مناسبات

الطَّريقَةُ التّجَانيَّةُ وَالمُسْتَقْبَل رُؤيَة اسْتطْلاَعيَّة / د.عمر مسعود محمد التجاني

الملتقى الدولى للمنتسبين للطريقة التجانية
الطَّريقَةُ التّجَانيَّةُ وَالمُسْتَقْبَل
رُؤيَة اسْتطْلاَعيَّة

 بقلم

عمر مسعود محمد التجاني

وفقه الله بتأييده

 

 

نشرت إحدى الصحف السودانية وهي (جريدة الشارع السياسي ) في صفحة (قضايا وآراء) في عددها الصادر يوم الأربعاء 30 جمادى الآخرة 1419هـ الموافق 21 أكتوبر 1998م تحت عنوان (هل يمكن وصف الطرق الصوفية ومن بينها التيجانية بأن دورها قد انتهى ؟! ) بقلم التيجاني موسى محمد . قال الكاتب :

[ بعض التيجانية أقروا بتجمد طريقتهم واعترفوا بالقصور .. ولكن في مقالة للدكتور عوض السيد الكرسني عميد كلية الدراسات الاجتماعية والاقتصادية – جامعة الخرطوم – بعنوان ( الطريقة التيجانية والمجتمع المنشود ) في مجلة دراسات افريقية وبعددها الحادي عشر يونيو 1994م ..

د. الكرسني أشار إلى أن دراسته انبنت على تقصي التغيرات والتحولات المنبعثة من الطريقة التيجانية – كنموذج من الطرق الصوفية – أثناء فترات تاريخية مختلفة ومتباعدة ( تحت التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ) .. وأشار إلى أن ( الفترنه ) ضرورية في تحديد العوامل التي تتحكم في التغيرات والتحولات المشيرة إلى تنامي وتطور الطريقة بداية على يد مؤسسها أحمد التيجاني وتابعيه من العلماء كالحاج عمر وحتى علماء القرن العشرين كألفا هاشم بدولة سيقو وأحمد سكيرج بالمغرب ومحمد الحافظ بمصر ..

الفترة الأولى التي اختارها د. الكرسني للمقارنة هي فترة مؤسس الطريقة أحمد التيجاني (1737-1815) المولود في ( عين ماضي ) بالجزائر .. والذي وصل إلى الحجاز عام 1772 ليأخذ الطريقة الخلوتية إلا أنه في العام 1776 ، بدأ بالدعوة إلى طريقة مستقلة هي طريقته التيجانية ذات الأوراد والوظيفة ( جوهرة الكمال وصلاة الفاتح ) ..

الفترة الثانية هي فترة المجاهد الحاج عمر (1795-1864) والذي تلقى الطريقة التيجانية على يد العالم محمد الغالي .. واستطاع الحاج عمر توسيع مد الطريقة في غربي أفريقيا ..

أما الفترة الثالثة والأخيرة التي تناولها د. الكرسني فهي فترة العالم البروفسير محمد الحافظ بن عبد اللطيف (1897-1978) الأستاذ بجامعة الأزهر ومؤسس صحيفة ( طريق الحق ) – 1950 الناطقة باسم الطريقة في الشرق الأوسط .. وقد تحمل محمد الحافظ عبء التغيير منذ ثلاثينيات القرن العشرين حينما احتدم الهجوم على الطريقة التيجانية حتى أسقط عنها كل الاتهامات ..

أغلب ملاحظات د. الكرسني في مجال تطور الطريقة انحصرت في فترة الحاج عمر وفي اجتهاده وثورته الجهادية وبتمكنه من هزيمة الغزاة الغربين ودحر تأثيرهم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وإرسائه مجداً كبيراً للتيجانية استجابة لتحديات عصره إضافة إلى توسيعه لرقعتها الجغرافية ..

أما عن محمد الحافظ فيرى د. الكرسني بأنه قد أكمل ضبط الطريقة التيجانية مع التعاليم الشرعية بإرسائه لقاعدة مؤسسها ( قبول ما توافق مع الشريعة ورفض كل ما يخالفها ) .. لينفي عنها كل الاتهامات ..

د. الكرسني وصل في الخاتمة للحديث عن الطريقة التيجانية التي أخذها كنموذج للطرق الصوفية لدراستها ليقر بتجددها .. وتطورها بالكيفية التي عدلت بها أفكار مؤسسها لتناسب المستجدات التي لم تكن معهودة في عصره وهي الكيفية الموضحة لتلائم وتكيف بعض الطرق الصوفية مع تفاعلات المجتمع المتغيرة والمتعددة وهذا ما تبين عبر دراسته لحقب المؤسس والحاج عمر الفوتي ومحمد الحافظ محلياً وإقليمياً .. وهذا ما ذهب د. الكرسني لإجلائه في بحثه وتوضيح كيفية حدوثه وتطوره ..

إذا كانت الطريقة التيجانية – كإحدى الطرق الصوفية – ورغم بعض العلات – قد أدت دوراً قيماً في نشر الدعوة الإسلامية ( التي نقطف بعض ثمارها اليوم ) بتربيتها ورعايتها للإنسان المسلم ومقاومتها للغزاة مقاومة شرسة وبإفرازها لآلياتها التي استطاعت بها الصمود أمام قوى التبشير والتنصير فهل انتهى دورها بعد المد الإسلامي الهائل الذي يعم القرى الكونية الآن ؟ وهل يعتبر إرثها السابق إرثاً أرشيفياً ليقبع في صفحات التاريخ المطوية ؟ وهل من المتوقع ألا يحدث أي تجديد أو تطوير لهذه الطريقة مستقبلاً كما حدث من قبل ؟

الكاتب عبد القادر محمد شيلا في كتابه ( المسلمون في السنغال ) يذكر بأن 70٪ من مسلمي السنغال هم من متبعي الطريقة التيجانية إضافة إلى أنها لا زالت تشد الكثيرين منذ مجاهدة الإمام إبراهيم نياس الكولخي ( توفي 1975 ) في عشرينيات هذا القرن كما لها تأثيرها المستمر حتى الآن في غانا وفي موريتانيا التي شهدت مجهودات الداعية محمد الحافظ الشنقيطي .. أما في نيجريا فللطريقة مؤسسات ومعاهد علمية ومسشتفيات .. أما أثر الطريقة في البلاد التي دخلها محمد مختار الشنقيطي وعمر قمبو الهوساوي وألفا هاشم – فيتضح دورها الملموس بين الطرق الصوفية ..

الطريقة التي ( يسوق إليها سائق السعد ) لا يمكن أن تستمر بلا تخطيط مستقبلي في الوقت الذي تتوقع فيه انتشارها الواسع والقيام بدور دعوي عريض ..

تنتظر التيجانيين أدوار مهمة وافريقية لا يمكن التغاضي عنها – فالمشاركة في عبء الدعوة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً واجب لا يمكن اعفاؤهم عنه .. كما أن استنهاض الكم الهائل من متبعي التيجانية لم يتم بالنيابة عنهم خاصة وأن الطريقة تنتشر في أكثر من 70 دولة .. كما أن هذه الطريقة التي كسرت الحواجز الحدودية بين أنحاء القارة لا بد وأن تكون من أهم أواصر توحيد الامة ولا يخفى أن غياب النقد الذاتي قد غطى على المتراكم من أثر الطريقة الإيجابي منه والسلبي في حين تعتبر التيجانية أكبر الطرق الصوفية على نطاق القارة الأفريقية ..

الطريقة التيجانية اليوم أمام مفترق طرق .. إما أن تقتنع بالتشريف والوقوف على الرصيف .. وإما تتقدم الصفوف لتتسلم زمام التكيف ..

فهل للتجانيين الجدد القدرة على الإجابة عن مستقبلهم أم أن التجديد سيظل مخضرماً ؟ أم أن القرار المتخذ ( بالتجديد الذي يواكب المتغيرات ويلائم روح العصر ) سيظل حبراً يعانق الأماني ؟ .. ] انتهى باختصار .

لقد كان هذا المقال منذ إطلاعي يمثل صدمة قوية لمشاعري وأفكاري إن رؤية هذا الكاتب قد أثارت نقاطاً للمناقشة كما قررت مشكلات قد يوافقه عليها بعض الناس وقد يخالفه فيها كثير من الناس . ومضمون مقالته وملخصه هو :

(1) اقراره بالانتشار الواسع للطريقة التجانية على مستوى الجغرافيا مع الفاعلية المؤثرة بقوة على مستوى التاريخ .

(2) إن تفاعلات المجتمعات المتغيرة والمتعددة يواجه الطريقة التجانية بتحديات قد لا تتلائم مع قدراتها في الفترات الثلاثة التي نوَّه بها الكاتب التي لخصها في ( مواكبة المتغيرات مع ملائمة روح العصر )

(3) انتهت به مقالته إلى أن التجانيين تنتظرهم ( أدوار مهمة وإفريقية لا يمكن التغاضي عنها ) وركز الكاتب على ( أن هذه الطريقة التي كسرت الحواجز الحدودية بين أنحاء القارة لا بد أن تكون من أهم أواصر توحيد الأمة )

(4) وختم مقاله بسؤال الحاد والجاد : (هل للتجانيين القدرة على الإجابة عن مستقبلهم ؟)

وللإجابة على السؤال الذي طرحه المقال فإنه من الإنصاف أن نقرر أن التجانيين يعتقدون اعتقاداً جازماً أن أمر الطريقة وأمر زواياها قائم بالله وأن سائق السعادة يسوق إليها أناساً وأن الصارف الإلهي يصرف عنها أناساً ولكن مع هذا اليقين فإن التجانيين يعرفون ما قاله الشيخ الأكبر أحمد التجاني t من أن بساط الحكمة تقترن فيه الأسباب بمسبباتها ونتائجها ولذلك فإنه يمكننا أن نلاحظ عدداً من العوامل التي سوف تساعد على الإجابة عن السؤال المطروح . إن هذه العوامل تتميز بقوة تأثيرها وكذلك باستمرار تجددها وأهم هذه العوامل من وجهة نظري هي :

  • القيادات العلمية للطريقة التجانية عبر أدوار تاريخها طبقة بعد طبقة وجيلاً بعد جيل .
  • قيادات المجتمع المدني في كثير من دول العالم الإسلامي التي تمثل تمركزاً واضحاً للمنتسبين للطريقة التجانية .
  • طبقات الفئات العمرية التي تدخل أفواجاً في الطريقة التجانية خصوصاً فئة الشباب التي تتمثل بثقافتها الشخصية وتخصصاتها الأكاديمية .
  • النشاط التبشيري الدعوي للإسلام في أوساط القارات الكونية خصوصاً الناقلة للناس من الوثنية إلى الإسلام في افريقيا وجنوب شرق آسيا وغيرها الذي تقودها مؤسسات بقيادات تجانية .
  • مناشط تحفيظ القرآن الكريم مع بسط العلوم الشرعية من مؤسسات ومعاهد ومجمعات ومحاضر تعتبر تمركزاً واضحاً للطريقة التجانية خصوصاً في افريقيا وجنوب شرق آسيا .
  • الزيادة في انتشار نشاط إعادة قراءة التراث التجاني وكذلك الزيادة في انتشار النشاط الانتاجي الشارح للطريقة التجانية وإعادة الصياغة وأساليب العرض .
  • الزيادة في انتشار المواقع الإلكترونية في الشبكة العنكبوتية الدولية التي ساهمت في تيسير نشر كل ما يتصل بالطريقة التجانية من كتب ومدونات ونشرات ومناقشات واستعراض شخصيات ومنتديات وملتقيات واحتفالات وكذلك أتاحت مساحة واسعة للتواصل الاجتماعي عبر تويتر Twitter و Facebook و YouTube في شؤون الطريقة التجانية عامة والشؤون الشخصية للمنتسبين للطريقة التجانية .
  • زيادة أعداد وانتشار المراكز البحثية لدى الدوائر غير التجانية التي زاد تركيزها على الطريقة التجانية دراسة وتحليلاً واستطلاعاً في محاولات من هذه المراكز البحثية أن تدرس علاقات المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في ظل الأطر التي ترسم واقع الطريقة التجانية أو تشكل مستقبلها سواء كانت هذه المراكز البحثية تابعة للجامعات أو متخصصة منفردة .
  • تراجع خصوم الطريقة التجانية عن كثير من مقولاتهم المناهضة للطريقة وقبولهم بمساحة الخلاف المعتبر والتنحي عن الإقصاء التام الذي كان عليه أوائلهم .

إن هذه العوامل التي باستمرار تجددها وقوة تأثيرها تعتبر – من وجهة نظري – الكاشفة عن وجهة الطريقة ومستقبلها في بساط الحكمة – مع الاحتفاظ بأنها أمرها قائم بالله .

إن الأمر الذي يساعد على معرفة أثر هذه العوامل في تشكيل صورة مستقبل الطريقة التجانية يتجلى بوضوح في دعمها وبثها لمضمون العناوين الآتية:

(1) توافق أهل الطريقة التجانية

(2) الضوابط المعرفية في الطريقة التجانية ومرجعياتها

(3) الضوابط السلوكية والتعبدية في الطريقة التجانية

(4) المحذورات والمحظورات في الطريقة التجانية

 

 

توافق أهل الطريقة التجانية

  • إن مصدر الطريقة التجانية هو رسول الله r في رؤية اليقظة .
  • إن متلقي هذه الطريقة وحامل رايتها هو الشيخ الأكبر سيدنا أحمد التجاني t.
  • إن مقام الشيخ الأكبر سيدنا أحمد التجاني t هو القطب المكتوم الذي هو أعلى مقام ختم المقامات .
  • إن ثواب أصحاب الشيخ الأكبر t هو ثواب مرتبة لا ثواب عمل وان مراتبهم هي إلحاق بمرتبة الشيخ الأكبر t .
  • إن مدونات الطريقة الشارحة لمسائلها والمبينة لحقائقها على طبقات :

الطبقة الأولى : وهي طبقة مدونات من لقي وأخذ عن الشيخ الأكبر t . منهم على سبيل التمثيل لا الحصر :

أ – مدونات سيدي علي حرازم t

ب– مدونات سيدي محمد بن المشري t

ج – مدونات سيدي إبراهيم الرياحي t

د – مدونات سيدي محمد بن أحمد الكنسوسي t

الطبقة الثانية : وهي طبقة مدونات من لقي وأخذ عن الجلَّة والكبراء من أصحاب الشيخ الأكبر t : منهم على سبيل التمثيل لا الحصر :

أ – مدونات سيدي العربي بن السائح الشرقي t

ب– مدونات سيدي عمر بن سعيد الفوتي t

ج – مدونات سيدي محمد الصغير التشيتي t

د – مدونات سيدي محمد انبوجة التشيتي t

هـ– مدونات سيدي محمد بن المختار الشنقيطي t

 

الطبقة الثالثة : وهي طبقة مدونات من لقي وأخذ عمن لقي أصحاب الشيخ الأكبر t : منهم على سبيل التمثيل لا الحصر :

أ – مدونات سيدي أحمد سكيرج t

ب– مدونات سيدي الحجوجي t

ج – مدونات سيدي محمد بلامينو t

د – مدونات سيدي الحسين الإفراني t

هـ– مدونات سيدي محمد الحافظ المصري t

الطبقة الرابعة : وهي طبقة مدونات إعلام الطريقة التجانية في عصرنا
الحالي .

 

 

 

الضوابط المعرفية في الطريقة التجانية ومرجعياتها

(1) المرجعية العليا في الشرع الإسلامي في نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة .

قال الشيخ الأكبر t :

( اعلم أن التصوف هو امتثال الأمر واجتناب النهي في الظاهر والباطن من حيث يرضى لا من حيث ترضى ) . جواهر المعاني ج/2 صـ75

قال الشيخ الأكبر t :

( لنا قاعدة واحدة عنها تنبئ جميع الأصول أنه لا حكم إلا لله ورسوله ولا عبرة في الحكم إلا بقول الله وقول رسوله r وإن أقاويل العلماء كلها باطلة إلا ما كان مستنداً لقول الله أو قول رسوله r ، وكل قول لعالم لا مستند له من القرآن ولا من قول رسول الله r فهو باطل وكلُّ قولةٍ لعالم جاءت مخالفة لصريح القرآن المحكم ولصريح قول رسول الله r فحرام الفتوى بها ) . جواهر المعاني ج/2 ص189

قال الشيخ الأكبر t :

( إذا سمعتم عني شيئاً فزنوه بميزان الشرع فإن وافق فاعملوا به وإن خالف فاتركوه ) . الإفادة الأحمدية ص13

(2) قاعدة الفتوى في المكاشفات والمشاهدات هي أن الحقائق لا تنقلب وأن معقولية النسب لا تتبدَّل . انظر الملحقات

(3) أن مراتب الولاية ولو في أعلى درجاتها وأقصى غاياتها لا تبلغ مراتب عموم النبيين فضلاً عن عموم المرسلين فضلاً عن أولي العزم منهم .

قال الشيخ الأكبر t في جواهر المعاني :

( اعلم أن الذي في مرتبته r من تجليات الصفات والأسماء والحقائق لا مطمع في دركه لأحد من أكابر أولي العزم من الرسل فضلاً عمن دونهم من النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وأن الذي في مرتبة أولي العزم من الرسل لا مطمع لأحد في دركه من عموم المرسلين وإن الذي في مرتبة الرسالة لا مطمع في دركه لأحد من عموم النبيين والذي في مرتبة النبوة لا مطمع في دركه لأحد من عموم الأقطاب وأن الذي في مرتبة القطبانية لا مطمع لأحد في دركه من عموم الصديقين ) .

(4) دائرة الولاية لا مدخل لها في إعادة النظر في تقريرات الشرع بل ليست مؤهلة لذلك .

قال الشيخ الأكبر t :

( إن الحكم المقرر في الشرائع من الرسل عليهم الصلاة والسلام لا ينحل عقده إلا بنبوة وأمّا الولاية فليس في وسعها هذا وهو أن يحدث الله فيها حكماً قرره في الشرائع والنبوة بدون نبوة فلا يتأتى هذا ) .

وقال الشيخ الأكبر t :

( اعلم أنّ النص الصريح والكشف الصحيح من أربابه لا يختلف لا مادة ولا نهاية فكلاهما واحد من عين واحدة لأنّ النص الصريح من ذات سيدنا محمد r برز سواء كان حديثاً أو قرآناً والكشف الصحيح لأربابه عن فيض حقيقته المحمدية فاض وكلاهما إنّما كان r فيهما واسطة وهما من عند الله منشأ فلذا قلنا لا يختلفان فإنّ الكشف الصحيح لا يدل إلاّ على ما دلّ عليه النص الصريح بتصريح أو تلويح أو تضمين ) .

وقال الشيخ الأكبر t :

( لا واسطة بين الله وبين العباد إلا النبوة ومن رام الخروج عنها أعني النبوة طالباً للأخذ عن الله من غيرها كفر وخسر الدنيا والآخرة ) .

وقال الشيخ الأكبر t :

( إنّ التشريع بإحداث حكم لم يكن سابقاً طلباً للفعل أو طلباً للترك أو تعبداً أو إباحة أو نقض حكم سابق في الشريعة فتبدل بحكم آخر فهذا لا سبيل للأولياء إليه إذ هذا متوقف على النبوة فقط ) .

(5) إن وصلة المؤمنين برسول الله r هي وصلة غير منقطعة تتجلى في مشاهد النوم واليقظة ولكن ما يتلقاه فيها المؤمنون هو خاص في خاص لا مدخل له في العموم .

قال الشيخ الأكبر t في جواهر المعاني :

( كان r يلقي الأحكام العامة للعامة في حياته يعني إذا حرم شيئاً على الجميع وإذا افترض شيئاً افترضه على الجميع وهكذا سائر الأحكام الشرعية الظاهرة ومع ذلك كان r يلقي الأحكام الخاصة للخاصة وكان يخطر ببعض الأمور بعض الصحابة دون بعض وهو شائع ذائع في أخباره r فلما انتقل إلى الدار الآخرة وهو كحياته r في الدنيا سواء صار إلى أمته الأمر الخاص للخاص ولا مدخل للأمر العام فإنه انقطع بموته r وبقي فيضه للأمر الخاص للخاص ومن توهم أنه r انقطع جميع مدده عن أمته بموته r كسائر الأموات فقد جهل رتبة النبي r وأساء الأدب معه ) .

(6) الإنابة إلى الله تعالى هي الرجوع عن متابعة النفس والهوى فإنّ هذا المسلك هو مسلك جميع الصديقين فإنّهم سلكوا إلى الله تعالى بالرجوع من نفوسهم وهواهم إلى الاشتغال بالله تعالى والدأب على خدمته والأدب بين يديه . ( انظر جواهر المعاني )

(7) أن الشيخ لا يصحب ولا يعرف إلا الله عز وجل لا لشيء وهي في أمرين يعني الصحبة فإما أن يواليه لله تعالى بأن يقول هذا ولي الله وأنا أواليه لله هذا هو السر الأكبر الجاذب للمريد إلى حضرة الله تعالى والأمر الثاني يعلم أن الشيخ من عبيد الحضرة ويعلم ما يجب للحضرة من الأدب وما يفسد المرء فيه من الأوطار والأرب فإذا علم هذا يصحبه ليدله على الله وعلى ما يقربه إليه والصحبة في هذين الأمرين لا غير ومن صحب لغيرهما خسر الدنيا والآخرة . ( انظر جواهر المعاني )

(8) القواعد التي قعدها الشيخ الأكبر t هي اللائحة الشارحة لسير السائرين إلى الله عز وجل كما أن معاني حقائق المصطلحات المعبرة عن سير السائرين إلى الله عز وجل ملزومة بشروح الشيخ الأكبر t . انظر الملحقات في معنى حقيقة المريد وحقيقة الشيخ .

 

 

الضوابط السلوكية والتعبدية في الطريقة التجانية

(1) المحافظة على الصلوات فإنها الأساس الذي عليه أمر الدين في التعبد والسلوك ولأن فضلها لا يعلو عليه فضل .

(2) أوراد الطريقة التجانية إلزامية من كونها نذراً الوفاء به واجب على شرطه المشروط ولذلك لا يجوز تركها ولا التقهقر عنها .

(3) لا يجوز التهاون بأوراد الطريقة كإيقاعها على غير شرطها خصوصاً شرط وقتها وشرط طهارة الثوب والجسد والمكان وإلا بطلت صحة الورد والوظيفة وذكر الجمعة .

(4) إن طهارة القلب والروح شرط في بلوغ درجات الكمال وأساسه استحضار ما يقدر عليه من معاني الذكر ليكون قلبه مع لسانه وكذلك استحضار صورة القدوة وهو الشيخ الأكبر t وأعظم من ذلك استحضار صورة المصطفى r ومعنى الاستحضار والمراد منه : شمائله وخصاله ومكارم أخلاقه وأحواله مع الله عز وجل من سائر الكمالات الإنسانية .

(5) قال الشيخ الأكبر t :

( أفضل النوافل التي يتقرب بها إلى الله تعالى الذكر والصلاة والصوم بشروطه فهو أعظم النوافل وأحبها إلى الله تعالى قال : ( لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ) ، والمراد بالنوافل ههنا قيام روحها في السلوك وروح الأعمال في السلوك هو عملها خالصة لله لا لحظ عاجل أو آجل بل يريد الخروج بها إلى الله محضاً من جميع حظوظها وشهواتها ومتابعة هواه . )

تنبيه :

قول الشيخ الأكبر t ( خالصة لله عز وجل لا لحظ عاجل أو آجل ) مشروح بقوله t كما في الجواهر جـ2/123

( ابتغاء وجهه بإسقاط الرجاء منه على العبادة فقط لا أنّه ينقطع رجاؤه منه قنوطاً من غيره فإنّ ذلك عين الكفر المنهي عنه وإنّما يسقط الرجاء عن العبادة لتتخلص عبادته لربه عن شرك الأغراض ويرجو الخير من ربه بمحض الفضل والكرم والرجاء وهو حسن الظنّ بالله تعالى لما هو عليه من محاسن الصفات العظيمة ) .

(6) ارتباط الحقوق الإلهية بحقوق الإخوة في الطريقة ومن ابتلاه الله بتضييع حقوق الإخوان ابتلي بتضييع الحقوق الإلهية .

قال الشيخ الأكبر t في جواهر المعاني :

[ إياكم ثم إياكم أن يهمل أحدكم حقوق إخوانه مما هو جلب مودة أو دفع مضرة أو إعانة على كربة ، فإنْ من ابتلي بتضييع حقوق الإخوان ابتلي بتضييع الحقوق الإلهية والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه وصونوا قلوبكم إذا رأيتم أحداً فعل حقاً يخالف هواكم أو هدم باطلاً يخالف هواكم أن تبغضوه أو تؤذوه فإنّ ذلك معدود من الشرك عند الله تعالى فقد قال r : ( الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل على الصفا ) وأقل ذلك أن تحب على باطل أو تبغض على حق أو كما قال r مما معناه هذا وكذا صونوا قلوبكم عمن فعل باطلاً أو هدم حقاً يطابق هواكم أنْ تحبوه أو تثنوا عليه فإنه أيضاً معدود من الشرك عند الله تعالى فإنّ المؤمن يحب الحق ويحب أهله ويحب أن يقال الحق ويعمل به ويبغض الباطل ويبغض أهله ويبغض أن يقام الباطل ويعمل به والسلام . ]

(7) عدم المقاطعة بينه وبين الخلق وأن ينظر في معاذير الخلائق .

محذورات الطريقة التجانية ومحظوراتها

(1) مخالطة أقران السوء

(2) حب الدنيا

(3) الغلط والجهل المركب في كمال الإيمان

(4) المعاصي القلبية مثل الكبر والعجب والرياء والسمعة

(5) الدعوى الكاذبة

(6) التعلق بالخواص في طلب الدنيا وشهواتها

(7) إطلاق اللسان في الغيبة والنميمة والكذب والسخرية

(8) الحسد وظلم الناس والبغض بغير أمر شرعي

(9) محبطات الأعمال مثل :

أ –    قذف المحصنات

ب–   تأخير صلاة العصر إلى الغروب

ج –   الاسترسال في أكل الحرام

د –    عدم إعطاء الأجرة لصاحبها

هـ– دعوى الولاية بالكذب

و –   ادعاء المشيخة بتزكية النفوس

ز –    كثرة إذاية الخلق

ح –   كثرة الزنا

ط –   الكذب على رسول الله r

ي –   كثرة النميمة والغيبة

ك –   عقوق الوالدين

(10) الردة :

أ –    نسبة الحدوث إلى الله عز وجل

ب–   نسبة بعض أفعال الله لغيره

ج –   القول بقدم شيء من العالم

د –    تهور اللسان في جانب الله عز وجل

هـ– تغيير الأسماء المضافة إلى الله

و –   تبديل حكم الله لغرض من أغراضه

ز –    جحد ما هو معلوم من الدين بالضرورة

ح –   التهاون بمرتبة النبوة والملائكة بنسبة ما يحط قدرهم عن مراتبهم العالية

ط –   عدم الرضا بالقدر والتسخط على الله عند نزول المصائب

ي –   قول لا أفعل ولو قالها الله أو الرسول

 

( انظر الملحقات )

 

جَوَابُ السُّؤَال

إن الانضباط في توافقات الطريقة التجانية وفي ضوابطها المعرفية وفي مرجعياتها وضوابطها السلوكية والتعبدية مع بيان الخطوط الحمراء في المحذور والمحظور مع تولي القيادات العلمية لمسؤوليات الطريقة ونشرها طبقة بعد طبقة وجيلاً بعد جيل والتمركز الواضح للتجانيين في قيادات المجتمع المدني في كثير من دول العالم الإسلامي والتدافع الظاهر من فئات الشباب المثقف بثقافة العصر وتخصصاته الأكاديمية في الدخول والانضمام للطريقة التجانية مع انتشار مؤسسات النشاط التبشيري الدعوي للإسلام بقيادات تجانية وانتشار مؤسسات تحفيظ القرآن الكريم بقيادات تجانية أضف إلى ذلك كله ظهور وانتشار الإنتاج الشارح للطريقة التجانية وإعادة صياغة أساليب العرض مع تمدد الفضاء الإلكتروني الذي خلق أجواء صالحة للعرض والاستعراض والملتقيات والمنتديات مع التراجع الواضح لخصوم الطريقة وقبولهم بكثير من مسائلها بأنه في مساحات الخلاف المعتبر .. إن كل هذا المذكور سابقاً وما ذكر من قبل بأن الطريقة التجانية وزواياها أمرها قائم بالله يجعل الجواب على سؤال الصحيفة السابق هو :

( أن الطريقة التجانية تتجه إلى توسع في الانتشار وقوة في التواصل وتماسك في عبء تحمّل مسؤولية التغيير في المجتمع المسلم إلى ما هو أفضل وأتم وأكمل )

والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مُـــلــــحَــــقَـــــــــات

 

 

 

حقيقة المريد وحقيقة الشيخ في الطريقة التجانية

قال الشيخ الأكبر t في جواهر المعاني :

