الخطبمقالات

 فقه التهيء لشهر الصيام 

     فقه التهيء لشهر الصيام 

 

الخطبة الأولى

*الحمد لله قال وهو أصدق القائلين : “يأيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكمُ الصيامُ كما كُتِب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون “البقرة 183

* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد كان يبشر أمته بفضل شهر الصيام، و قدومه فيقول:”أتاكم رمضان، شهرُ بركة، يغشاكمُ الله فيه برحمته، فيُنْزِلُ الرحمة، و يَحُطّ ُالخطايا، و يستجيبُ فيه الدعاء، ينظرُ اللهُ تعالى إلى تنافـُسِكُمْ فيه، و يُباهِي بكُمْ ملائكتَه، فـَأرُوا اللهَ مِن أنفُسِكُم خيرا، فإن الشقيَّ مَن حُرمَ فيه رحمة َاللهِ عز وجل” (رواه الطبراني في الكبير).

* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال عز من قائل في الحديث القدسي:” كُلّ ُعَمَلِ ابنِ آدمَ يُضاعَفُ، الحسنة ُبـِعَشْر أمثالِها إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلا الصومَ فإنهُ لي و أنا أجزي به، يَدَعُ شهوَتَهُ و طعامَهُ مِن أجلي، للصائم فرحتان، فرحة ٌعند فِطـْرهِ و فرحة ٌعند لقاءِ رَبِّه، و لَخَلـُوفُ فـَمِ الصائم أطـْيَبُ عند اللهِ مِن ريح المِسْكِ ” (رواه مسلم و غيره).

* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله و مصطفاه من خلقه و خليله، المرويُّ عنه أنه كان إذا استهلَّ شهرُ رمضان استقبلَ القبلة بوجهه ثم قال:”اللهُمَّ أهِلـَّهُ علينا بالأمن والإيمان، والسلامةِ والإسلام، والعافيةِ المُجَلـِّلَة، والرزقِ الحَسَنِ ودِفاع الأسْقام، والعونِ على الصلاةِ والصيامِ وتلاوةِ القرآن، اللهم سَلِّمْنا لِرمضانَ وسَلـِّمْهُ مِنا حتى ينقضيَ وقد غفرْتَ لنا ورحِمْتَنا وعَفَوْتَ عنا”.(أورده ابن الجوزي في التبصرة  بسنده عن علي بن أبي طالب). صلى الله عليه وسلم من نبي أمين، ناصح حليم وعلى آله وصحابته والتابعين إلى يوم الدين*أما بعد، عباد الله : قال الله تعالى:   يا أيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكُمُ الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون   [البقرة:183] و الصومُ: في اللغة هو مُطْلَقُ الإمساك، أما في الشرع فهو:[الامتناعُ عن شهوَتَيِ البَطْنِ و الفَرْجِ ـ أي المُفـَطِّراتِ أكلاً و شرباً و جماعاً ـ مِنْ طُلُوعِ الفجْرِ إلى غروب الشمس مع النية].ـ وهو فَرْضٌ ثابتٌ بالكتاب والسنة والإجماع ومُنْكِرُهُ كافرٌ،قال الإمام الذهبي رحمه الله:(الذي يُفطر في رمضان من غير عُذرٍ شرٌّ من الزاني ومُدْمِنِ الخمر، بل ويُشَكّ في إسلامه ).

وأما فضائل رمضان أيها الإخوة المؤمنون فكثيرة يكفي منها:

1ـ أن في هذا الشهر ليلة القدر: وهي الليلة التي أنزل الله فيها القرآن وهي

 ليلة خيرٌ من ألفِ شهر.

2ـ مضاعفة الحسنات: فقد قال صلى الله عليه وسلم:(مَن تقرَّبَ فيه بخَصْلَةٍ مِنَ الخير كان كَمَنْ أدَّى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه)(ابن خزيمة والبيهقي وابن حبان.)

3ـ الأجر العظيم الذي لا يعلمُ قدرَهُ إلا الله: للحديث القدسي: يقول الله عز وجل (كُلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلا الصومُ فإنه لي وأنا أجزي به) (مسلم و غيره)

وفي قوله (وأنا أجزي به) بيانٌ عِظَمِ فضلِهِ وكثرةِ ثوابه. (الترغيب والترهيب ج2 ص 79).

4ـ الدعاء المستجاب: قال صلى الله عليه وسلم: ((ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ:الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ”( رواه الترمذي).

5ـ وَعْدٌ بالفرح في الآخرة:قالصلى الله عليه وسلم:(للصائم فرحتان:فرحةٌ عند فطره وفرحة ٌ عند لقاءِ ربِّهِ)(مسلم)

6ـ بابٌ في الجنة خاصٌّ بالصائمين:قال صلى الله عليه وسلم(إن في الجنة باباً يقال  له:الرَّيَّانُ يدخلُ منه الصائمون يوم القيامة،لا يدخلُ منه أحدٌ غيرُهُم، فإذا دخلوا أغْلِقَ فلم يَدْخُلْ منهُ أحد)(البخاري ومسلم)والريان نقيضُ العطشان، مُشتقٌ من الرَّي مناسبٌ لحالِ الصائمين لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (مَنْ دخل شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لا يَظْمَأ أبداً)(النسائي و ابن خزيمة).

7ـ تَنْشَطُ فيه بواعثُ الخير:قال صلى الله عليه وسلم:(إذا جاء رمضان فُتِّحَتْ أبوابُ الجنة وغُلِّقَت أبوابُ النار، وصُفِّدَتِ الشياطينُ)(البخاري و مسلم)(ويُنادي مُنَادٍ يا باغيَ الخيرِ أقـْبِلْ، ويا باغيَ الشر أقـْصِرْ)(الترمذي).

8ـ مُكَفِّرٌ للخطايا والذنوب:للحديث:(الصلواتُ الخمسُ والجمعة إلى الجمعة، ورمضانُ إلى رمضانَ مكفراتٌ ما بينَهُنَّ إذا اجْتُنِبَتِ الكبائرُ)(مسلم)

عباد الله: لايخفى عليكم أن مما يهدِفُ إليه الصوم من الأهداف النبيلة  السامية:

1ـ تربية الإنسان على الخلق الكريم بِضبطِ النفس والتَّحَكّـُم في رغباتها و حَبْسِها عن الحلال حياءً من الله تعالى، واستشعارا لرقابته سبحانه فضلاً عن عدم الجرأة على الحرام؟ قالصلى الله عليه وسلم:(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرقُ السارقُ حينَ يسرقُ وهو مؤمن، ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمن)(البخاري و مسلم). فدلَّ على أن العبد عندَ ارتكابِهِ لهذه المعاصي إنما كان في حالٍ حيوانيٍّ فقدَ فيه الحياءَ والتعظيمَ لنظرِ الحقِّ جلَّ وعلا.

2ـ التربية على التكافل: أراد الله تعالى أن نشعر في هذه الأيـــام المعدودة ما

يلقاه إخوةٌ لنا طوالَ السنة من الجوع والخصاصة والمرض، فيكونُ صوم رمضان باعثَ غيرةٍ وإحساسٍ لِمَا للأخُوَّةِ الإسلامية من حقٍّ وواجبٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم:( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (متفق عليه)،

نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة  عما يصفون، و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين. 

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :

أيها المومنون: إن فريضة الصيام عبادة يتوقفُ أداؤُها على العلم، فتفقهواـ هداكم الله ـ  في أمر دينكم فما عُبد الله  بمثل فقه في الدين، ألا فاعلموا أن أول أركان الصيام النية و هي: أن ينوي  المكلف ذكرا كان أوأنثى أداء ما فرض الله عليه من صيام هذا الشهر الذي هو رُكْنٌ من أركان الإسلام يفعلُ ذلك استجابة لله و تقرباً إليه، و محلُّ النيةِ الليلُ من الغُروب إلى طلوع الفجر، و تكفي نيَّةٌ واحدةٌ لِمَا يجبُ صومُهُ مُتتابعاً كرمضان، لكن يُستحبُّ تجديدُ النيةِ كلَّ ليلةٍ، و أما مَنْ قطعَ صيامهُ فأفطرَ بسببٍ شَرْعِيٍّ يُبيحُ الإفطارَ كالمرض و الحيض و النفاس و السفر بشروطه: فعليه أن يُجدِّدَ النيةَ عندما يريدُ استئناف الصيامِ، و لا تنفعهُ النية الأولى.

و اعلموا أنَّ كُلَّ ما وَصلَ إلى الحَلْق من المائعات أي السوائل فهو مُفَطِّر،    و كلَّ ما وصلَ إلى المَعِدة صلباً ـ أي جامداـ، أو مائعاـ أي سائلا ـ فهو مُفَطِّر سواءً وصل مِنْ منفذٍ أعلى(العين و الأنف و الأذن) أو أسفل(الدُّبُر)، أي أن ما وصل إلى المعدة و لو لم يصل عن طريق الحلق فهو مفطر،

و اعلموا أيضا أن من أكل أو شرِبَ ناسياً فقد فَسَدَ صومُهُ و عليه قضاءُ ذلك اليوم، لكن يجبُ عليه أن يُتِمَّ يومَهُ صائماً، فالناسي إنما ارتفعتْ عنه المؤاخذةُ      و لا يُعَدُّ آثماً فليس عليه الكفارة،و أما القضاء فلا بُدَّ منه لفسادِ اليومِ، بخلاف من أفطر عمداً فعليه القضاءُ و الكفارة،لانتهاكه حرمة الشهر، و بهذا يظهر الفرق بين العامد  و الناسي، (هذا هو الحكمُ في المذهب المالكي: (ففي التاج والإكليل على مختصر خليل في الفقه المالكي وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ: مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ. انتهى) 

و اعلموا أيضا أن الإصباحَ بالجنابة لا يفسدُ الصيام،و إنما على الجُنب المبادرةُ إلى الاغتسال من أجل أن يُؤَدِّيَ الصلاة في وقتها بشروطها، فإن منعه من الاغتسال مانع شرعي كالمرض أو عدم و جود الماء تيمَّمَ و صلى. و يتعين على الصائم أن لا يفطر حتى يتحقَّقَ من غروب الشمس، كما ننصحه ألا يتمادى في الأكل و الشرب عند السُّحُورِ إلى درجة أن يزحمه طلوعُ الفجر بل يجعل بينه و بين الفجر مدة زمنية مقدارها ما يقرأ القارئ خمسين آية فإن ذلك هو فعله صلى الله عليه وسلم، و أيضا حتى لا يتضرَّرَ بامتلاءِ معدته بالطعام أو الشراب فيذرَعَهُ القيءُ عند الصلاة في الركوع و السجود.كما نُنَبِّهُ العاجزَ عن الصيام لكبر سِنِّهِ، أو المتضرِّرَ بالصيام لمرض مُزْمنٍ لا يُرجي بُرْؤُهُ بحيث يعجز عن القضاء فيما يَستقبِلُ من الأيام بعد رمضان: أن يفديَ عن كل يومٍ أفطره من رمضان مُدّاً من طعامٍ بمُدِّه صلى الله عليه وسلم ( وهو رُبُعُ مقدارِ زكاةِ الفِطر) يُعطيه(أي يُمَلِّكُه) لفقير أو مسكينٍ والطعام هو من غالب قوت البلد كالقمح و الشعير و الأرز و التمر. وعليكم عبادَ الله بصيانة حُرمة ليلِ رمضان فإنه في وجوب التوقيرو التعظيم كالنهار، وحافظوا على صلاة التراويح في بيوتكم كل مع أهله و أولاده، و لا يتهاون بها إلا قليل الدين، و عمِّروا أوقاتكم   بالذكر و القرآن و العلم فإنها مجالس العبادة أينما كانت في بيوت الله أو في المنازل تغشاها الرحمة وتتنزل عليها السكينة و تحفها الملائكة و يذكر الله عمارها فيمن عنده من الملأ الأعلى،و استعينوا على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق،و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم ، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، الخ

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون)

 ( و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته : ” ذ. سعيد منقار بنيس”

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد 

  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى