مستوى الخلافة في الطريقة التجانية
بقلم الشريف محمد العراقي الحسني المغربي
الخلافة في الطريقة التجانية مستعملة في وجهين :
– وجه أول مجمع عليه ومصرح به. وهو خاص برجل واحد وهو سيدي علي حرازم برادة رضي الله عنه. فقد خصه سيدنا الشيخ رضي الله عنه بالخلافة عنه حيا وميتا. فنص كلام الشيخ رضي الله عنه”…وأقمناه مقامنا بدلا عن أنفسنا وعن روحنا ومقام قدسنا فهو القائم عنا في حضرتنا وغيبتنا وفي حياتنا وبعد مماتنا…”[الشرب الصافي ص 33 ج 1]. واعتمادا على هذا النص وغيره خص التجانيون قاطبة سيدي علي حرازم رضي الله عنه بنعت ” الخليفة” [بالتعريف] كما أفردوا بنعت ” الواسطة” سيدي محمد بن العربي الدمراوي التازي رضي الله عنه.
– وجه ثان غير مجمع عليه من حيث التعيين وإن وقع الاتفاق حول الشروط والمواصفات اللازمة للخلافة. والنعت الأوفق هو لفظ “خليفة” [نكرة]. إما يشهد به المقدم لنفسه أو يشهد له به مقدمه. ففي الأول ما ثبت مثلا عن سيدي الحاج الحسين الإفراني رضي الله عنه, يحدث سيدي الحاج الأحسن البعقيلي رضي الله عنه “وسألته عن الخلافة عن الشيخ رضي الله عنه زماننا إطلاقا فأجاب ليس من الشأن التبيين فكررت مرة أخرى فأجاب بالخلفاء قبله فطلبته ثالثا عن تبيين وجهها والقطبانية العظمى خلافة عن الله حيثما كان الله إلها فنسبها لنفسه رضي الله عنه”. [الإراءة ج1 ص 143].
.وفي الثاني مثل ما صرح بذلك سيدي عمر بن سعيد الفوتي رضي الله عنه : قال لي أي سيدي الغالي بوطالب رضي الله عنه – ونحن في المسجد النبوي وقت الضحى– كنا نقدم الناس ونجعلهم مقدمين في إعطاء الورد وأما أنت فخليفة من خلفاء الشيخ لا من المقدمين [رماح حزب الرحيم ج1.ص184]. أما شهادة الأتباع لمقدمهم بالخلافة بناء على حسن الظن فهو من قبيل التلاعب بالمناصب الولائية.
الباب الأول: تحديد مفهوم التقديم في الطريقة التجانية
ويدلي لنا سيدي الحاج الأحسن البعقيلي رضي الله عنه بلائحة لنماذج التقديم الممكنة في الطريقة التجانية
-
“ثم إن المقدمين منهم مقدم على نفسه لا غير بحيث أفيضت عليه مرتبة التقدم فلم يوافق طبعه طبع أحد … فهو المسمى في العرف قائد نفسه يأخذ مئونة قائد الرحى ولا عسكر له,
-
وربما يوجد مقدم على واحد لا غير أو إلى زوجته مثلا… فهو مقدم مرتبة ولا تلد لتحجرها عن خاص.
-
وربما يقدم على قرية لا غير إن اقتضى الحكمة
-
وربما يحجر بطريق الحج مثلا لا غير ثم يكف وجوبا في بلد يكون فيه مقدم
-
وربما يطلق له بحسب البلدان مع شروط الآداب مع المقدمين بحيث لا يلقن في بلد فيه أعرف منه وأقدم وأسيس منه
-
وربما يطلق له لكماله. يلقن مع وجود المقدم لكماله في مقام التربية. لأنه يجب على مقدم البلد إذا ظهر أكمل منه أن يدخل في طاعته وخدمته حتى يذهب لوفور فيضه عليه وعلى غيره…
-
ثم ربما يقدم لتلقين الورد اللازم لا غير
-
وربما يقيد بذكر خاص لا يتعداه فحكمه لمربيه
-
وربما يطلق له إن كانت حضرته مطلقة مناسبة لكل الخلائق ولكل الأذكار.
-
وربما يقيد باعتبار التقديم لغيره لا غير ويطلق له باعتبار نفسه.
[الإراءة ج1 ص 150].
المقدم هو الذي يحقق استمرارية الطريقة التجانية أو انقطاعها أو تشويهها. نموها وازدهارها أو تعطيلها وخمودها. وله نجد جميع المؤلفين في الطريقة خصصوا أخطر الأبواب وأشدها لهجة وتحذيرا فيما يتعلق بأمر التقديم.
هناك في مجال التنظيم مناصب أو مهام ملحقة أو مدرجة أو موازية للتقديم يقع بينها وبين التقديم خلط كبير.
– مهمة النضارة في الزاوية التجانية. ليست بالضرورة من مهام المقدم وإن كانت تحت مسؤوليته. إن منصب التقديم يمنع المقدم من النزول إلى مستوى الاهتمام بمسائل التسيير الميداني فيما يتعلق بالماء والكهرباء والزرابي وتنظيم الليالي وتسيرها. فهي مهام لها أصحابها المتوفرون على مؤهلاتها ورحم الله من عمل عملا فأتقنه.
– فقد كان مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه يكلف أصحابا بأشياء ويترك الخواص لأنهم ليسوا أهلا لتلك الأعمال بينما نجد بعض المقدمين غفر الله لهم. يتحكمون في كل شيء لهم الرأي في كل شيء ويتشاورون في كل شيء. فيهتمون بالذي هو أدنى ويتركون الذي هو خير الذي هو منصب النبوة والرسالة من تربية وتعليم.
الباب الثاني- مسؤوليات المقدم
المسؤوليات المناطة بالمقدم في الطريقة التجانية أنواع ثلاثة : تنظيمية وتربوية وتعليمية.
المسؤولية التنظيمية
المقدم مسؤول عن المحافظة على القواعد التنظيمية للطريقة والزاوية سواء مع الفقراء ومع غيرهم من رواد الزاوية.
وقد ثبت عن كبار المقدمين ما يفيد الالتزام بهذه المسؤولية في نقط نظام متعددة :
-
يحدثنا القاضي سيدي أحمد سكيرج رضي الله عنه أنه شاهد بنفسه أستاذه العارف بالله سيدي أحمد العبدلاوي رضي الله عنه “يقوم من محل جلوس ذكره بالزاوية الشريفة ويخرج الدخيل في صف الذاكرين من الأحداث” (في حضرة هيللة الجمعة) [رفع النقاب ج4 ص 244].
-
يقول سيدي العربي بن السائح رضي الله عنه “ومما يجب أن يعلم هنا أن سيدنا الشيخ رضي الله عنه كان يحب الوقوف عند الحدود المحدودة في الذكر عند السادات الخلوتية من الافتتاح بشيء من القرءان [في الهيللة] كفاتحة الكتاب والختم بشيء منه أيضا ولو كآخر سورة اليقطين, ومن عدم الاشتغال عن فريضة حتى يخرج وقتها فإن ذلك والعياذ بالله من عمل أهل الغرور المتلاعبين المستهزئين ومآلهم بلا شك إلى الخسران المبين, ومن عدم التمطيط في الذكر, بحيث يخرج إلى حد الغناء المنافي للخشوع, أو إلى اللحن الذي لا يسوغ, كترك المد الطبيعي” [رفع النقاب ج ص 247].
-
وفيما كتب به الفقيه سيدنا محمد أكنسوس رضي الله عنه لبعض الإخوان “اعلم أن من اشتغل بإظهار التخشع بمجرد الذكر فإنه متلاعب كمن يصيح عند الذكر أو يشطح بلا وجدان, فإن هذا أمر قد ابتلي الناس به كثيرا والعياذ بالله [رفع النقاب ج4 ص 248].
-
وفيما كتب به سيدي محمد البشير بن سيدي محمد الحبيب نجل مولانا الشيخ رضي الله عنه وعنهم “يليه بلغني عنكم أمورا اخترعتموها في الطريقة برأيكم مع علمكم إن الشيخ لم يأمر بذلك ولم يرضاه. منها أنكم تقرؤون الوظيفة على الأموات في الديار على الفقراء وغيرهم. ومنها كثرة الأئمة وكثرة التقاديم, وهذا كله تلاعب في الطريقة, ومنها حضور النسوة في الوظيفة وصبيحة يوم الخميس. ولم يكن من زمن الشيخ رضي الله عنه إلا إماما واحدا ومقدما واحدا, ومنها دخول الأطفال للزاوية ولم يمنعهم أحد . وقد كان سيدنا الشيخ أمر السلطان مولانا سليمان أن ينهي الأطفال عن دخول المساجد قائلا لا شك أن أرجلهم متنجسة,…. ومنها أنكم اتخذتم الزاوية مثل القهوة [ أي المقهى] للنوم وحديث الدنيا وهذا عين السخط وقد علمتم أنها ما بنيت إلا للذكر كغيرها من المساجد المحفوظة من اللغو والعبث أو أشد, وأيضا بلغني أن خزانة الكتب المحبسة على الزاوية كلها ضاعت ولم يبق منها إلا النزر, كل من استعار كتابا لا يرده” ثم يقرر رضي الله عنه نظام محكما بالتعيين :
وأما المحراب فإننا أمرنا السيد محمد كنون [صاحب حل الأقفال في شرح جوهرة الكمال وهو العالم الجليل] لا يتقدم إليه غيره إلا في غيبته ينوب عنه السيد محمد بن العابد [العراقي] لا غير.
وأما أمر الهيللة فإننا أمرنا السيد محمد كنون يكون أمرها على يده ولا يتقدم عليه أحد وتكون سردا كما نفعله الآن ألف ومائتان لتجتمع عليها كافة الفقراء. وقد أذناه يعطي أوراد الطريقة, وأذنا له فيها ظاهرا وباطنا ولا يتقدمه أحد في تلقين الورد وفي الإمامة إلا إذا غاب يجعل نائبا على يده.
أما الزاوية فلا تفتح إلا في أوقات الصلاة حفظا من النساء والدراري وجماعة اللهو… وفي الحقيقة أمر الزاوية كله راجع إلينا….”[رفع النقاب ج4 ص 258].
فتنظيم أمر الزاوية لم يكن شيئا ثانويا بالنسبة للمقدم في الطريقة التجانية بل من مسؤولياته الكبيرة والخطيرة التي عاهد الله عليها بحكم الإجازة.
المسؤولية التربوية :
البناء التنظيمي للطريقة التجانية ليس غاية في ذاته وإنما أسس لخدمة الجانب التربوي والتعليمي الذي يعتبر رسالة وغاية الشيخ مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه في هذه الحياة. فتعليم الناس وتخليصهم وتهييئهم لحضرة الله وحضرة رسوله صلى الله عليه وسلم هو العلة التي صرح مولانا الشيخ رضي الله عنه بها لما كلف من حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهمة الدعوة إلى الله : إن كنت بابا لنجاة كل عاص مسرف على نفسه تعلق بي فنعم وإلا فأي مزية لي ؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم : نعم أنت باب لنجاة كل عاص مسرف على نفسه تعلق بك “[الإفادة الأحمدية].
ماذا تعني المسؤولية التربوية ؟
تعني أن المقدم من أي مستوى كان هو صاحب تكليف لا فقط صاحب تشريف. هو صاحب مهمة ووظيفة لا فقط صاحب مرتبة ومنصب. أو بالأصح هو شخص شرف وكلف. شخص أعطيت له مرتبة ليقوم بمهمة. وهذا المعنى هو الذي يجب أن يحكم سلوك المقدم وتصرفاته.
المقدم مسؤول عن أربع : عن الفقراء وعن الزاوية وعن الطريقة – أي مبادئها وقواعدها وأركانها – وعن الشريعة – أي تطبيقها واحترامها – من طرف رواد الزاوية فقراء وغيرهم.
مسؤولية المقدم التربوية عن هذه الأربعة هي مسؤولية : عامة أولا, وملتزمة بالقواعد ثانيا, وتعني الخدمة ثالثا, وهي تطبيقية رابعا.
-
أما كونها عامة فيعني أنها لا تنحصر في الفقراء الذين أخذوا عن المقدم فهؤلاء لهم نحوه أولوية القرابة الروحية فقط. كما يعني أنها غير مقتصرة على الزوايا التابعة للمقدم. فالمقدم مقدم في الطريقة التجانية لا في سند معين أو في زاوية معينة أو في مدينة معينة أو في بلد معين. والغلط الفاحش لما يظن المقدم أنه محدود المسؤولية في محيط معين فيسكت عما يقع من المخالفات لأسس وقواعد الطريقة. وقد يتذرع ببعض الأدبيات المتعلقة بهذا الباب وهي أدبيات تحث على التماس الحكمة والسياسة في تغيير المنكر كالابتداء بالحديث مع مقدم الزاوية المعنية وإقناعه بخطئه أو خطأ الفقراء التابعين له ولا تعني أبدا الإعفاء من المسؤولية أو تحديدها.
أما كونها تلتزم بالقواعد فيعني أن المقدم محكوم بالقواعد ومحتكم إليها لا حاكم عليها ولا متجاوز لها بأي أنواع التأويل. ثم إن المقدم شخص يميز بين الأسس والقواعد والثوابت من جهة وبين الكماليات والعادات والمتغيرات من جهة أخرى.
ومراعاة القواعد تدفعنا إلى التمييز بين نوعين من الاجتهاد والتجديد في الطريقة التجانية.
أما الزاوية فلا تفتح إلا في أوقات الصلاة حفظا من النساء والدراري وجماعة اللهو… وفي الحقيقة أمر الزاوية كله راجع إلينا….”[رفع النقاب ج4 ص 258].
– اجتهاد وتحديد مندرج تحت القواعد العامة للطريقة كاجتهاد سيدي محمد الحبيب رضي الله عنه نجل مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه في منع ذكر الهيللة على الطريقة الخلوتية, وكاجتهاد سيدي عبيدة بن انبوجة الشنقيطي في مناهج السلوك وتقديمه لثلاثة مناهج : السلوك بالأذكار والسلوك بالصلاة والسلوك بصلاة الفاتح لما أغلق. وهذه الاجتهادات المندرجة تحت أصل من أصول الطريقة , يقابلها علماء وكبراء الطريقة بالقبول والتأييد. كما فعل سيدي الحاج الأحسن البعقيلي رضي الله عنه بتنويهه بصاحب الميزاب”والعلم بمدارج السلوك إجمالا وتفصيلا في ميزاب الرحمة لأبي عبيدة رضي الله عنه” [الاراءة ج1 ص 142].
– اجتهاد وتجديد مردود متعارض مع أصول الطريقة. والحالات كثيرة ومتعددة بشأن البدع فلا يمكن استيفاءها. وإنما نعطي أمثلة لذلك فقد ورد في إجازة سيدي الحاج الحسين الافراني رضي الله عنه للسيد علي الأساكي رضي الله عنه”ومن بدع ذلك المبتدع في الطريقة أنه يأمر أصحابه بعد عصر الجمعة أن يهللوا بقدر معلوم لديه ويؤخرون البعض منها إلى أن يفرغوا من الحزب الراتب كأنه لم يعلم الحكمة في جعله في ذلك الوقت وإنه إذا فات وقته لا يقضي” [الإراءة ج1 ص 218].
ويدلي لنا سيدي الحاج الأحسن البعقيلي رضي الله عنه بلائحة لنماذج التقديم الممكنة في الطريقة التجانية
-
أن المقدم شخص يميز بين الأسس والأركان والقواعد والثوابت من جهة وبين الكماليات والعادات والمتغيرات من جهة أخرى. ويتدرج في مسؤوليته بينهما. ولا يغلط الفقراء ولا يخلط لهم بين الحضرات. وقد نجد مقدما تقوم قيامته إذا تعلق الأمر بلفظ السيادة في الوظيفة أو بتغيير صيغة الوظيفة أو الهيللة أو الانتقال في الهيللة من الكلمة المشرفة إلى اسم الجلالة أو العكس, أو الختم في الوظيفة بالفاتحة أولا, مما هو من الكماليات بل من العادات فقط ويقيم الدنيا إذا تغير شيء مما اعتاده الفقراء وهو مجرد عادة وقد تكون خاطئة ولم يتنبه لها. ولا يقاس على هذه الأمثلة من يهدم بعض قواعد اللغة كمن يمدد لفظ الصراط في الفاتحة فإذا عتب عليه استنكر وادعى أن ذلك داخل في الصيغ ولا مشاحة فيها. فقد عاب مولانا الشيخ رضي الله عنه على من يذكر الهيللة دون مراعاة قواعد المد والوقت وصاح رضي الله عنه وسط الهيللة أي شيء هذا لا إله إلا الله ( أي قولوا).
بالمناسبة يتعين التنبيه على قاعدة من قواعد الطريقة. فالتأمين على دعاء الغير هو التماس لبركته وهو مندرج في القاعدة المتعلقة بالزيارة وله كان يحتاط مقدمو الطريقة شديد الاحتياط عندما يحضر مجمعهم رجل غير منتسب للطريقة التجانية من العلماء أو من الطرق الأخرى أو من أقاربهم . فينبهون على ذلك لكي لا يقع الفقراء في المحظور فيقولون مثلا : إن فلانا محب للطريقة وإن لم يلتزم بها وسيلقى عليكم درسا. فيفهم الفقراء مقصوده ولا يؤمنون على دعاءه.
أما كونها تعني الخدمة لا الاستخدام, فالمقدم خادم لا مخدوم. المقدم هو الذي يأتي الفقراء لا من يستدعيهم. هو من يبحث عمن تخلف منهم فيتفقده ويعطي المثال في ذلك. وقد عايشنا المقدم البركة الشريف سيدي أحمد الطائي الفروكي وشاهدنا فيه من خدمة الفقراء الشيء الفريد. فقد كان يوقظ مجموعة من الشباب لصلاة الصبح ويأتي منازلهم ويدق أبوابها, ويراقب سير الوظيفة وسمعناه رضي الله عنه وسط الوظيفة وقد وقع تخليط فقام حاملا سبحته يصيح “رتلوا رتلوا” تأسيا بالمشاهد لسيدي علي حرازم رضي الله عنه, ويفرح لقدوم الفقراء للزاوية وإذا تأخر أحدهم عن صلاة الصبح أنشده بيت الإمام البوصيري :
حمد المدلجون غب سراهم وكفى من تخلف الإبطـــــــاء
كان رضي الله عنه يحمل هم الفقراء ويتأثر غايته لما يقع بهم وأظنه كان يحمل عنهم ما قد يقع بهم من الجلال الإلهي, فيأتيه الفقير يحكي له همه, وفي الغد يسأله سيدي أحمد الفروكي عن حاله فكان يقول رضي الله عنه أنت نمت ليلتك أما أنا فلم أنم لما أخبرتني به.
-
أما كونها تعني التربية التطبيقية, فالمقدم رجل مندمج مع الفقراء لا محتجب عنهم, مخالط لهم لا منفرد ومنعزل عنهم. وقد ثبت عن مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه خروجه مع الفقراء للتنزه الأيام المتوالية, وسفرهم معه ومبيتهم معه, وإشراكهم في حياته ومجالاته وحوائجه, بل منهم من كان يعيش تحت نفقته. فبعد وفاة سيدي علي حرازم رضي الله عنه تكفل مولانا الشيخ بتربية ابنه السيد أبي يعزي برادة والأمثلة كثيرة. وهدفنا أن نوضح أن الفقراء التجانيين كانوا يعيشون تجانيتهم كاملة في وضوح وانسجام مع محيطهم لا في اختفاء وانفراد وإخفاء لهويتهم. أما ما يتذرع به من الخوف من الإنكار فهذا كان في الأزمان المتأخرة لما ظهرت البدع التي كان ينكرها كل تجاني صادق مع طريقته.