[ اعلم أيدك الله بروحه أن المريد الصادق هو الذي عرف جلال الربوبية وما لها من الحقوق في مرتبة الألوهية على كل مخلوق وأنها مستوجبة من جميع عبيده دوام الدأب بالخضوع والتذلل إليه والعكوف على محبته وتعظيمه ودوام الانحياش إليه وعكوف القلب عليه معرضاً عن كل ما سواه حباً وإرادة فلا غرض له ولا إرادة في شيء سواه لعلمه أن كل ما سواه كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً فلما عرف هذا وعرف ما عليه من دوام العكوف على الانقطاع إلى الحضرة الإلهية وعرف خسة نفسه وكثرة شؤمها وشرها وأنها في جميع توجهاتها مضادة لحضرة الألوهية وأن جميع حظوظها ومراداتها مناقضة للحقوق الربانية وعرف ما فيها من التثبط والتثبيط عن النهوض بالقيام بحقوق الحق ومعرفة ما يجب له تعالى من الخدمة والأدب لما ألفته من الميل إلى الراحات والعكوف على الشهوات والانقطاع عن خالق الأرض والسموات وأن جميع حظوظها لا تدور إلا في هذا الميدان وعرف عجزه عن تقويم هذه النفس الأمارة بالسوء وعن ردها إلى الحضرة الإلهية منقطعة عن هواها وشهواتها وعرف أنه إن قام معها على هذا الحال استوجب من الله في العاجل والآجل من الغضب والمقت وشدة العذاب والنكال المؤبد والخلود مما لا حد له ولا غاية وارتعب قلبه من هذا البلاء الذي وقع فيه والعلة المعضلة التي لا خروج له منها فلا يمكنه المقام مع نفسه على ما هي فيه من ما ذكر قبل استجابة الغضب والمقت من الله ولا قدرة على نقل نفسه من مقرها الخبيث إلى استيطان الحضرة الإلهية فحين عرف هذا رجع بصدق وعزم وجد واجتهاد في طلب الطبيب الذي يخلصه من هذه العلة المعضلة ويدله على الدواء الذي يوجب كمال الشفاء والصحة فهذا هو المريد الصادق وأما غيره ممن لم يتصف بهذه الصفات المتقدمة فهو طالب لا غير قد يجد وقد لا يجد تعلقت نفسه بأمر فطلبه وأما الأول فلمكان صدقه كان الشيخ أقرب إليه من طلبه فإن عناية الحق به التي وهبته ذلك العلم المذكور هي التي تقوده إلى الشيخ الكامل وتلقيه في حضرة الشيخ الواصل وتقلب له قلب الشيخ بالمحبة والتعظيم فيقع الائتلاف بينهما والأدب فينفتح باب الوصول لأن عناية الحق متى وقعت على أمر جذبته جذباً قوياً لا يمكن توقفه ولو كان ما كان فالذي يجب على المريد الصادق في الطلب مع كمال العلم المتقدم وشدة الاهتمام بالأمر المطلوب وعماية القلب عن سوى مطلوبه فلا يشتغل بشيء سوى ما يريد هذا هو الصدق المفيد وهو الذي يخرجه من المقت اللاحق فالذي يجب على المريد قبل لقاء الشيخ أن يلازم الذكر والصلاة على النبي r بشدة حضور القلب في تأمل المعاني حسب الطاقة مع اعتقاده أنه جالس بين يديه r مع دوام الاعراض عن كل ما يقدر عليه من هوى النفس وأغراضها والسعي في كل ما يحببه إلى الله تعالى من نوافل الخيرات وهي معروفة في الأوقات كوقت الضحى وقيل الظهر وبعده وقبل العصر وبعد المغرب وبعد العشاء وبعد النهوض من النوم وفي آخر الليل وليقلل من ذلك ويجعل اهتمامه بالذكر والصلاة على النبي r أكثر من النوافل فإن الذكر والصلاة على النبي r مفتاح أبواب الخير مع العزلة في وقت الذكر وتقليل الغذاء والماء واستعمال شيء من الصيام والصمت إلى غير ذلك مما هو مسطر عند أهل الطريق والحذر الحذر من كثرة التخليط في الأذكار وكثرة تشعيب الفكر بين أقاويل المتصوفة فإنه ما اتبع ذلك أحد فافلح قط ولكن يجعل لنفسه ذكراً واحداً يهتم به وجهة واحدة يهتم بها وأصلاً ثابتاً يعول عليه من الطرق هذا سلوكه وتربيته قبل لقاء الشيخ ثم يسعى في طلب الشيخ الكامل كما قال طمطم الطالب الصادق لا ينظر في غير مطلوبه الطالب لا يسعى في غير مطلوبه الطالب لا يهتم في غير مطلوبه فهذه صفة المريد وأحواله . ]

وقال الشيخ الأكبر t في جواهر المعاني :

[ أن طلب الشيخ في الشرع ليس بواجب وجوباً شرعياً يلزم من طلبه الثواب ومن عدم طلبه العقاب فليس في الشرع شيء من هذا ولكنه واجب من طريق النظر مثل الظمآن إذا احتاج إلى الماء وإن لم يطلبه هلك فطلبه عليه لازم من طريق النظر وطريق النظر في هذا ما قدمناه من كون الناس خلقوا لعبادة الله والتوجه إلى الحضرة الإلهية بالإعراض عن كل ما سواها وعلم المريد ما في نفسه من التثبط والتثبيط عن النهوض إلى الحضرة الإلهية وعلم عجزه عن مقاومة نفسه بما يريده منها من الدخول في الحضرة الإلهية بتوفية الحقوق والآداب وعلم أنه لا ملجأ له من الله ولا منجا إن قام مع نفسه متبعاً لهواها معرضاً عن الله تعالى فإنه بهذا النظر يجب عليه طلب الشيخ الكامل وهذا الوجوب النظري أمر وضعي طبيعي ليس من نصوص الشرع إذ ليس في نصوص الشرع إلا وجوب توفية القيام بحقوق الله تعالى ظاهراً وباطناً على كل فرد فرد من جميع العباد ولا عذر لأحد في ترك ذلك من طريق الشرع ولا عذر له في غلبة الهوى عليه وعجزه عن مقاومة نفسه فليس في الشرع إلا وجوب ذلك وتحريم ترك ذلك لوجوب العقاب عليه فهذا ما كان في الشرع ولا شيخ يجب طلبه إلا شيخ التعليم الذي يعلم كيفية الأمور الشرعية التي يطلب فعلها من العبد أمراً ونهياً وفعلاً وتركاً فهذا الشيخ يجب طلبه على كل جاهل لا يسع أحداً تركه وما وراء ذلك من الشيوخ لا يلزم طلبه من طريق الشرع لكن يجب طلبه من طريق النظر بمنزلة المريض الذي أعضلته العلة وعجز عن الدوام من كل وجه وانعدمت الصحة في حقه فنقول إن شاء البقاء على هذا المرض بقي كذلك وإن طلب الخروج إلى كمال الصحة قلنا له يجب عليك طلب الطبيب الماهر الذي له معرفة بالعلة وأصلها وبالدواء المزيل لها وكيفية تناوله وكماً وكيفاً ووقتاً وحالاً والسلام . ]

 

 

المحذورات والمحظورات في الطريقة التجانية

قال الشيخ الأكبر t في جواهر المعاني :

[ وأوصيكم وإياي بتقوى الله تعالى وارتقاب المؤاخذة منه في الذنوب فإنّ لكل ذنب مصيبتين لا يخلو العبد عنهما والمصيبة واحدة في الدنيا وواحدة في الآخرة فمصيبة الآخرة واقعة قطعاً إلاّ أن تقابل بالعفو منه سبحانه وتعالى ومصيبة الدنيا واقعة بكل من اقترف ذنباً إلاّ أن يدفعها وارد إلهي بصدقة لمسكين أو صلة رحم بمال أو تنفيس عن مديان بقضاء الدين عنه أو بعفوه عنه إنْ كان له وإلاّ فهي واقعة فالحذر الحذر من مخالفة أمر الله وإن وقعت مخالفة والعبد غير معصوم فالمبادرة بالتوبة والرجوع إلى الله وإن لم يكن ذلك عاجلاً فليعلم العبد أنه ساقط من عين الحق متعرض لغضبه إلاّ أن يمن عليه بعفوه ويستديم في قلبه أنّه مستوجب لهذا من الله فيستديم بذلك انكسار قلبه وانحطاط رتبته في نفسه دون تعزز فما دام العبد على هذا فهو على سبيل خير وإياكم والعياذ بالله من لباس حلة الأمان من مكر الله في مقارفة الذنوب باعتقاد العبد أنّه آمن من مؤاخذة الله له في ذلك فإنّ من وقف هذا الموقف بين يدي الحق تعالى ودام عليه فهو دليل على أنّه يموت كافراً والعياذ بالله تعالى وما سمعتم من الخاصية التي في الورد فهي واقعة لا محالة وإياكم والتفريط في الورد ولو مرة في الدهر وشروط الورد المحافظة على الصلوات في الجماعات والأمور الشرعية وإياكم ولباس حلة الأمان من مكر الله في الذنوب فإنّها عين الهلاك وترك المقاطعة مع جميع الخلق وآكد ذلك بينكم وبين الإخوان وزوروا في الله وواصلوا في الله وأطعموا في الله ما استطعتم في غير تعسير ولا كد وعليكم بالصبر في أمر الله فيما وقع من البلايا والمحن فإنّ الدنيا دار الفتن وبلاياها كأمواج البحر وما أنزل الله بني آدم في الدنيا إلاّ لمصادمة فتنتها وبلاياها فلا مطمع لأحد من بني آدم في الخروج عن هذا ما دام في الدنيا والصبر بحسب أحواله كل على قدر طاقته ووسعه واعملوا في نفوسكم سلوة إذا نزلت البلايا والمحن بأحدكم فليعلم أنّ لهذا خلقت الدنيا ولهذا بنيت وما نزلها الآدمي إلاّ لهذا الأمر وكل الناس راكضون في هذا الميدان فليعلم أنّه كأحدهم مساو له واعلموا أنّ الذنوب في هذا الزمان لا قدرة لأحد على الانفصال عنها فإنّها تنصب على الناس كالمطر الغزير لكن أكثروا من مكفرات الذنوب . ]

وقال الشيخ الأكبر t في جواهر المعاني :

[ محبطات الأعمال منها الردة نسأل الله السلامة والعافية ومنها قذف المحصنات وتأخير العصر إلى الغروب والاسترسال في أكل الحرام وعدم إعطاء الأجرة لصاحبها واحذر من العجب جهدك فإنّه يفسد العمل . أما الردة والعياذ بالله تعالى فلها أسباب كثيرة قولية وفعليه . أمّا القولية فمنها ما هو معلوم عند عامة المسلمين كنسبة الحدوث إلى المولى تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً إمّا تصريحاً أو الزاماً كنسبة الشريك له والشريك إمّا صريحاً وإمّا بنسبة بعض أفعال الله لغيره كالقدرية ومن في معناهم من الجهال أو يقدم شيء من العالم ومنها صدور التهاون بجلال الله وعظمته جهلاً أو عناداً كالشتم والسّب وتهور اللسان في جانب الحق نعوذ بالله منه أو يريد شتم العبد فيغير اسم الله أو صفة من صفاته كما شاهدناه كثيراً في ألسنة العامة في أسماء العبيد المضافة لأسماء الله كعبد الحق وعبد الكريم وعبد الرحمن وعبد الحاكم وعبد الباقي وعبد القادر وعبد البر وعبد الرازق وعبد الغني وعبد الحميد وعبد الرحيم وعبد الغفور وعبد الغفار وعبد الستار وعبد الحليم وعبد الجليل وهكذا حتى تعد أسماء الله المضافة للخلق فإنّ تغييرها ردة ولم يعذر صاحبها بعدم قصده لإسم الله ولا بجهله وهذا مذهب سيدنا t في هذا الباب وكذلك مذهبه فيمن بدّل حكم الله لغرض من أغراضه ممن كان النص في عينه كتحليل المطلقة ثلاثاً لزوجها الأول من غير أن تنكح زوجاً غيره وقال إنّ الحكم هو وصف من أوصاف الله تعالى ومن غيّر وصفاً من أوصاف الله فهو مرتد والعياذ بالله تعالى وصدق t لأنّ علماء الشريعة عندهم من استحل محرماً مجمعاً عليه كفر وكذلك من جحد ما هو معلوم من الدين ضرورة كالصلاة ومنها التهاون بمرتبة النبوة والملائكة كصدور شتم أو سب أو تهور لسان أو نسب إليهم ما يحط قدرهم عن مراتبهم العلية كارتكاب المنهيات أو عيب في ذواتهم وما في معناه ومما هو في هذا الباب عدم الرضا بالقدر والتسخط عند نزول المصائب بالعبد حتى يقول بعض جهال عامة المسلمين أيُّ شيء فعلته يا رب حتى فعلت هذا بي من دون الناس قال سيدنا t فهذه ردة تلزم التوبة منها لأنه تضمن كلامه نسبة الظلم لخالقه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وعن الظلم والجور وكذلك ما يصدر من بعض الجهال عند الغضب يقول لا أفعل هذا لو قالها المنادي يتضمن من هذا القول الردة أيضاً كأنّه يقول لو قالها الله أو الرسول فليحذر المؤمن من هذه الأمور الشنيعة قولاً أو فعلاً ويحذر جهال المسلمين منها ومما يلحق بهذا ما ذكره أهل الكشف في بعض الأمور قال مَنْ فعل واحدة ، ولم يتب منها يموت على سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى وهي دعوى الولاية بالكذب وادعاء المشيخة وهو التصدر لإعطاء الورد من غير إذن وكذلك كثرة الإذاية للخلق وكثرة الزنا والكذب على رسول الله r وكثرة النميمة والغيبة وعقوق الوالدين وهذه كلها إنْ لم يتب منها نسأل الله السلامة والعافية من جميعها . ]

وقال الشيخ الأكبر t في جواهر المعاني في رسالة لبعض أصحابه :

[ ما ذكرت من صعوبة انقياد نفسك عليك لأمر الله ودوامها على التخبط فيما لا يرضى فتلك عادة جارية أقامها الله في الوجود لكل من أهمل نفسه وتركها جارية في هواها أنْ لا يسهل عليه سبيلاً إلى القيام بأمر الله بل لا يرى من نفسه إلاّ الخبث والمعاصي والخروج عن أمر الله ومن أراد تقويم اعوجاج نفسه فليشتغل بقمع نفسه عن متابعة هواها مع دوام العزلة عن الخلق والصمت وتقليل الأكل والإكثار من ذكر الله بالتدريج وحضور القلب مع الذكر وحصر القلب عن الخوض فيما يعتاده من الخوض في أمور الدنيا وتمنيها وحبها وحصر القلب عن جميع المرادات والاختيارات والتدبيرات وعن أخبار الخلق وزم القلب عن الجزع من أمر الله فبدوام هذه الأمور تتزكى النفس وتخرج من خبثها إلى مطابقة أمر الله وإلا فلا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً والشيخ في هذه الأمور دال ومعين لا خالق ولا فاعل إذ الخلق والفعل لله والدلالة للشيوخ والسلام ]

وقال الشيخ الأكبر t في جواهر المعاني في رسالة لبعض أصحابه :

[ تعلقك بالخواص في طلب الدنيا وأغراضها وشهواتها وأنت مشغول بإطلاق لسانك في الغيبة والنميمة وفيما لا يرضى الله ومنهمك في البعد عن الله لا ربح في هذه التجارة إلا التعب فلا تظفر منها بشيء وإن الخواص بحر الطمع متعلق بها كالذي يريد الظفر بسراب بقيعة إنما الخواص وأسرارها لا يتمكن منها أحد من خلق الله إلا أحد رجلين إما رجل ظفر بالولاية وإما رجل جعل أكثر أوقاته في ذكر الله وفي صحة التوجه إليه سبحانه وتعالى وفي الصلاة على نبيه r طلباً لوجه الله الكريم لا لغرض غير ذلك وداوم على هذا المنوال وصان لسانه عن الأقاويل التي لا ترتضى شرعاً كالغيبة والنميمة والكذب والسخرية وسائر ما لا يرتضى وصان قلبه عما لا يرضي الله كالكبر والحسد وظلم الناس والبغض بغير أمر شرعي إلى غير ذلك وهو في هذا كله قائم لله تعالى فهذا هو الذي لعله يدرك بعض أسرار الخواص ومن سوى هذين لا يفيده التعلق بالخواص إلا
التعب . ]

وقال سيدي علي حرازم t في جواهر المعاني يصف الشيخ الأكبر t :

[ وكثيراً ما يحذر من مخالطة أقران السوء وغيرهم يحذر منها الغافلين مخافة أن يزدادوا بها غفلة والمنتبهين مخافة أن يصدوا عما هم بصدده ويلجأ في ذلك كله إلى الملك الديان ويستشهد كثيراً بقوله r ( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) ويقول اختر لصحبتك من أطاع فإن الطباع تسرق الطباع ويحذر من حب الدنيا وينفر عنه لكونه قاطعاً عن الله وصاداً عن الوجهة إليه ولا تصح الوجهة إليه مع بقاء شيء من حب الدنيا لديه فقد انفرد لمولاه وتجرد عن سواه لم تبق له علاقة تجذبه ولا أمنية تصحبه وما عطل الخلق وحجبهم عن الله إلا الغلط والجهل المركب في كمال الإيمان بالله فلو تحققوا أنهم ليسوا على شيء ولا حصل لهم كمال الإيمان الحقيقي واستغاثوا بالله عند كمال عجزهم وضعفهم وتحققهم بذلك لأجابهم لاضطرارهم بما هنالك لقوله تعالى ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ وكل ما طلب زيادة معرفة أعطوها لاضطرارهم في طلبهم بمشاهدتهم التقصير من أنفسهم في كل شيء وبقدر شهود التقصير يقوى الاضطرار إلى العالم القدير ومن بديع صنعه في الخطاب أنه إذا أرشد أحداً إلى مولاه ونبهه على غلطه وهواه أرشده برفق ولين ولاطفه بخطاب مبين ﴿ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ ويحذر من المعاصي القلبية كالكبر والعجب والرياء والسمعة ونحو ذلك أكثر مما يحذر من الظاهرة ويقول إنها خفية والأخرى لا تخفى ويبالغ في تقبيح العجب والكبر ويقول إن صاحبهما ممقوت وهما من أعظم المعاصي القاطعة عن الله عز وجل وأعظم دليل على هذا قصة آدم  ومخالفة إبليس حين أمر بالسجود فأبى واستكبر هذا تاب عليه ربه وهداه وهذا طرده من رحمته وأرداه ويحذر كثيراً من الدعوى الكاذبة ويقول إن صاحبها يخشى عليه والعياذ بالله من سوء الخاتمة عافانا الله من ذلك بمنه وكرمه . ]

قال الشيخ الأكبر t في جواهر المعاني :

[ ( قاعـدة )

اعلم أن القاعدة عند أئمة علماء الكشف والتحقيق أن معقولية النسب لا تتبدل وأن الحقائق لا تنقلب فإذا كان النعت والوصف ذاتياً فلا ينقلب إلى غير ذلك وإن الواجب لذاته لا ينقلب جائزاً والجائز لا ينقلب واجباً والمستحيل لا جائزاً ولا واجباً وذلك كالوجود مثلاً فإنه لما كان ذاتياً للحق تعالى وجب وجوده فقيل فيه موجود وواجب وجوده لأن وجوده بذاته لذاته فهو له ذاتي فكان واجباً ولما كان العدم للممكنات ذاتياً لم ينقلب إلى غير ذلك الوصف الذي هو العدم فالعدم لها ذاتي والوجود عرض لها في حيطة الجواز يجوز طروه على الممكن وعدم طروه وكذلك البطون لما كان لذات الحق ذاتياً لم ينقلب إلى غير ذلك وإلى البطون الذاتي لذات الحق تعالى وتقدس الإشارة بقوله تعالى في الحديث القدسي ( كنت كنزاً مخفياً ) وتسميته تعالى بالاسم الباطن فمقتضى حقيقة هذه النسبة التي هي البطون والخفاء والغيب المطلق الذاتي أن لا يقع فيها تجل أبداً لا في الدنيا ولا في الآخرة إذ التجلي عبارة عن ظهور الحق تعالى بأي تجل كان وغاية علم العلماء بالله أن يعلموا ما ظهر للعلم وأدركه وما ظهر للقلب وأدركه في أي وجه من وجوه الإدراك فخارج عن حقيقة مقتضى نسبة البطون وان غاية ما يتعلق به العلم ويدركه حصول العلم بوجود الباري جل وعلا فيحصل للعالم العلم بأنه موجود وواجب وجوده وأنه ليس كمثله شيء لا الإدراك بذاته كيف وعلم الحادث حادث فغاية علم العبد أن يعلم أن الباري جل وعلا موجود وواجب وجوده ووجوده له ذاتي وأنه ليس كمثله شيء وأنه لا يعلم ما هو إلا هو ولا يعلم قدره غيره لقوله تعالى وما قدروا الله حق قدره وأيضاً فالعالم بالله إنما أدرك علمه بواسطة العلم وعلمه قائم به فما أدرك إذاً إلا العلم ولا يلزم من إدراك العلم إدراك المعلوم كيف وكلما دخل تحت الحصر فهو مبتدع مخلوق ومن الشائع المشهور المجمع عليه عند المحققين قاطبة أن الصفات والنعوت تابعة للموصوف المنعوت بها وان إضافة كل صفة إلى موصوفها إنما تكون بحسب الموصوف وبحسب قبول ذاته إضافة تلك الصفة إليها ولما كان الحق سبحانه وتعالى يتعالى عن أن يدرك كنه حقيقته كان إضافة ما تصح نسبته إليه من النعوت والصفات لا تكون على نحو نسبتها إلى غيره لأن ما سواه ممكن وكل ممكن فمنسحب عليه حكم الإمكان ولوازمه كالافتقار والقيد والنقص وهو سبحانه وتعالى من حيث حقيقته مغاير لكل الممكنات وليس كمثله شيء فإضافة النعوت والصفات إليه إنما تكون على الوجه اللائق بحاله ويتعالى جل وعلا عن كل ما لا يليق بجلاله وإضافة النعوت والصفات إلى الممكن بحسبه وعلى الوجه الذي يستحقه ويليق به كالعلم مثلاً إن وصف به القديم كان قديماً وإن وصف به الحادث كان حادثاً ونحو ذلك من الصفات والنعوت المشتركة فإذا عرفت حكم هذه القاعدة النفيسة التي هي قطب رحا علوم أهل الله والعلماء به المحققين الراسخين في العلم وتحققت معناها فاعلم أن من تمام القاعدة أن تعلم أن الله سبحانه وتعالى جعل لكل شيء ظاهراً وباطناً فلنفس الإنسان ظاهر وباطن لأنها من جملة الأشياء فقد يدرك الإنسان ما يدرك من مدركاته بظاهر نفسه المعبر عنها بالخيال والمثال والحواس ولا يدرك بباطنها شيئاً وقد يدرك ما يدرك من مدركاته بباطن نفسه فيباشر العلم باطن النفس وذلك العلم المباشر لباطن النفس يختص بعلم المعارف الحقانية وسر المعرفة وسر التوحيد فإذا فهمت هذا وعلمت أن الحق سبحانه وتعالى هو الظاهر والباطن وأن البطون له ذاتي كما عرفت ذلك من صدر القاعدة فاعلم أن الإنسان لا يدرك بباطن نفسه وظاهرها شيئاً إلا مما هو من أحكام تجليات اسمه الظاهر فإذا تجلى الحق سبحانه وتعالى باسمه الظاهر لظاهر نفس من تجلى له أدرك علماً ظاهراً من العلوم الظاهرة وفتح عليه بذلك العلم الذي هو بصدده ولم يزهد في شيء من الموجودات فحصل ما حصل من العلوم وحب خير الدنيا والآخرة لانجلاء ظاهر النفس بما وصل إلى ظاهرها من التجلي ولم يزهد في شيء لعدم وصول التجلي إلى باطن نفسه وامتلائه به وإن تجلى سبحانه وتعالى باسمه الظاهر لباطن نفس من تجلى له حصل الإدراك بعين البصيرة فيكون إدراك صاحب هذا المقام بعين البصيرة لا بالفكر والنظر فيدرك بعين بصيرته عالم الحقائق وعالم المعاني فلا يبقى عنده فيما يدركه بعين بصيرته إشكال ولا احتمال ويستريح من تعب الفكر فيفتح عليه عند وصول هذا التجلي إلى باطنه بالعلوم الإلهية وعلوم الأسرار وعلوم الباطن وما يتعلق بالآخرة ومعرفة أحدية الوجود ونفيه عما سوى الحق ويظهر له سر التوحيد وسر المعرفة ويزهد في جميع ما سوى الحق سبحانه وتعالى ويضيق عن كل غير ولم يبق فيه لسوى الحق متسع لامتلاء باطن نفسه لما وصل إليه من التجلي فينكشف لعين بصيرته حقائق الأشياء فيدرك بعين بصيرته رتبة الحق من رتبة غيره فلم يبق لغير الحق في قلبه قدر لما أدرك بعين بصيرته ما أدرك من حقيقة رتبته فمن تمام فائدة القاعدة التنبيه على ضابط في معرفة الرتب وذلك بأن تعلم أن القاعدة عند أئمة علماء التحقيق أن كل موجود له ذات ومرتبة ولمرتبته أحكام تظهر في وجوده المتعين لحقيقته الثابتة فسمي آثار تلك الأحكام في ذات صاحبها أحوالاً والمرتبة عبارة عن حقيقة كل شيء لا من حيث تجردها بل من حيث معقولية نسبتها الجامعة بينها وبين الوجود المظهر لها والحقائق التابعة لها لأن بعض الحقائق تابع للبعض والتابعة أحوال للمتبوعة وصفات ولوازم وذلك لأن الموجودات ليست بأمر زائد على حقائق مختلفة ظهرت بوجود واحد تعين وتعدد في مراتبها وبحسبها لا أنه إذا اعتبر مجرداً عن الاقتران بهذه الحقائق يتعدد في نفسه وللحق تعالى ذات ومرتبة ومرتبته عبارة عن معقولية نسبة كونه إلهاً وهذه النسبة من حيث هي مسماة بالألوهية وللحق من حيث هي آثار في المألوهي وصفات لازمة تسمى أحكام الألوهية وذاته سبحانه وتعالى من حيث تجردها عن جميع الاعتبارات المقيدة وعدم تعلقها بشيء وتعلق شيء بها لعدم المناسبة لا كلام فيها ومن حيث معقولية نسبة تعلقها بالخلق وتعلقهم بها وبحسب أحوالهم من كونهم مجاليه ومظاهره تنضاف إليها أحوال كالرضا والغضب والإجابة والفرح وغير ذلك يعبر عنها بالشؤن وينضاف إليها من حيث آثار مرتبتها التي هي الألوهية في كل مؤثر فيه صفات تسمى أحكام المرتبة كالقبض والبسط والإحياء والإماتة والقهر فلم يصح استناد العالم إلى الحق من حيث ذاته بل من حيث معقولية نسبة كونه إلها وتعقل كون الحق إلها اعتبار زائد على ذاته وتعقل العالم بالحق إنما يصح بهذه النسبة لأن مرجع سائر الأسماء والمراتب والنسب إلى هذه النسبة ولأنها أصل كل حكم واسم ووصف ونعت وغير ذلك مما يستند إلى الحق سبحانه وتعالى ويضاف إليه وللإنسان ذات ومرتبة فذات الإنسان حقيقته التي هي عينه الثابتة في حضرة علم ربه والتي هي عبارة عن نسبة معلوميته للحق وتميزه في علم ربه أزلاً على حسب مقتضى رتبته عند ربه وكون ربه علمه ممكناً وعلم ما قد قضى به له وحكم به عليه وأحوال هذه الحقيقة الإنسانية هي ما يتقلب فيه الإنسان وينضاف إليه ويوصف به من التصورات والنشآت والتطورات وغير ذلك من الأمور التي ظهرت على وجوده المستفاد من الحق لما تقرر من كون العدم للممكن ذاتياً وأن الوجود له عرض طارئ يفتقر إلى مخصص ان خصصه بطرو الوجود وجد وان خصصه بالعدم وسلب الوجود عنه عدم ومرتبته أي ومرتبة الإنسان عبارة عن عبوديته ومألوهيته وأحكام هذه المرتبة هي الأمور والصفات المنضافة إليه من كونه عبداً ممكناً ومألوهاً ومن كونه أيضاً مرآة ومجلى فهذه قاعدة نفيسة عظيمة القدر وجديرة بأن تكون عمدة يرجع إليها في فتيا علم أهل التحقيق لو كان لذلك فتيا وميزان يعرف به قانون الحق في كل رتبة حقية أو خلقية أن يعترف المحققون بعلو درجتها لنفاستها وكثرة فوائدها وما احتوت عليه من القواعد والضوابط العظيمة النفع في حل المشكلات المعضلات والالتباسات إذا راجعها الطالب لذلك وبالله التوفيق وبه الإعانة إلى سواء الطريق . ]

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى