الخطبمقالات

كيف نحب النبي صلى الله عليه وسلم ونشتاق إليه كمحبة الصحابة واشتياقهم

[كيف نحب النبي صلى الله عليه وسلم  ونشتاق إليه كمحبة الصحابة واشتياقهم  ]

الخطبة الأولى:

*الحمد لله رب العالمين* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد ” المبعوث رحمة للعالمين* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، 

* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله و مصطفاه من خلقه و خليله فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته  و التابعين، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين * أما بعد عباد الله :يقول الله لنا في كتابه(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)( الأحزاب: من الآية6 ) هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أولى من أنفسنا وأرأف وأشفق ، فكيف لا يكون أولى بنا من غيرنا: أولى بنا من آبائنا و أمهاتنا و أبنائنا و إخواننا و أخواتنا، فهو إذن أعظم منزلة من الوالد الرؤوف الرحيم، و أعطف و أحن من كل شفيق كريم، جعله الله قدوتنا لما له من الشمائل و الفضائل، ولما تحلى به من الآداب والأخلاق  المكارم، اتصف صلى الله عليه وسلم بما يُحَبُّ لأجله، ويحمد عليه، فهو محمد وهو أحمد، وهو الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وهو الحاشر الذي يُحشر الله الناس على عقبه، وهو المصطفى المختار من البشر و خيرُهم عند الله، وقد وعى الصحابة رضوان الله عليهم هذا المعنى فأحبوه لذلك، وحَكَّموه في أنفسهم، وأموالهم، لقد كانت محبة الصحابة لربهم عظيمة، ومحبتهم لنبيه -صلى الله عليه وسلم- من محبتهم لربهم جسيمة، فالله يحبه، والله أرسله، وأوجب علينا حبه و اتباعه (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، فلا يسع المؤمن إذن إلا أن يحب حبيب رب العلمين ، وأحبَّ الخلق إلى الحق من الأولين و الآخرين، فلهذا قال الصحابة رضي الله عنهم عندما استشارهم في الإقدام على منازلة الكفار في غزوة بدر (هذه أرواحنا بين يديك، لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك و ما تخلف منا رجل واحد)، و قالوا (هذه أموالنا يبن يديك فاقسمها كيف شئت ستجدنا من خلفك وعن يمينك وعن شمالك )  

أبرُّ بني الدنيا وأعظمُ من شكـــرْ

وأكرم مخلوقٍ على سائر البشــــرْ

به الله قد أهدى إلى الناس رحمةً

وبه ضياءُ الحق في الكون قد ظهر

لقد اشتاق الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته وبعد مماته، وأحبوه حباً لم يعرفِ التاريخ مثله، حتى قال أنس رضي الله عنه :(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقْبِلُ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْهُ ) .وقال علي رضي الله عنه 🙁 كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ ).كما قال عمرو بن العاص رضي الله عنه : “وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ” لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ . 

كُلُّ القلوب إلى الحبيب تميلُ        ومعي بهذا شاهــــــدٌ ودليـــلُ

أما الدليلُ إذا ذكرت محـمداً         صارت دموعُ العارفين تسيلُ

وقال أبوسفيان رضي الله عنه و هو لا يزال على كفره: “ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً”. 

أيها المؤمنون، لقد تغلغل حبه صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه، وتعمق في نفوسهم  وكيف لا و قد قال لهم يُعلّمهم : (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) .

ولو لم يكن في القلب حبُّ محمدٍ

لعمّت بك البلوى و دام الضلالُ

بل كل من صدقت محبته للنبي -صلى الله عليه وسلم- أحبهُ أكثرَ من نفسه، ولذلك كان أحدهم يقول : نحري دون نحرك.وقال عُمر للعباس :”يا عباس والله لَإسلامك يوم أسلمت أحبَّ إليّ من إسلام الخطاب – يعني أباه – لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم”. سيدنا عمر رضي الله عنه لم تمنعه قوة شخصيته ولا غضبه في الحق أن يكون صاحب مشاعر حساسة وقلب مرهف تجاه النبي صلى الله عليه وسلم فقد فرض لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَخَمْسِ مِائَةٍ، وَفَرَضَ لابنه ثَلَاثَةِ آلَافٍ، فسأله ابنه عن ذلك فقال: لأَنَّ زَيْدًا كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيكَ، وَأُسَامَةُ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكَ، فَآثَرْتُ حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ. 

 وقد حكى التاريخ حب الصحابة له صلى الله عليه وسلم ، حتى إن الملوك لا يُفعل معها كما يفعل معه، لكن ليس من باب الذل والعبودية،وإنما من باب التوقير و التعظيم فهذا عروة بن مسعود قبل أن يسلم بعثته قريش ليتفاوض مع الرسول صلى الله عليه و سلم ويُصالحه فجعل عروة يرمُقُ أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه، فقال واصفاً وضع  الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ – (يعني ما رأيت ملكاً قط) –  يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ ). [ أصحابه يعدون ألف و أربعمائة و لا يرفعون اصواتهم] عملا بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا

لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة  عما يصفون،وسلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين

 

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :

 عباد الله لقد كانت محبته صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه أصيلة، و كان شوقهم إليه عظيماً، فهذا ثوبان مولاه صلى الله عليه وسلم كان قليل الصبر عنه، يشتاق إليه كل يوم، جاءه يوماً وقد رأى في وجه تغيراً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(ما غير لونك) ؟فقال: يا رسول الله ما بي من مرض ولا وجع غير أني إِذا لم أرك اشْتقت إِلَيْك وَاسْتَوْحَشْت وَحْشَة شَدِيدَة حَتَّى أَلْقَاك، و والله إنك لأحب إلي من نفسي وأهلي وولدي، وإني لأكون في البيت، فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت الآخرة عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك ! فنزل قوله تعالى:(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) النساء :69 .

 و هذا ذو البجادين ( لقب عبد الله بن عبد نُهم ) رضي الله عنه تربى في حِجْر عمِّه، فنازعتُه نفسه إلى الإسلام، فقال: يا عم كنت أنتظر سلامتك بإسلامك فلا أراك تريد محمداً فائذن لي في الإسلام.فقال عمه: والله لئن أسلمت لأنتزعنَّ  كلَّ ما أعطيتُك حتى ثوبيك! فصاح ذو البجادين: نظرة من محمد عليه الصلاة والسلام أحب إلي من الدنيا وما فيها.فجرده عمُه من كل شيء حتى الثياب، فناولته أمه بجادًا لها ( كساء مخطط)، فقطعه نصفين، فاتزر نصفًا وارتدى نصفًا.وأتى رسول الله، فقال: ما اسمك؟ قال:عبد العزى. فقال: بل عبد الله ذو البجادين.أيها المومنون  إنه صلى الله عليه وسلم هو الذي قال: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ وَلَا يَرَانِي، ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ).قال العراقي في طرح التثريب ” أي:( يَأْتِي عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لأَنْ يَرَانِي فِيهِ لَحْظَةً ثُمَّ لَا يَرَانِي بَعْدَهَا أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ جَمِيعًا ). فماذا كانت ياترى مشاعر الإمام البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأبي داود وأحمد والبيهقي وأهل الحديث كافة وهم يكتبون الحديث عنه ويجولون في البلاد لجمعه، ويسهرون الليل لكتابته، ويدرسون علل الأساليب ماذا كان شوقهم، وكيف كانت حالتهم، وأهل الإيمان يتمنى الواحد منهم أنــــه

 رأى النبي صلى الله عليه وسلم لحظة ليحظى بأجر الصحبة، 

فَيَبكي إِن نَأَوا شَوقاً إِليهِمُ

وَيَبكي إِن دَنَوا خَوفَ الفِراقِ

  لم يكن الشوق ولم تكن المحبة ولم يكن الميل من البشر إليه فقط، بل أراد الجن أن يلتقوا به، أي الصالحون والمؤمنون منهم فالتقوا به أكثر من مرة، وكذلك الأشجار،قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه كان المسجد مسقوفا على جذوع نخل فكان النبي صلى الله عليه و سلم يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ منها، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَكَانَ عَلَيْهِ سَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ [وفي رِوَايَة: فَصَاحَتْ النَّخْلَة صِيَاح الصَّبِيّ] [فَسَمِعُوا مِنْ حَنِينهَا حَتَّى كَثُرَ بُكَاؤُهُمْ ]حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ. .وقال-عليه الصلاة والسلام- عن الجذع:(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ أَلْتَزِمهُ لَمَا زَالَ هَكَذَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة).

أنتَ الذي حنَّ الجمادُ لعطفهِ

وشكا لك الحيوانُ يومَ رآكا

والجِذعُ يُسْمَعُ بالحنين أنينُه

وبكاؤُه شوقــــــا إلى لُقياكا

وقال صلى الله عليه وسلم: ( مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ ) . فاللهم اجعلنا من أشد الناس حبا لحبيبك صلى الله عليه وسلم فاستعينواعباد الله على أموركم كله ا بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره  و مقداره العظيم. (ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

 

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :
” ذ. سعيد منقار بنيس”
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء
أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني
مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد 
  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى