[ إظهار الفرح والاستبشار بحلول وشهرِ مولد النبيّ المختار
صلى الله عليه وسلم ]
الحمد لله الذي أنعم علينا بإظهار سيّد البشر صلى الله عليه وسلم وقدّر وِلادته في هذا الشهر الأغر الأزهرـ شهر ربيع الأنور ـ فأكرِم به شهرا مباركا سعيدا. وموسما فاضلا وعيدا.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له.وأشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده ورسوله. وصفيّه من خلقه وخليله. أمّا بعد:.
فيا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوا الله تعالى أن يجعل دخول هذا الشهر علينا جميعا دخول الخير والأمن والصحة والعافية والسلامة من كل آفة وبلية. وصلاح الأحوال الخاصّة والعامّة. فمرحباً أهلاً وسهلاً. بِشَهرٍ وُلِدَ فيهِ مَن قالَ فيهِ مولانا عزَّ وجلّ في سورة التوبة:((لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم)).
ومرحباً أهلاً وسهلاً. بِشَهرٍ وُلِدَ فيهِ مَن قالَ فيهِ مولانا عزَّ وجلّ في سورة الأنبياء:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين). ومرحباً أهلاً وسهلاً. بِشَهرٍ وُلِدَ فيهِ مَن قالَ فيهِ مولانا عزَّ وجلّ في سورة آل عمران:(لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمُ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين). ومرحباً أهلاً وسهلاً. بِشَهْرٍ وُلِدَ فيهِ مَن قالَ فيهِ مولانا عزَّ وجلّ في سورة المائدة:(قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين)). ومرحباً أهلاً وسهلاً بِشَهْرٍ وُلِدَ فيهِ مَن كانَت دَعوةُ أبيه سيِّدِنا إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ كما قال تعالى في سورة البقرة:((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمُ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيم)). ومرحباً أهلاً وسهلاً. بِشَهْرٍ وُلِدَ فيهِ مَن بَشَّرَ بقدومه سيِّدنا عيسى عليهِ السَّلامُ إذ قال كما في سورة الصف:((وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِيَ اسْمُهُ أَحْمَدُ)). مرحباً أهلاً وسهلاً. بِشَهْرٍ وُلِدَ فيهِ مَن رأت في شأنه أُمُّهُ السَّيِّدةُ آمنةُ بنت وهب رضي الله عنها المرائي العظيمة فقد روى الإمام أحمد عن أَبِي أُمامَةُ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ؟ قَالَ:((دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ)).
أحباب رسول الله. صلى الله عليه وسلم. هلّ هلالُ شَهرٍ رَبيعٍ الأنور. وهلّت معه بشائرُ السعدِ والفرح والمحبة.ونزل الغيث و السقي و الرحمة وازدهى الكون بأحلى حُلّة احتفاء بسيّد الكونيْن والثقليْن، سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم. وابتهج المؤمنون والصالحون من هذه الأمّة بهذه المناسبة العطرة،. أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا في الفرح برسول الله صلى الله عليه وسلم تأصيلٌ وبيان، يمكن إجماله في وجهيْن بارزيْن، الوجه الأوّل: فرحٌ مذموم منهيّ عنه؛ والوجه الثاني: فرحٌ محمود مرغَّب فيه. و لكل منهما صور:
فالصورة الأولى من الفرح المذموم الذي نهى الله عنه الفرح بالمعاصي، قال تعالى تعالى في سورة التوبة:(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ). وقال سبحانه في سورة غافر:(ذَٰلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ).
والصورة الثانية :الفرح الدال على الغرور و الفخر و الكفر، يقول سبحانه في سورة الشورى:((وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا. وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ)). ويقول أيضا في سورة هود:(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ). والصورة الثالثة: الفرح بما يُشغِل عن الله،وذلك يستفاد من قوله سبحانه في سورة القصص:((لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ))(أي الفرحين بغيره). ومن قوله في سورة غافر:( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ) وقوله كذلك في سورة الرّعد:(وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا)أي شغلتهم عن الله.
والصورة الرابعة : من أصناف هذا الفرح المذموم: صورة ظاهرها محمود وباطنها مذموم ، كالفرح بنعمة الطاعة إذا معها الانشغال بها عن المنعِم سبحانه، قال ابن عطاء الله رضي الله عنه في حِكمه: (لاَ تُفْرِحْكَ الطَّاعَةُ لأِنَّهَا بَرَزَتْ مِنْكَ، وَافْرَحْ بِهَا لأِنَّهَا بَرَزَتْ مِنَ اللهِ إِلَيْكَ). وهذا المَلحَظ في غاية النفاسة، لأنّ الفرح بالمعصية وبالشواغل الظاهرة أمرٌ جليّ وباد قبحُه، بينما حظّ النفس في الفرح بالطاعة والوقوفِ عندَها دونَ شكر المنعِم سبحانه والمتفضِّل بها، أمرٌ خفيّ، فمنه يتسرَّب العُجْبُ والكِبْر المذمومان في صورة الفرح المحمود.
الصورة الخامسة من نماذج الفرح المذموم:الفرحُ بمَسَاءة المسلمين والاغتمامُ بسرورهم و العياذ بالله، قال تعالى في سورة آل عمران:((إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا)). فهذه عباد الله ـ بعضُ صور الفرح التي نهى عنها الشرع وحذر منها؛ لأنها صُوَر لفرح النفس بنَزَوَاتها،وبالأعمالِ التي زيّن لها الشيطانُ اقترافَها. نفعنـي الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزة عما…..
الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :
أيها المومنون يا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم. بالمقابل للصور المذمومة للفرح هناك صور شتّى للفرح المحمود المُرغَّب فيه شرعا، فمنها:
1ـ الفرحُ بما أنزل الله تعالى، قال سبحانه في سورة الرّعد:(وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ).
2ـومنها الفرح بنصر الله، قال سبحانه في سورة الروم:(وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ).إلا أنّ الصورة الأجلى والأشمل في هذا الفرح والمُرغَّبِ فيه بصريح البيان، 3 ـ فهي الفرحُ بفضل الله ورحمته. لقوله سبحانه في سورة يونس:(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) وفضل الله ورحمتُه هوالإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم عينِ الرحمة لقوله سبحانه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ). قال أبو العباس المرسي رحمه الله في لطيفة نفيسة: الأنبياء إلى أممهم عطية، ونبيّنا صلى الله عليه وسلم لنا هدية، وفَرْق بين العطية والهدية؛ لأنّ العطية للمحتاجين، والهدية للمحبوبين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا رحمة مهداة.)
أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ واجب المحبة النبوية يقتضي منا إحياء معانيها اليومَ، أكثر من أيّ وقت مضى، من أجل إبراز عالمية الرحمة المحمدية، وتعريف العالمين بمكارم وكمالات هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. وبكونية القِيَم التي جاء بها هديُه صلى الله عليه وسلم ، فضلا عمّا تقتضيه تلك المحبة. وتستلزمه من ترشيدٍ في سلوك مُدّعيها حتى يتوافق مع سلوك المحبوب صلى الله عليه وسلم وهديه ، لتصح دعوى المحبّة وتتركَ أحسنَ الأثر وأبلغَهُ في مَن لا يقرأون تعاليم نبي الإسلام إلا في ممارسات وأخلاق أتباعه.أيها المؤمنون يا أحباب رسول الله إنّنا سمعنا من سادتنا العارفين بالله رضي الله عنهم أنّ شهر ربيع الأنور يداوي أمراضا وعِللا في النفس لا تُداوَى في غيره من شهور السنة، فطوبى لمن جعل الله له سبيلا إلى التعرّض لنفحاته في مجال المدائح النبوية الشريفة. ومجال الصلوات الكاملة الفاضلة على أفضل خلق الله. صلى الله عليه وسلم فاملأوا رحمكم الله قلوبكم بمحبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وعطّروا أفواهكم بمدحة وكثرة الصلاة والسلام عليه. اللهم اجعل لنا في شهر ربيع الأنور وديعةً عند نبيّك المصطفى صلى الله عليه وسلم يشهدُ لنا بها يوم القيامة ويشفع.. اللهم يا معط اجعل لنا من قسمة سيدنا رسول الله أبي القاسم صلى الله عليه وسلم نصيباً من الهدى و الرشاد و التوفيق و السداد و الشفاء من كل داء و الحفظ من كل بلاء. واستعينوا عباد الله على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم.و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه واستنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).