الخطبمقالات

وقفات تأملية في معاني الهمز و اللمز و الغمز ،كما وردت في القرآن الكريم و الحديث الشريف.

 

خطبة الجمعة في موضوع 

[وقفات تأملية في معاني الهمز و اللمز و الغمز]

[كما وردت في القرآن الكريم و الحديث الشريف]

*الْحَمْدُ لِلَّـهِ المطلع على الأفئدة المحصي على الأعين و الألسنة* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد الناصح لأمته بما شرعه و سنه * ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،*ونشهد أن سيدنا و نبينا ومولانا محمدا عبد الله و رسوله و مصطفاه من خلقه و خليله، صلى الله عليه وسلم من نبي أمين، ناصح حليم وعلى آله وصحابته، وعلى من استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين . 

* أَمَّا بَعْدُ، عباد الله: لنا اليوم وفقات تأملية مع آيات بينات من القرآن الكريم. الكثير منا يسمعها أو يقرأها و يمر بها دون أن يميز المعنى الحقيقي لها:

فمنها قوله تعالى:{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ  (11) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ (13)}[القلم] ومنها قوله سبحانه: {ويلٌ لكل همزة لمزة}، و منها قوله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) ومنها قوله سبحانه: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖإِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (36) فصلت. و قوله عز وجل عن المجرمين إذا مر بهم المومنون: (وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ): فهل تساءلتم معاشر المسلمين عن معنى هذه الكلمات الهمز  و اللمز و النزغ و الغمز و التغامز؟

فإليكم الفروق بين اللمز والهمز والغمز :

  1ـ فأما اللَّمْزُ:  فهو الْعَيْبُ وَالطَّعْنُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 58] أَيْ يَعِيبُكَ وَيَطْعَنُ عَلَيْكَ، وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِين َ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 79] أي يعيبون عليهم ويطعنون،وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةُ الْحُجُرَاتِ: 49] أَيْ لَا يَلْمِزْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَالْهَمْزُ: الْعَيْبُ وَالطَّعْنُ بِشِدَّةٍ وَعُنْفٍ، وَمِنْهُ هَمَزَ الْأَرْضَ بِعَقِبِهِ، وَمِنْهُ الْهَمْزَةُ وَهِيَ نَبْرَةٌ مِنَ الصَّدْرِ))اهـ.

 وأما الْفرق بَين الْهَمْز واللمز: فقَالَ العلامة اللغوي الْمبرد رحمه الله:

2 ـ الهمز:هُوَ أَن يهمز الْإِنْسَانُ غيره بقول قَبِيحٍ من حَيْثُ لَا يُسمع أَو يحثه ويُوسده على أَمر قَبِيح أَي يُغريه بِهِ، واللمز أَجْهَر من الْهَمْز وَلذلك جاء فِي الْقُرْآن (همزات الشَّيَاطِين) وَلم يقل لمزات لِأَن مكايدة الشَّيْطَان تكون خُفْيَة  وَرَجُلٌ لـُمَزَةٌ: يَعِيبُكَ فِي وَجْهِكَ، وَرَجُلٌ هُمَزَةٌ: يَعِيبُكَ بِالْغَيْبِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الهُمَزَةُ اللُّمَزَةُ الَّذِي يَغْتَابُ النَّاسَ ويَغُضُّهم.أي يُنَقِّصُهُم قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والأَصل فِي الهَمْزِ واللَّمْزِ الدَّفْعُ وَيُقَالُ: لَمَزَه يَلْمِزُه لَمْزاً إِذا دَفَعَهُ وَضَرَبَهُ.- قَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ هَمَزْتُه ولَمَزْتُه ولَهَزْتُه إِذا دَفَعْتُهُ ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ : الهَمَّازُ واللَّمَّازُ: النَّمَّام،وَرُوِيَ عَنْ ابن عَبَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}؛ قَالَ: هُوَ 1المَشَّاءُ بِالنَّمِيمَةِ، 2المُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ، 3المُغْري بَيْنَ الأَحبة.

– أما معنى هَمَزَ الشيطانُ الإِنسانَ هَمْزاً:إذا هَمَسَ فِي قَلْبِهِ وَسْواساً. وهَمَزاتُ الشَّيْطَانِ: خَطَراتُه الَّتِي يُخْطِرُها بِقَلْبِ الإِنسان وهي شرو العياذ بالله قال تعالى:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ(1)مَلِكِ النَّاسِ(2)إِلَهِ النَّاسِ(3)مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ(4)الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ(5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:(أَنه كَانَ إِذا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِني أَعوذ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِه ونَفْثِه ونَفْخِه، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَمْزه ونَفْثُه ونَفْخُه؟ قَالَ: أَما هَمْزُه فالمُوتَةُ، وأَما نَفْثُهُ فالشِّعْرُ، وأَما نفخُه فالكِبْرُ). قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المُوتَةُ الجُنُون، قَالَ: وإِنما سَمَّاهُ هَمْزاً لأَنه جَعَلَهُ مِنَ النَّخْسِ وَالْغَمْزِ. وكلُّ شَيْءٍ دَفَعْتَهُ، فَقَدَ هَمَزْتَهُ.

ـ3ـ وأما الغمز: فيكون باليد والعين والحاجب قال الله تعالى:( وإِذا مَرُّوا بهم يَتَغامَزُون). وهذا فعل الأعين الخائنة نعوذ بالله منها، قال تعالى:( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ(19)غافر.فقوله سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إخبار عن علمه تعالى التام المحيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها،صغيرها وكبيرها،دقيقها ولطيفها، ليحذرَ الناسُ علمه فيهم فيستحيوا من الله حق الحياء، ويتقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ،يعلم سبحانه من العين في نظرها هل تريد الأمانة أم الخيانة؟ فالله يعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر .قال ابن عباس في قوله:( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)وهوالرجل يدخل على أهل البيت بيتَهم، وفيهم المرأة الحسناء أوتمر به وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لحظ إليها، فإذا فطِنوا غض، فإذا غَفَلوا لحَظ ، فإذا فطنوا غض [ بصره عنها ] وقد اطلع الله من قلبه أنه ود أن لو اطلع على كل ما خفي منها .وقال الضحاك :(خائنة الأعين )هو الغمز، وقول الرجل:رأيت، ولم ير، أو : لم أر،وقد رأى. وقال السدي(وما تخفي الصدور) أي : من الوسوسة. فاتقوالله عباد الله في جوارحكم خصوصا ألسنتكم         و أعينكم فإن الله و ملائكته بالمرصاد و اخشوا حسابه و عقابه،نفعني الله    و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ، سبحان ربك رب العزة  عما يصفون ، و سلام على المرسلين  و الحمد لله رب العالمين .

                                   الخطبة الثانية

*الحمد لله على نواله وإفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنامحمد النبي الأمي، الصادق الزكي،وعلى آله،وعلى جميع من تعلق بأذياله و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد أيها المؤمنون: لنزيدكم تبصرا بموضوع خيانة الأعين التي تظهر الأمانة و صاحبها ينوي الغدر نذكر لكم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قصة يرويها سيدنا سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه قال:”لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح  عند عثمان بن عفان(لأنه كان بينهما قرابة و كان أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه) ، فجاء به ـ أي عثمان ـ حتى أوقفه على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله ، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثاً كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقال: (أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟)فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟، قال: (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين) رواه أبو داود و البيهقي ..

يدل هذا الحديث على قبح خلق الخيانة الذي أجمعت على استنكاره وبغضه آراء الناس على اختلاف مللهم ونحلهم، وكفى به قبحاً أن صاحبها مذموم عند الله ، كما جاء في القرآن الكريم : { إن الله لا يحب الخائنين } ( الأنفال : 58 ).وها هنا صورة دقيقة من صور الخيانة قد لا يتنبّه لها كثيرٌ من الناس، والفضل يعود إلى هذا الحديث ليبيّن هذه الصورة ويوضّحها، ألا وهي الخيانة بالعين.والحال أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يريد أن يقتل الرّجل لكذبه وافترائه عليه، ولا يليق بالنبي – صلى الله عليه وسلم – أن يوهمه بأنّه سيتركه ثم يغمز بطرف عينه إلى أصحابه ليقتلوه، وشأن الأنبياء صلوات الله عليهم أن يوافق ظاهرهم باطنهم، وسرّهم علانيّتهم، بكل وضوح وشفافيّة لا مواربة فيها، فإما أن يعفو، وإما أن يجدّد الأمر بقتله.وعلى أية حال فقد كان العفو من مصلحة هذا الصحابي الكريم، فقد حسن إسلامه بعد ذلك، وولاه عمر بعض أعماله ثم ولاه عثمان رضي الله عنه مصر كلها، وشارك رضي الله عنه في ثلاث معارك كبرى : معركة أفريقية، وذات الصواري، والأساود، وأبلى فيهنّ بلاء حسناً ، بل وينقل الحافظ ابن كثير رضي الله عنه في البداية والنهاية ما يدلّ على حسن خاتمته فيقول :” ومات وهو ساجد في صلاة الصبح أو بعد انقضاء صلاتها..” فرضي الله عنه وأرضاه.

عباد الله استعينوا على الاستجابة لأوامر الله  بالإكثار من الصلاة  و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم،

(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)

(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)

(ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا،ربنا إنك رؤوف رحيم)

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين)

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :

” ذ. سعيد منقار بنيس”الخطيب بمسجد ” الرضوان “

لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء/،

أستاذ العلوم الشرعية بمدرسة العلوم الشرعية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد

البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى