من سيرته صلى الله عليه و سلم
في أمته التذكير بأيام الله
الخطبة الأولى
* الْحَمْدُ لِلَّـهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ؛ لَهُ فِي خَلْقِهِ شُئُونٌ وَآيَاتٌ، وَلَهُ فِي عِبَادِهِ أَحْوَالٌ وَتَقَلُّبَاتٌ* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنــا محمد سيد الكائنات
* ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله و مصطفاه من خلقه و خليله، فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم وعلى آله وصحابته، وعلى من حافظ على دينه و شريعته واستمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .
* أَمَّا بَعْدُ، فيا عباد الله:اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَخُذُوا مِنْ مُرُورِ الْأَيَّامِ عِظَاتٍ وَعِبَرًا، وَمِمَّا بَقِيَ مِنْ أَعْمَارِكُمْ زَادًا تَجِدُونَهُ لَكُمْ ذُخْرًا، ؛ فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ.ألا فاعلموا أن التَّذْكِيٍرَ بِأَيَّامِ اللَّـهِ تَعَالَى تَذْكِيرٌ بِمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ، وتذكير بما فعله رسوله عليه الصلاة و السلام وبما فعله قبله الرسل الانبياء الكرام عليهم السلام مع أقوامهم، فمَنْ قَرَأَ قِصَصَ المُرْسَلِينَ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ وَجَدَ فِيهَا تَذْكِيرًا بِأَيَّامِ اللَّـهِ تَعَالَى، فَكُلُّ نَبِيٍّ يُذَكِّرُ بِهَا قَوْمَهُ؛ لِئَلَّا يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ مَنْ كَانُوا قَبْلَهُمْ.
فما المراد بأيَّام الله ؟ أيامُ الله هي: الأيام الجديرة أن تُنْسب إلى الله، فعندما نقول: يوم الله. فمعناه: أنه اليوم الذي أنزل الله فيه نعمًا سابغةً وباهرةً على المؤمنين، أو الذي أنزل فيه نقمًة قاهرة باترة على المجرمين، فمن أيام الله، يمكن أن نقول: يومَ أخذ الطوفان قوم نوح، و يومَ أخذت الصاعقة أو الرجفة قوم عاد و ثمود، و يومَ أنجى الله إبراهيم من النار، و يومَ فدى إسماعيل من الذبح، و يوم ردَّ اللهُ على نبيه يعقوب عليه السلام بصره وجَمَعه بابنه يوسف عليه السلام وأزال عما بينه و بين إخوته من نزغ الشيطان، و يومَ أنجى اللهُ موسى و قومه من فرعون و أهلكه و جنوده بالغرق، و يومَ خَسف بقارون وبداره الأرض، ويومَ قَتل داودُ جالوت وآتاه الله الملك و جعله خليفة في الأرض، ويوم أتِيَ سليمانُ بعرش بلقيس، و يوم حملت مريم بعيسى و وضعته بدون أب، و يوم أنزِلت مائدةٌ من السماء على الحواريين، كل تلك أيام الله في الأمم السابقة، و يوم نزول القرآن و يوم بدر و يوم حنين و يوم فتح مكة من أيام الله . فَأيَّامُ اللَّـهِ تَعَالَى تَشْمَلُ نِعَمَهُ سُبْحَانَهُ فِي عباده السابقين و الحاضرين، وَعَذَابَهُ في أَعْدَائِهِ السابقين والحاضرين، فَتَذَكّـُرُ النِّعَمِ
من الله يُؤَدِّي إِلَى الشُّكْرِ، وَتَذَكّـُرُ البلاء والانْتِقَامِ منه تعالى يُؤَدِّي إِلَى الْخَوْفِ وَالْحَذَرِ وَالتَّوْبَةِ وَالْإِنْابَةِ مَعَ الشُّكْرِ: وذلك سببٌ لِإِغْدَاقِ النِّعَمِ،وَرَفْعِ النِّقَمِ، وهكذا نجد نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا بَعَثَه اللهُ تَعَالَى أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ أَن يُذَكِّرَ أُمَّتَهُ بِالْقُرْآنِ فقال:[فَذَكِّرْ بِالقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ[ (ق45). وَفِي الْقُرْآنِ الكريم تَذْكِيرٌ بِأَيَّامِ اللَّـهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بِخُصُوصِهَا،قَالَ سُبْحَانَهُ مُذَكِّرًا الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمُ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103]،وَفِي مَقَامٍ آخَرَ قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الأنفال: 26].وَفِي مَقَامٍ آخَرَ أَمَرَ رسوله صلى الله عليه و سلم و الذين آمنوا بِالْعَفْوِ عَنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَا يَأْبَهُونَ بِأَيَّامِ اللَّـهِ تَعَالَى حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْعَذَاب (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّـهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الجاثية: 14] أَيْ: لَا يَرْجُونَ ثَوَابَهُ، وَلَا يَخَافُونَ بَأْسَه وَنِقَمَهُ.وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُصُّ عَلَى أَصْحَابِهِ قَصَصَ السَّابِقِينَ لِيَعْتَبِرُوا بِمَا فِيهَا مِنْ أَيَّامِ اللَّـهِ تَعَالَى، فَقَصَّ عَلَيْهِمْ قِصَّةَ الْأَعْمَى وَالْأَبْرَصِ وَالْأَقْرَعِ، وَكَيْفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَذْهَبَ مَا بِهِمْ مِنْ عِلَلٍ، وَأَغْنَاهُمْ مِنَ الْفَقْرِ، وَأَعْطَاهُمْ مِنَ المَالِ، ثُمَّ ابْتَلَاهُمْ فَكَفَرَ الْأَبْرَصُ وَالْأَقْرَعُ فَنَزَلَ بِهِمَا عَذَابُ اللَّـهِ تَعَالَى، فَعَادَتْ عِلَلُهُمَا وَفَقْرُهُمَا عَلَيْهِمَا، وَآمَنَ الْأَعْمَى وَشَكَرَ فَنَجَا. فَأَيَّامُ شِفَائِهِمْ وَإِغْدَاقِ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ، وَبِكُفْرِهِمْ نِعْمَةَ اللَّـهِ تَعَالَى .اسْتَوْجَبُوا الْعُقُوبَةَ، فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَيَّامُ اللَّـهِ تَعَالَى وَسُنَنُه. ومن التَّذكير بأيام الله:التذكير بِنِعَمِ الله تعالى علينا، حتى لا ننساها أوننسى شُكرَ المنعم بها علينا سبحانه،ولا ننسى شكرها باستخدامها في طاعته لا في مبارزته بمعصيته، وللأسف كثيرٌ من الناس ينسى نعمة الله، يذكر البليَّة إذا نزلت به، بليَّة واحدة يظلُّ يذكرها ليلًا ونهارًا، وآلاف النعم يَتَغافل عنها، فيَا عِبَادَ اللَّـهِ لا تنسوا أنَّنَا نَرْفُلُ فِي نِعَمٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، فنَعُوذُ بِاللَّـهِ تَعَالَى مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِهِ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِهِ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِهِ، وَجَمِيعِ سَخَطِهِ، وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ لَا يُؤَاخِذَنَا بِذُنُوبِنَا وَلَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، وَأَنْ يُعِينَنَا عَلَى مَا يُرْضِيهِ، وَيُجَنِّبَنَا مَا يُسْخِطـُهُ. نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه و سلم .سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين .
الخطبة الثانية
*الحمد لله على نواله وإفضاله،والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنـا
محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آلـــه ، وعلى جميع من تعلق بأذياله
و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ،اذكروا قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ. وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (157).أيها المؤمنون:لاشك أننا ابتلينا بالخوف من المرض الفتاك أن يصيبنا ونحن نشاهده يصيب الكثير من الناس و يفتك ببعضهم، كما ابتلينا بالجوع و نقص من الأموال بسبب الوباء فتقلصت الوظائف و المداخيل أو تعطلت، كما ابتلينا بنقص في الأنفس بفراق الكثير ممن نعرف من الأحباب و الجيران و الأصدقاء ، فكل هذا بلاء من الله لا ينفع معه إلا الصبر و التضرع والدعاء واتخاذ وسائل الحيطة و الحذر وقد عم البلاء وعمت الفتنة به كلَّ الناس مؤمنهم وكافرهِم صالحِهم وطالحهم وفي ذلك عبرةٌ لمن يعتبر، و عظةٌ لمن يتعظ، فالبلاء من الله سوطٌ يزجُرُ به عباده، عساهم يرجعوا عن غيهم، و يفيقوا من غفلتهم، و لن يصيبَ عبادَه إلا ما كتب الله لهم، فمنهم من يكون البلاء في حقه رفعة في الدرجات و مغفرة للسيئات، و منهم من يكون البلاء في حقه عذاب و رجز و محق للبركات والخيرات.+ و لا ننسى أيها المؤمنون تذكيركم بما تقوم به دولتنا من مواكبة الحملة الوطنية التحسيسية الثامنة عشرة لمناهضة العنف ضد النساء و الفتيات و التي تصادف كل سنة يوم الخامس و العشرين من نونبر.
عباد الله استعينوا عباد الله على الاستجابة لأوامر الله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم،
(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)
(ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين)
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :
” ذ. سعيد منقار بنيس”
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء
أستاذ العلوم الشرعية
بمدرسة العلوم الشرعية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني
مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد
البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com