مقالات

تذييل على مقالة: ظاهرة عزوف الزوجات عن الأزواج

سؤال_وجواب

تذييل على مقالة:

ظاهرة عزوف الزوجات عن الأزواج

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،

وبعد،

        فإني كنت أمليتُ جوابا مختصرا حول عزوف كثير من النساء في زماننا عن أزواجهم وذكرتُ أسباب امتناعهن عنهم على فرشهن، وفصلت في ذلك تفصيلا، رضيه كثير من القراء من المثقفين والمهتمين، فسأل بعض الأخوة بعد ذلك عن الأسباب التي تجعل المرأة متحجرة العاطفة جهة زوجها، فيجد منها جفاء في المعاملة وتخشبا في التواصل والصلة، وسُئِلتُ عن علل ذلك وعلاجه، فقلت معتمدا على الله ومستهديا بسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

        لا يخفى على مسلم أن الغرض من تشريع الزواج في الإسلام هو إشباع النفوس بالحب والمودة وتمتيعُها بالسكينة والطمأنينة، لقوله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، فكل زواج لا يتحقق فيه الغرض المنصوص عليه في هذه الآية الكريمة، إما أنه زواج فاشل من مهده، أو يمشي مشية عرجاء يتعثر تعثرا كثيرا يفشله في مآله.

ولذلك كان لموضوع الزوجية مكانةٌ كبيرة في النص القرآني والسنة النبوية الشريفة، بل استأثر موضوعُه في سور كثيرة من القرآن العظيم كسورة البقرة والنساء والنور الأحزاب وغيرها، وخصوصا سورة النور التي كان السلف يتعلمونها ويعلمونها بناتهم وأبناءَهم، تعليما لهم وإرشادا لما يحتاجونه من حصانة ووعي كافِيَيْن لبناء أسرة سليمة لا تهزها عواصف القلاقل اليومية والاضطرابات الموسمية.

ولأجل ذلك كان الناس -قبل دخول التفسيرات الفرويدية والتحليلات الاجتماعية والفلسفية والنفسية المبنية على التحسين والتقبيح العقليين- في رخاء يعيشون وفي ظل الأمن والسلم الاجتماعي ينعمون.

لكن في زماننا كثرت الأتعاب النفسية المفضية للشقاق بين الزوجين والشكوى من الطرفين، ومنها برود عاطفة النساء جهة الأزواج، وهي ظاهرة ذاعت وانتشرت كأختها السابق الحديثُ فيها، وهي ترجع عموما إلى سببين عريضين، تندرج تحتهما أسباب وأعراض مختلفة، وهما: البرود الطبيعي، والبرود العَرَضي.

أما البرود الطبيعي، فعندما لا يكون للمرأة حب لزوجها من الأصل والابتداء، لأسباب معروفة في الواقع الاجتماعي وتحكم بعضَه أعراف مجتمعية، منها وهي أكثرها: زواج المرأة بغير رضاها، وهذه مصيبة كبرى شدد الإسلام فيها ونهى أن تُقهر المرأة على زواج لا تريده، كما هو مفصل في كتب السنن، ويكون سبب هذا الأمر إما العادات وإما الطمع وإما غير ذلك.

والنساء في هذا الأمر صنفان: بعضهن يراعين الله في معاملتهن لأزواج -وإن كن لا يحببنهم ويحفظنهم في أنفسهم وأموالهم ويعاشرنهم بالمعروف، كما اقتضته أحكام الشريعة الغراء، وهن الخَيِّرَات الصالحات البارَّات، وينبغي حينئذ للأزواج أن يعفوا عن ما يجدونه جهتهن من برود عاطفي، لأنهن مقهورات مغلوبات غير مختارات، وبهذا تستمر الحياة، لعل الله يغير الحال إلى أحسن منه، ولذلك قال تعالى (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)، وهو للرجال والنساء معا، أي فإن كرهت المرأة زوجَها فالواجب معاشرتُه بالمعروف إن كان يخاف في معاملتها الله، ولا عتب عليهن فيما لم يجدن في قلوبهن جهتهم من الحب والمودة، وإن كان الأولى والحكمة بهن أن يراضيهم بما يعلمن سد ثغرة الميول لغيرهن.

والصنف الثاني من النساء هاهنا: اللواتي لا يجدن ميولا في قلوبهن لأزواجهن، فينعكس هذا الإحساس بتصرفات منكوسة وصدامات دائمة معهم، ويظهر ذلك البرود العاطفي في التصرفات السيئة وردود الأفعال القبيحة التي تشعل نار الفتنة بينهم على الدوام والاستمرار، فهذا إن لم يعالَج بالطب الديني والوعظ والتذكير وإصلاح ذات البين من أهل الصلاح، فإنه سيفضي إلى كوارث أقلها والموصى بها الطلاق.

ومن الأسباب الموجبة للنفور الطبيعي جهة الأزواج من الزوجات قبح المنظر مما ليس للرجل فيه دخل ولا للمرأة الواجدة عليه فيها دخل، وهذا يُهمِلُ الاهتمامَ به كثير من الناس، بل من المحللين وخصوصا من أهل الدين، ظنا أنه أمر هيِّنٌ مهمَل، والواقع بخلافه، خصوصا أن أكثر النساء لا يحببن البوح به أو الاعتراف بوقوعهن في ما وقعن فيه بسببه، والواجب على المرأة حينها أن تحسن معاملة زوجها والحالة كذلك وتغلب خيره الذي هو مِن كيسه وكسبه على ما قهرته عليه الأقدار الإلهية، ثم لتعلم أن ذلك رزق ورزق الله يقسمه كيف يشاء.

أما البرود العرضي، فهو الذي توجبه أسبابٌ شخصية ترجع للرجل وللمرأة معا.

فأما التي ترجع للرجل: فمنها: سوء معاملته لزوجته وإساءته وإذايته لها بأنواع الإذايات كالتحقير والضرب والخيانة وانصراف الوجهة لغيرها والبخل عليها بل ومن ذلك البخل عليها بكلمة حب، فينعكس ذلك كله أو بعضه على نفسية المرأة الحساسة ببرود عاطفي جهته، وهي معذورة فيه غير معذورة في الإحسان إليه إن كان خيره غالبا على شره، وعلاج هذا بتوبة الزوج من أنواع الإساءة لزوجته والإقلاع عنها والاجتهاد في التقرب إليها، فإنها طالبة منه ما هو طالبه منها، وأظن أن الكبر والعجب يمنع الزوج من الرجوع إلى الحق والاعتذار عن الإساءة، والكبر والعجب والحقد يمنع الزوجة من العذر والعفو والسماح، والمسألة حينئذ قلبية إيمانية، والدواء فيها الدين وخلق النبي الأمين صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن الأسباب التي ترجع للزوج أيضا: عدم اعتنائه بنفسه وبهيئته وميوله للكسل والخمول وترك التنظف والتطيب فإن هذا يحقره الرجال وهو عند النساء عظيم، فربما يصادف امرأة أنيقة متأنقة لا تحب الرجل المهمل نفسه، فتنقبض نفسها عنه إن أصر على هذا السلوك المتعسف، وعلاجُه بدواء الرجل من هذا الحال واهتمامه بظاهره كاهتمامه بباطنه وأخلاقه وقد كان ابن عباس يقول: “إني لأتزين لزوجتي كما أحب أن تتزين لي”.

ومن التي ترجع للمرأة: كبرها وتكبرها وعجبها بنفسها بحيث ترى نفسها أعظم شانا من أن تحب زوجها بل وترى لنفسها عليه فضلا بأن تزوجته، وهذه مصيبة عمت وشاعت في بنات الزمان إلا من رحم منهن الله، خصوصا إن كانت من بيت أسرة حسيبة أو حاملة لشهادة عالية أو متقلدة لوظيفة سامية أو مسهمة في بناء السكن وتأثيث البيت وغير ذلك، فإن قليلة الدين يحملها هذا على الكبر المفضي لجمود العاطفة جهة الزوج.

ومنها وراثة برود عاطفتها جهة زوجها من أمها أو أخواتها، بحيث تظن أن ذلك مما يُطغي الرجال ويسلطهم عليهن كما تقع به نصيحة الشيطان في نوادي النسوان، ودواؤه بمعرفة ما يستوجه ذلك من لعنة الله وغضبه دنيا وآخرة، فيحمل المرأة على التوبة والإنابة.

ومنها تشدُّد في التديُّن تعتقد المرأة بموجبه أن الحديث في الحب والعشق والتغزل والرقة من قلة الدين، وهي تجهل أنها بذلك مخالفة لأمر رب العالمين، فقد ألف السيوطي كتابا في الباب نفيسا اسمه “شقائق الأترج في رقائق الغنج” يجب على كل امرأة أن ترجع إليه بل وتحفظه ففيه بيان لما جهلن بل وجهل أزواجهن.

ومنها أسباب نفسية مرضية تجعل المرأة ناقصة العاطفة جهة زوجها بل جهة أبنائها، كالاكتئاب والتقلبات النفسية المختلفة والرُّهاب والتغيرات الهرمونية والتقلبات المزاجية، ويكون السبب في الغالب أدويةَ بعض الأمراض البدنية والنفسية وخصوصا عقاقير منع الحمل التي تدمر نفسية المرأة تدميرا، فالواجب على الزوج حينئذ العذر والعفو والبحث عن طب وعلاج لتلك الأمراض أو تخفيف وطئتها والسماح فيما لا تقدر عليه زوجته بسبب ذلك، والعذر فيما لا تقدر عليه الزوجات فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

ومنها نقص حاد في التواصل وهو عيب يعاني منه عرب هذا الزمان، فإن لغة اللسان كليلة ضعيفة عندنا جدا لا من جهة الرجال ولا من جهة النساء، إذ ربما تكون المرأة تذوب حبا في زوجها لكنها ضعيفة التعبير منعدمته، ويُعرف ذلك باجتهادها في إرضاء زوجها غيرَ أنها لا تراضيه ولا يشعر بذلك الحب من جهتها، فهذا أيضا خلل مركب كبير، والاجتهاد في إصلاحه وعلاجه بالطرق الحكمية ضرورة ملحة، والله يصلح حالنا وحال أمتنا، آمين

وكتبه عدنان بن عبد الله زهار

صبيحة يوم الاثنين 11 محرم 1442 الموافق 31 غشت 2020 بالجديدة…

عدنان_زهار

تذييل على مقال

 

ظاهرة عزوف الزوجات عن الأزواج بقلم: د. عدنان زهار

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى