الخطبمقالات

نفحات من ذكرى معجزة الإسراء و المعراج

 

خطبة الجمعة في موضوع :

 [نفحات من ذكرى معجزة الإسراء و المعراج]

*الحمد لله، قال وهو أصدق القائلين ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1]. * و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد أكد القرآن صدق معراجه إذ أنزل الله سبحانه عليه:” إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ” (النجم من 1 إلى 18)* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قرب رسوله سيدنا محمدا في ليلة المعراج المباركة و لاطفه بقوله:”قد اتخذتك خليلا و حبيبا و أرسلتك للناس كافة، و جعلت أمتك هم الأولون و هم الآخرون  و جعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي و رسولي و جعلتك أول النبيئين خلقاو آخرهم بعثا، و أعطيتك سبعا من المثاني و لم أعطها نبيا قبلك، و أعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش و لم أعطها نبيا قبلك، و جعلتك فاتحا  و خاتما” (رواه البزار)* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله و مصطفاه من خلقه و خليله. أثنى على ربه ليلة الإسراء والمعراج ثناء فاق به ثناء الأنبياء فقال عليه الصلاة و السلام:”الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين، و كافة للناس بشيرا و نذيرا، و أنزل علي الفرقان فيه تبيان لكل شيء، و جعل أمتي خير أمة أخرجت للناس، و جعل أمتي وسطا ،و جعل أمتي هم الأولون و هم الآخرون، و شرح لي صدري، و وضع عني وزري، و رفع لي ذكري، و جعلني فاتحا و خاتما ” (رواه البزار ورجاله موثقون في مجمع الزوائد عن أبي هريرة،). صلى الله عليه وسلم من نبي أمين، ناصح حليم وعلى آله وصحابته و التابعين، وعلى من حافظ على دينه و شريعته، واستمسك بهديه وسنته إلى يوم الدين، * أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى،  و سلك  منهاجا قويما و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين سؤله و أمله ، فإنما نحن بالله و له،

عباد الله: عن قريب ستحل بنا ذكرى معجزة الإسراء و المعراج التي أثبتها الله عزَّ وجلَّ في كتابه: الإسراء بسورة الإسراء، و المعراج بسورة النجم ؛ ورَوَى لنا الصحابة الكرام خبرَها بتفاصيلها، وذلك مدوَّن في غالبية كُتُب السُّنة فمن المناسب أن نخصص خطبتنا اليوم للحديث عن هذه الرحلة  العظيمة  التي هي معجِزةً مِن معجزات رسولنا – صلى الله عليه وسلم – أراه الله – عزَّ وجلَّ – فيها آياتٍ باهرات،  كما لنا فيها دروسٌ ذاتُ دَلالاتٍ، وعبرٌ وإشارات ، نعم إنها معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة به لأنه هو الشاهد وحده عليها، [فالمعجزات ثلاثة أنواع معجزات الرسول الخاصة به، و معجزات المرسل إليهم خاصة بالحاضرين المشاهدين لها كانشقاق القمر و نبع الماء من بين أصابعه و صلى الله عليه وسلم وتكثير الطعام القليل وغيرها كثير، و معجزات الرسالة وهي خاصة بالقرآن الرسالة الخالدة المتحدية للإنس و الجن على يوم القيامة].فمن العبر المستفادة من حادثة الاسراء و المعراج:

1ـ أن بعد كل مِحنة مِنحة: ( من غير خوض في الخلاف في تاريخ حدوثها  المهم انها حدثت قبل الهجرة بقليل) فقد توفي عمُّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أبو طالب الذي كان يدفَع عنه أذَى صناديدِ قريش، وتوفيت زوجه الكريمة خديجة المُعينة الصابرة، التي كانت له بمثابة الأمَّ والزوجة والأخت، وتأثَّر صلى الله عليه وسلم تأثرًا شديدًا ، حتى سُمِّي هذا العام في حياته بعام الحزن. وتجرَّأ كفَّار قريش على إيذائه – صلى الله عليه وسلم – فخرَج من مكة إلى الطائف يدْعو أهلها إلى الإسلام، لكن بلا جدْوى، بل وجد إيذاءً شديدًا، و أغروا به سفهاءهم و صبيانهم يرمونه  بالحجارة حتى أدموا عقبه وحدَث هنالك ما حدث ورُوي أنه صلى الله عليه وسلم دعا ربه فقال:(اللهمَّ إليك أشكو ضَعْفَ قوَّتي، وقِلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحمَ الراحمين، أنت ربّ المستضعفين وأنت ربي، إلى مَن تَكلني؟ إلَى بعيدٍ يتجهَّمُني؟ أم إلى عدوٍّ ملَّكْتَه أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أُبالي، ولكن عافيتـَك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقتْ له الظلمات، وصلح عليه أمرُ الدنيا والآخرة، مِن أن تُنزل بيَ غضبَك، أو يَحِلَّ عليَّ سخطـُك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله). [رواه الطبراني في” الدعاء”(ص/315) و غيره واللفظ له] فجاءت ضيافةُ الإسراء والمِعراج من بعد ذلك تكريمًا مِن الله تعالى له، وتجديدًا لعزيمته وثباته، ثم جاءتْ دليلاً على أنَّ هذا الذي يُلاقيه – عليه الصلاة والسلام – من قومه إنَّما هي سنَّة الله مع مُحبِّيه ومحبوبيه، وهي سُنَّة الدَّعوة الإسلاميَّة في كلِّ عصر وزمَن. نعم، بعد كل مِحنة مِنحَة:هذا أمرٌ حقيقي ملموس، فالمطلوب منا أيها المسلمون أن نرضى بقضاء الله ونستسلم له صابرين محتسبين.  فمن تلمَّح بحر الدنيا، وعلم كيف تُتلقَّى الأمواج، وكيف يصبر على مُدافعة الأيَّام، لم يستهون نزول البلاء، ولم يفرحْ بعاجل الرَّخاء.

2-.ومن العبر ما يستفاد من قوله تعالى: [وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم]: فالله ليس في حاجةٍ إلينا؛ بل هو غنيٌّ عن العالمين؛ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ  [فاطر: 15].  لما ترَك بنو إسرائيل منهج الله عزَّ وجلَّ وحرَّفوه، وشوَّهوا تعاليم النبوَّة بالتحريف و الكتمان، و تكذيب الأنبياء والاعتداء عليهم وعلى  المصلحين بالقتل: (فكم من نبيء قُتل معه ربيون كثير)كانتِ النتيجة أنْ خرجت النبوَّة منهم، وانتقلت إلى غيرهم بعد أن ظلَّتِ النبوَّات دهورًا طوالاً وهي وقفٌ على بني إسرائيل وظلَّ بيت المقدس مهبطَ الوحي،ومشرق أنواره على الأرض. لكن تلك الكثرة كانت نقمة عليهم لتمردهم و عصيانهم و ظلمهم ، فلمَّا أهدر اليهود كرامة الوحي، حلَّتْ بهم لعنةُ الله، وتقرَّر تحويل النبوة عنهم إلى الأبَد، فكان مَجيء الرِّسالة إلى سيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم  انتقالاً بالقيادة الرُّوحية في العالَم من أمَّة إلى أمَّة، ومن بلدٍ إلى بلد، ومِن ذرية إسرائيل إلى ذريَّة إسماعيل.وقدْ كان غضب اليهود وحسدهم مشتعلاً لهذا التحوُّل، ممَّا دَعاهم إلى المسارَعة بإنكاره:﴿ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمُ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاؤُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ [البقرة: 90].لكنَّ إرادة الله مضَتْ، وورث النبيُّ العربيُّ سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم تعاليمَ إبراهيم وإسماعيل ويعقوب  عليهم السلام وقام يكافِح لنشرها فكان مِن وصْل الحاضر بالماضي، وإدماج الكلِّ في حقيقة واحدة أن يُعتبر المسجد الأقصى أولى القبلتين و ثالثَ الحرمين في الإسلام، وأن ينتقلَ إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في إسرائه، فيكون هذا الانتقالُ احترامًا للإيمان الذي درَج قديمًا في رحابه.ثم يجمع الله المرسَلين السابقين ليستقبلوا صاحبَ الرِّسالة الخاتمة. ففي السُّنَّة الصحيحة أنَّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – صلَّى إماما بإخوانه الأنبياء ركعتَين في المسجد الأقْصَى،قبل عروجه إلى السماء، فكانتْ هذه الإمامة إقرارًا مبينًا بأنَّ الإسلامَ كلمة الله الأخيرة إلى خلْقه، أخذت تمامَها على يدِ سيدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم بعد أن وطَّأ لها العبادُ الصالحون مِن رسل الله الأوَّلين . نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد المرسلين(سبحان ربك رب العزة عما يصفون،و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين)

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله ، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ،  و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :

عباد الله : 3– إن لمكانة المسجد الأقصى: أ- أهمية قصوى بالنسبة للمسلمين؛

إذ أصبح مسرَى رسولهم – صلَّى الله عليه وسلَّم – ومِعراجه إلى السماوات العُلى، وكان قِبلتهم الأولى طيلةَ الفترة المكيَّة، وهذا توجيه وإرْشاد للمسلمين بأن يحبُّوا المسجد الأقْصى وفلسطين؛لأنَّهاأرض مباركة ومقدَّسة.وأن يَشعُروا بمسؤوليتهم نحوَ المسجد الأقْصى وتطهيره مِن أوضار الشرك وعقيدة التثليث 4- الله -عزَّ وجلَّ – يُهيِّئ رسوله لمهمة عظيمة: فإن ثمرة الإسراء والمعراج وإطْلاعَ الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم على الآيات الكبرى وحدوث الخوارق في طريق الرسول صلى الله عليه وسلم كل ذلك كان ضربًا مِن التكريم لشخْصه، والإيناس له،. ثم إن الله فَرَض عليه الصلاةَ، وهي أهمُّ التكاليف، وأَطْلعه سبحانه على مصائر السُّعداء والأشقياء في الجَنَّة والنار؛ فقد كان من عجائب ما رأى الرسول في إسرائه: الدنيا ورآها بصورة امرأة عجوز، وإبليس :رآه متنحياً عن الطريق، وقبر ماشطةِ بنتِ فرعون وشمَّ منه رائحة طيبة،و المجاهدينَ في سبيل الله:  رآهم بصورة قوم يزرعون ويحصدون في يومين،وخطباءَ الفتنة: رآهم بصورة أناس تُقْرَضُ ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار،و الذي يتكلم بالكلمة الفاسدة: رآه بصورة ثور يخرج من منفذ ضيق ثم يريد أن يعود فلا يستطيع، والذين لا يؤدّون الزكاة رآهم بصورة أناس يَسْرَحون كالأنعام على عوراتهم رقاع ،و تاركي الصلاة رأى قوماً ترضخ رءوسهم ثم تعود كما كانت، فقال جبريل:هؤلاء الذين تثاقلت رءوسهم عن تأدية الصلاة،و الزناة: رآهم بصورة أناس يتنافسون على اللحم المُنتِن ويتركون الجيد و شاربي الخمر:رآهم بصورة أناس يشربون من الصديد الخارج من فروج الزناة  و الذين يمشون بالغيبة : رآهم بصورة قوم يخمشون وجوههم  وصدورهم بأظفار من نحاس، لقد كان صلى الله عليه وسلم في رحلة تكليفيَّة تناسب مقامه العالي كنبيٍّ ورسول، له في هذه اللَّيْلة أماناتٌ وبلاغٌ، وصلاةٌ بالأنبياءِ، وحمْل التكاليف لبلاغها، فهذه مسؤولية تُوجِب البلاغَ، وهوالوظيفة العُظْمى لكلِّ رسول. فقد صَعِد وهـو رسول مبلِّغ – صلى الله عليه وسلم وعاد ، لم تسقطْ عنه مسؤولية البلاغ لحظة، في كلِّ زمان ومكان، في الأرض أو في السماء؛ عباد الله لقد حدَّدت الآيةُ الكريمة الهدفَ من هذه الرِّحلة بقول ربنا:{لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا}، وهذه الرؤيةُ هي رؤيةُ مَن يرى ليُبلِّغَ، لا ليسعدَ ويأنسَ بما يرى فقط.أمَّا فيما يتعلَّق بأنَّه صلى الله عليه وسلم كان يحتاج إلى تثبيتٍ بهذه الرحلة، فإن الله- قد ثبَّته بشرْح صدره قبلَ الإسراء وليلته؛ قال الله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} فقد شق صدره أيضا قبل الرحلة  ، هذا و اكثروا عباد الله من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم،   وعلى آله حق قدره و مقداره العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات و تقضي لنا بها جميع الحاجات و تطهرنا بها من جميع السيئات، الخ .. ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين)

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :” ذ. سعيد منقار بنيس” أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني / الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء / مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد / البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى