الخطبمقالات

الإيمان بالملائكة: أصلهم/ أوصافهم/ ظائفهم / أصنافهم

 

  الإيمان بالملائكة: أصلهم/ أوصافهم/ ظائفهم / أصنافهم

 

الخطبة الأولى:

*الحمد لله قال و هو أصدق القائلين: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ” البقرة( 285)*          والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد خاتم الانبياء و المرسلين *و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، * ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله  و مصطفاه من خلقه و خليله، صلى الله عليه وسلم من نبي أمين، ناصح حليم  وعلى آله وصحابته، وعلى من حافظ على دينه و شريعته واستمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .

* أما بعد، عباد الله، إن موضوع الإيمان بالملائكة موضوع جدير بالاهتمام لأنه ركن عظيم من أركان الأيمان، وهو حقيق بالشرح و التجلية للأفهام، خصوصا و كثير من المسلمين اليوم لا يعرفون عن الملائكة إلا نُتفا من المعلومات الباهتة التي لا تسمن و لا تغني من جوع، و لا تنفعهم في مجال تصحيح عقيدتهم و تثبيت دعائم إيمانهم، والجهل بحقيقة الملائكة يخَلِّفُ آثارا سلبية على السلوك والأخلاق، تتجلى في قلة الحياء من الله، والحياءو الإيمان قرينان إذا ذهب أحدهما ذهب الآخر.

ـ معاشر المؤمنين ـ لا يخفى عليكم أن أركان الإيمان ستة هي: الإيمان بالله و ملائكته ـ وكتبه ـ ورسله ـ واليوم الآخرـ والقدرِ خيرهِ وشرِّهِ حُلوِهِ  و مُرِّه، فالإيمان بالملائكة و التصديق بوجودهم من قسم العقائد التي ينبغي الإيمان بها بالضرورة، فمن جحدها فهو كافر و كيف لا؟ وقد قال الله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً﴾  (النساء:136)

ـ و قد جاء الحديثُ عن الملائكة في القرآن الكريم في مناسبات مختلفة في نحو خمسٍ و سبعينَ آية، في ثلاثٍ و ثلاثينَ سورة، كما جاء في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم طائفة كثيرةٌ فيها ذكرٌ للملائكة، فلا مجال فيها للتأويل،لأنها واضحة و قاطعة، والعلمُ بوجود الملائكة مما هو معلومٌ من الدين بالضرورة عند جميع المسلمين. فما أصل الملائكة؟:خلق الله الإنسان من طين، وخلق الجانَّ من مارج من نار بنص من القرآن، فمن أي شيء خُلق الملائكة؟ لا نجد الجوابَ في القرآن بل في السنة: إن أصل المادة التي خلقت منها الملائكة هي (النـور) فعن عائشة رضي الله عنها عن صلى الله عليه وسلم قال:خـُلقت الملائكة مـن نور، و خُلق الجان من نار، وخُلق آدم مما وُصِـفَ لكم “(رواه مسلم)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:”إن الله تعالى خلق الجنة قبل النار، وخلق رحمته قبل غضبه، وخلق السماء قبل الأرض، وخلق الشمس والقمر قبل الكواكب، وخلق النهار قبل الليل، وخلق البحر قبل البر، وخلق البر والأرض قبل الجبال، وخلق الملائكـة قبل الجن ، وخلق الجن قبل الإنـس ، وخلق الذكـر قبـل الأنثـى

ـ فما أوصاف الملائكة التي يتميزون بها:ـ إن للملائكة ـ أيها المؤمنون ـ أوصافا تميزهم ينبغي معرفتها، فالملائكة التي خُلقت من نور، مخلوقات لا توصف بالذكورة و لا بالأنوثة، لأن هذين الوصفين من خصوص من يتوالد و يتناسل، والملائكة لا تتناكح و لا تتوالد،كما أنها لا تأكل و لا تشرب و لا تتنفس، لأن أجسامهم النورانية لا تتوقف في وجودها على الغذاء ولا الهواء، ولكنهم عبادٌ مخلوقون لله من دون وساطة، خلقهم الله عز وجل دفعة واحدة لحكمةٍ أرادها، وقد ذمَّ الله الكافرين الذين جعلوا الملائكة إناثاً وتوَّعَدَهم بكتابة شهادتِهم الكاذبة،وسؤالِهم يوم القيامة عنها قال تعالى:﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عندَ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً،أَأشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ الزخرف 19

ـ والملائكة لم تُخلَق من أجل الثواب و العقاب، لأنهم عبادٌ مقربون إلى الله تعالى ومُكْرَمون يواظبون على عبادته لا يفترون عنها، قال تعالى :﴿إنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ الأعراف 206 وقال الله تعالى عنهم في كتابه بأنهم“لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يومرون”، فالملائكة سهمُ الرحمة الخالصة، يَعُمُّهم الاصطفاء و الاجتباء جميعا، فهم كما وصفهم الحق تعالى:عبادٌ مكرمون، و سَفرَة كرامٌ بررة، بيْنَ الله تعالى و أنبيائه و رسله، والملائكة لا يصدر منهم إلا الخير فهم جديرون بالمحبة و الموالاة،لا يعاديهم إلا شقي كافر،ولا يستهين بقدْرِهم  إلا مغضوب عليه فاجر، قال تعالى :” مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَئِلَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ “(البقرة 98)

نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين .سبحان ربك رب العزة  عما يصفون و سلام على المرسلين   و الحمد لله رب العالمين

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله ، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد : معاشر المؤمنين: الملائكة يتميزون بخِلقتهم التي لا تُحدد بالتَّصَوُّروالخيال و قُدُرَاتِهم الخارقة ،غيَّبَهُمُ الله عن أبصارنا مع أنهم موجودين، ووصفهم الله بأنهم ذَوُو أجنحةٍ مثنى فثلاث فأربع فأكثر إلى عددٍ لا يعلمه إلا الله تعالى، قال سبحانه “( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ،إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ((فاطر1) وهذا جبريل عليه السلام ما رآه نبينا صلى الله عليه وسلم على هيئته التي خَلقَهُ الله عليها إلا مرتين له ستمائة جناح كل جناح منها قد سَدَّ الأفق، يسْقطُ من جناحهِ التهاويلُ من الدُّرِّ والياقوت ما الله به عليم ((رواه الإمام  أحمد). وصفه الله تعالى في قوله: (عَلَّمَهُ شديدُ القوى ذو مِرَّة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى) النجم:5. أي ذو قوة، وعلى خلق حسن وبهاء وسناء. وجاء في وصف جبريل أيضا قوله تعالى: (إنه لقول رسول كريم، ذي قوةٍ عند ذي العرش مكينٍ، مطاعٍ ثم أمينٍ) التكوير:5. أي له مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند الله تعالى، وهو مطاع في الملأ الأعلى، ذو أمانة عظيمة ولهذا كان هو رسول الله إلى الأنبياء والرسل عليهم السلام.

أيها المؤمنون: ـ من صفات الملائكةـ القدرة على التشكل في صُور غير الصورة التي خلقوا عليها، فقد كان جبريل عليه السلام يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفات متعددة، فتارة يأتي بصورة رجلٍ اسمهُ دحية بن خليفة بن فضالة، وتارة في صورة أعرابي، وتارة على صورته التي خلقه الله عليها.

و من صفاتهم أنهم قادرون على الصعود والهبوط بين السموات والأرض دون التأثر بجاذبيةٍ أو تصادم قال تعالى:﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ في يوْمٍ

كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾( المعارج 4). ومن صفاتهم الخوف من الله تعالى وإن كانوا لا يعصونه ولا يفترون عن تسبيحه قال تعالى:﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴾( الرعد الآية: 13)   

فما وظائف الملائكة و أصنافهم؟ وظيفة الملائكة الأساسية هي عبادة الله غير أنه توجد لهم وظائف أخرى:فوظيفة جبريل عليه السلام الأساسية:إبلاغ الوحي، و وظيفة ميكائيل عليه السلام إنزال المطر وإنبات النبات، و وظيفة إسرافيل عليه السلام النفخ في الصور يوم القيامة،  ووظيفة عزرائيل : قبض الأرواح وله أعوان من الملائكة ،و رضوان  عليه السلام خازن أبواب الجنة  و مالك خازن أبواب النار.و هناك ملائكة سموا بالزبانية: هم تسعة عشر ملك، وكّلهم الله تعالى بالنار فهم خزنتها يقومون بتعذيب أهلها، و هناك ملائكة آخرون سموا بحملة العرش: يحمل عرش الرحمن في الدنيا أربعة، وإذا جاء يوم القيامة أضيف إليهم أربعة آخرون، و آخرون سُموا الحَفَظة: عملهم حفظُ الإنسان وحمايتُه من الجان والشيطان والعاهات والنوازل،وآخرون سموا الكرام الكاتبين:عملهم كتابة أعمال البشر وإحصاؤها عليهم، فعلى يمين كُلِّ عبدٍ مكلفٍ ملكٌ يكتب صالح أعماله وعن يساره ملكٌ يكتب سيئات أعماله. و هناك الملائكة المعقبات(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ  )أي للعبد ملائكة يتعاقبون عليه، حرس بالليل، وحرس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات،وفي الحديث (إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع فاستحيوهم وأكرموهم )،و منهم طائفة يلمتسون مجالس أهل الله  الذاكرين : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَو منهم طائفة يحفون طالبي العلم بأجنحتهم و يفرشون أجنحتهم لهم رضى بما يصنعون،ومنهم ملائكة الشفاعة،ومنهم ملائكة البيت المعمور، وملائكة البشارة، و ملائكة الرحمة في الجنة ﴿ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ (سورة الرعد آية: 24).  و الملائكة الجنود ، وآخرون موكلون بسؤال الميت بعد الانتهاء من تسليمه إلى البرزخ، يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه فـ: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ (سورة إبراهيم آية: 27). عباد الله، استعينوا على الاستجابة لأوامر الله و المبادرة إلى طاعته بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات، و تطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات، و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات آمين (ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم)(سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

 

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته :” ذ. سعيد منقار بنيس “

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى