الترمذي5ـ وَفيه وعْدٌبالفرح في الآخرة: قال صلى الله عليه وسلم:(للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة ٌعند لقاء ربه)(مسلم) 6ـ أن هناك باب في الجنة خاص بالصائمين:قالصلى الله عليه وسلم(إن في الجنة باباً يقال له:الرَّيَّان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحدٌ غيرُهم فإذا دخلوا أغلِقَ فلم يدخل منه أحد)(البخاري و مسلم) 7ـ أن فيه تنشط فيه بواعث الخير:قالصلى الله عليه وسلم🙁إذا جاء رمضان فُتِّحَت أبوابُ الجنة وغُلِّقَت أبواب النار، وصُفِّدَت الشياطين)البخاري ومسلم(وينادي منادٍ يا باغيَ الخير أقبل ويا باغيَالشرأقْصِرْ)(الترمذي).8ـ أنه مكفرٌ للخطايا والذنـــوب:لحديـــث(الصلوات الخمــس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى
رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) (مسلم).
ـ عباد الله إن الصوم يهدف إلى أهداف نبيلة سامية: منها1ـ تربية الإنسان على الخلق الكريم بضبط النفس والتحكم في رغباتها: لذلك قال تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون [البقرة:177]. والتقوى لا يفلح القانون على إيجادها بل وحدها الشريعة التي أنزل ربنا جل وعلا هي الضامنة لذلك. ومنها : 2ـالتربية على التكافل: فقد أراد الله تعالى أن نعيش أياما معدودة نستشعر فيها ما يلقاه إخوة لنا طوال السنة من جوع ومرض، فيكون الصوم باعث إحساس لما للأخوة الإسلامية من حق وواجب لقوله صلى الله عليه وسلم🙁مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر الحمى)(متفق عليه)،
نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، وعلى آله،وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :
أيها المومنون: إن فريضة الصيام عبــــادة يتوقف أداؤها على العلم، فتفقهوا
هداكم الله في أمر دينكم فما عُبد الله بمثلِ فقهٍ في الدين، ألا فاعلموا: أن أول أركان الصيام النية وهي: أن ينوي المكلف ذكراً كان أو أنثى أداء ما فرض الله عليه من صيام هذا الشهر يفعل ذلك استجابة لله و تقربا إليه، و محل النيةالليلُ من الغروب إلى طلوع الفجر، وتكفي نيةٌ واحدة لما يجبُ صومُه متتابعاً كرمضان لكن يستحبُّ تجديد النية كل ليلة، و أما من قطعَ صيامه فأفطر بسبب شرعي يبيح الإفطار كالمرض و الحيض و النفاس أو السفر بشروطه فعليه أن يجدد النية عندما يريد استئناف الصيام، و لا تنفعه النية الأولى.
و اعلموا أن كل ما وصل إلى الحلق من المائعات (أي السوائل) فهو مُفَطِّر، و كل ما وصل إلى المعدة صَلْبا ـ أي جامدا ـ كان أو مائعا(أي سائلا) فهو مُفَطِّر سواء وصل من منفذ أعلى أو منفذ أسفل(الدبُر)، أي أن ما وصل إلى المعدة و لو لم يصل عن طريق الحلق فهو مُفطر، و اعلموا أيضا أن من أكل أو شرب ناسيا فقد فسد صومُه و عليه قضاء ذلك اليوم لكن يجب أن يتم يومه صائما، فالناسي إنما ارتفعت عنه المؤاخذة و الإثم فليس عليه الكفارة وأما القضاء فلا بد منه لفساد اليوم،بخلاف من أفطرعمداً فعليه القضاء والكفارة،لانتهاكه حرمة الشهر، وبهذا يظهر الفرق بين العامد و الناسي .(ففي التاج والإكليل على مختصرخليلفي الفقه المالكيوَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ. انتهى) . و اعلموا أيضا أن الإصباح بالجنابة لا يفسد الصيامَ،و إنما على الجُنب المبادرةُ إلى الاغتسال من أجل أن يؤديَ الصلاة في وقتها بشروطها، فإن منعه من الاغتسال مانع شرعي كالمرض أو عدم و جود الماء تيمم و صلى، كما يتعين على الصائم أن لا يفطر حتى يتحقق من غروب الشمس، كما ننصحه ألا يتمادى في الأكل و الشرب عند السحور إلى درجة أن يزحمه طلوع الفجر بل يجعل بينه و بين الفجر مدة زمنية مقدارُها ما يقرأ القارئ خمسين آية فإن ذلك هو فعله صلى الله عليه وسلم، و أيضا حتى لا يتضرر بامتلاء معدته بالطعام أو الشراب فيذرعه القيءُ عند الصلاة في الركوع و السجود.كما ننبه العاجز عن الصيام لكبر سِنِّهِ أو المتضرر به لمرضٍ مزمنٍ لا يُرجي برؤه بحيث يعجز عن القضاء فيما يستقبل من الأيام بعد رمضان أن يفدي عن كل يوم أفطره من رمضان مُدًّا من طعام بمده صلى الله عليه وسلم(وهو ربُعُ مقدار زكاة الفطر) يقدمه( أي يُمَلِّكُه) لفقير أو مسكين والطعام هو من غالب قوت البلد كالقمح و الشعير و الأرز و التمر وعليكم. عباد الله بصيانة حرمة ليل رمضان فإنه في وجوب التوقير و التعظيم كالنهار، واسعوا هداكم الله إلى صلاة التراويح في المساجد لمن استطاع، و من لم يستطع فليصلها في بيته مع أهله و أولاده، و لا يتهاون بها إلا قليل الدين، و استعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم ، وارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك، القائمين معه و بعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة، والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين، و عن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، وانظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم وسنتهم
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا (و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفونو سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته : ” ذ. سعيد منقار بنيس”
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء
أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني
مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد