أعلام الطريقةمقالات

علماء من بلادي : وفاة العارف بالله الشريف سيدي محمد الميموني الطنجي

 

علماء من بلادي

 

  وفاة العارف بالله الشريف سيدي محمد الميموني الطنجي

تعزية:

فجعنا ظهر اليوم -الاثنين 14 محرم 1443 الموافق 23 غشت 2021- بخبر وفاة شيخنا ومحل ودنا العلامة العارف بالله التقي النقي العفيف الشريف سيدي محمد بن محمد بن الحاج الحسن بن محمد الميموني التجاني مشربا الطنجي مولدا وقرارا ووفاة، بعد أن تمكن منه وباء كورونا، ولبث بسببه أكثر من عشرة أيام تحت الهواء الاصطناعي والأدوية الخاصة، لكن إرادة الله كانت أقوى وأغلب، ولا راد لقضائه وقدره.

سيدي الشريف محمد الميموني رحمه الله، من الأتقياء الأخفياء، الذين آثروا الخمول والظل على الظهور والتمشيخ، على ما له من قدم راسخة في الولاية والصلاح -وما شهدنا إلا بما علمنا- وعلى ما فاق فيه أقرانه من الفقه والفهم.

ولم يخرج من هذه الدنيا إلا بعد أن دلَّ على الله بما دل عليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مبتغيا بذلك وجه الله، غير متاجر بشيء من الدعوة والكتابة وأجوبة السائلين، بل كان رحمه الله يسترزق بالحلال الطيب، إذ كان صائغ ذهب، بل كان أمين الذَّهَبيين بمدينة طنجة، وإليه تشد الرحال في حل مشاكل الصياغيين بها.

أخذ الطريقة التجانية الأحمدية على يد والده رحمه الله، ورسخ فيها، وكان من علمائها الأفذاذ، ميالا فيها إلى التسنن واتباع الأثر، وهو الحق الذي عليه أهل الحق، معرضا عن كل تعصب ذميم وانحراف عن الصراط القويم، حسبما انتشر في بعض المنتسبين إليها وفي أهل التصوف عموما.

ولشدة حبه للعلم والعلماء صيَّر محل تجارته للذهب مكتبة عامرة، مقصودة من الخاص والعام، يحج إليها ويعكف على نوادرها ونفائس ما فيها، القاصي والداني.

وحدثني مرارا عن السادة الغمارية الذين كانوا يلزمونه بمكتبه -التي هي أصلا محل تجارته- وخصوصا السيد عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله، وحكى لي عنه قصصا عجيبة وغريبة كثيرة، وكذلك السيد عبد العزيز بن الصديق والسيد إبراهيم والحسن رحمهم الله تعالى.

بل بيته كذلك، فيه طابق سفلي، وطابق علوي، حبَّس السفلي للكتب وقد وقع فيها ما وقع من أكل النيران لشطر كبير منها، أصيب بسببه بحزن شديد وأرق عظيم، خصوصا أنه صادف وفاة زوجته الشريفة رحمها الله، لكنه احتسب وصبر وسلم ورضي.

وكان يخبرني عندما يضيفني ببيته العامر عن محل جلوس كلٍّ من السيد عبد الله والسيد عبد العزيز والسيد عبد الحي أبناء الشيخ الصديق، وعن طريقة اعتنائها وبحثهم عن الكتب وكيف كان يخدمهم حبا للعلم والعلماء..

وهو مَن عرفني بهذه الأسرة الشريفة العالمة، وبواسطته تعلقت بعلوم أصحابها رضي الله عنهم، بل هو من أخرج لي كتب الحافظ أحمد بن الصديق ولم يضن أو يشح بها، فبمجرد أن لحظ مني حب العلم والاجتهاد فيه، صار يخرج لي الننفائس ويقول بأن كثيرا منها لا يوجد عند غيره، وصدقته في ذلك الأيام.

وهو مَن عرفني رحمه الله بشيخنا التليدي وشيخنا محمد البقالي وشيخنا مصطفى البقالي وشيخنا إبراهيم بن الصديق وشيخنا الحسن بن الصديق، وكان كلما زرته يعرض علي صحبته عندهم ويعرفهم بي وبأخي العلامة سيدي محمد برة الذي كان صاحبي بعد الله في السفر.

وسيدي محمد الميموني صاحب أخلاق محمدية راسخة، غير متكلف فيها، ولا متصنع الظهور بمظهرها، ومنها اختصارا:

التواضع الشديد، بحيث لا يكاد يسمع أحدا يثني عليه إلا وأوقفه وربما ذرفت عينه وظهر الحياء والخجل عليه، حتى إنني منذ ان عرفته -على ما يزيد على خمس وعشرين سنة- وأنا اطلب منه الإجازة ويرفض ذلك بدعوى أنه ليس أهلا لذلك، حتى توسلت إليه مرة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأجازني مشافهة.

ومنها أنه كن من الذين يذكرون الله في الخلوة والجلوة ولا يفتر لسانه عن استغفار أو صلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو هيللة أو تسبيح إلا نادرا.

ومنها سخاؤه وكرمه الذي لم أر له نظيرا إلا في أهل الخصوصية من أمثاله، ومن ذلك أنه يغضب كلما علم بنزولي لطنجة واستقراري في فندق، ويقول: كيف تنزل في فندق وتتركنا بلا أجر تلك الليلة، ولا يمكن ان يزوره زائر سواء عرفه أو لم يعرفه إلا وقصد به إلى بيته بالمدينة القديمة بطنجة ليكرمه إطعاما وسقيا، ونظرة في كتب ورسائل بل ويعرض عليه المبيت ببيته إلحاحا وصدقا، وقد من الله علي بفضيلة المبيت في بيته مرات عديدة، وقع فيها من الفيض والسر ما لا تتحمله هذه العجالة.

ومنها أنه كان مكاشَفا، فقد أخبرني عن كرامات له من هذا القبيل الشيء الكثير، بل كاشفني أنا شخصيا بأشياء كانت في باطني، وكنت أوقن أنه مُحدَّثٌ بها من الله تعالى.

ومنها أن الله كان يطلعه على أصحاب الفتن والقلوب المريضة والأغراض السيئة فيكرمهم ويحسن إليهم مع ذلك، فيجد الله له منهم مخرجا وعنهم مصرفا.

ومنها شدة ذكائه.

ومنها خدمته للخاص والعام وإعانته للمغلوب.

ومنها حبه للمساكين والإحسان إلى الأرامل.

ومنها وطنيته الشديدة وغيرته على البلاد ومقداستها بل ودفاعه عن ذلك كلما سنحت الفرصة.

ومنها وفاؤه بعهود أصدقائه ومشايخه ولو بعد موتهم، ومن ذلك أنه لما زارني قبل بضعة أشهر ببيتي بالجديدة بصحبة ولده الشريف سيدي محمد وتلميذه الوفي الصادق سيدي هشام هول، وقضى عندي يوما وليلة، كان من أمنياته التي طلب مني تلبيتها له أن نزور معا كلا من الشيخ العلامة إدريس التاشفيني، والشيخ الفقيه سيدي امحمد الحجوجي، وهو ما فعلنا ووفقنا الله له، بعدما كنت متكاسلا وغافلا عن هذا السلوك الرباني.

ومنها حبه للعلم والبحث، واجتهاده في التأليف والكتابة في كل ما ينفع ويرى فيه خيرا للأمة، وله مؤلفات كثيرة منها ما لم يسبق إليه بل أكثرها كذلك، وهذه بعضها:

1 ـ صلاة الفاتح بين المعتقد والمنتقد (ط)

2 ـ تعريف الأقران بأحكام سجود القرآن (ط)

3 ـ حكم الإسلام في تجارة الذهب (ط)

4 ـ النصح الاوفى (ط)

5 ـ القول الأرشد (ط)

6 ـ شرح سورة القدر (ط)

7 ـ الاستعاذة والحسبلة ممن أنكر السيادة في الهيللة

8 ـ النصائح الغالية بذكر شروط الطريقة التجانية

9 ـ البشائر والتهاني في رسائل الشيخ التجاني

10 ـ الموسوعة الإحسانية في النصيحة لبني الإنسانية (أحب المؤلفات إليه ولكن لم يطبع)

11 ـ القول السديد في الرد على المنكر العنيد

12 ـ زجر الجاني عن التصوف التجاني

13 ـ الرسالة المقروءة والمسموعة

14 ـ شرح الهمزية (لم يتم)

15 ـ شرح آيات الصيام

16 ـ سلسلة فى الخطب المنبرية

17 ـ شرح العمل في الإسلام وتكريم اليد العاملة

18 ـ التصوف الإسلامي هو النور أمامي

19 ـ شرح حديث “إنما الأعمال بالنيات”

20 ـ شرح حديث “الدين النصيحة”

21 ـ فهرس “سير أعلام النبلاء”

22 ـ منظومة “في مرآة الزمان”

23 ـ رسالة لطيفة في اللغات الموجودة في القرآن

24 ـ مذكرة حول الصناعة التقليدية

25 ـ فهارس “فتح الباري” مع “البخاري”، (وهو أفضل ما له حسب شهادته)

26 ـ أصدق النصح والوفاء ببيان بعض آداب الدعاء

27 ـ الصحبة ببيان آداب الذكر في الحضرة والخلوة

28 ـ التحفة في آداب الصحبة والأخوة

29 ـ بلوغ الأرب في صفة المريد وما يلزمه من الأدب

30 ـ مبشرات تفرح القلوب بذكر بعض ما يكفر الذنوب

31 ـ الترجمة الميمونية الوافية بذكر السيرة الذاتية

32 ـ الفخر والزهو بمعرفة بعض أحكام في الوضوء وسجود السهو

33 ـ الويثقة في فقه الطريقة

34 ـ القول الفصل في التحذير من أقوال أهل الجهل

35 ـ التوجيه الصحيح

وغير ذلك، وقد خصني رحمه الله ببعضها مما لم يطبع هدية وإكراما، إذ كان بيني وبينه مودة وإخاء، زيادة على المشيخة والتربية والنصح التام، وآخر كلام بيني وبينه كان يوم عيد الأضحى الأخير، لما اتصلت به وهنأته بالعيد ودعا لي كعادته ولأهل بيتي وطلب مني الدعاء بإلحاح…

فنسألك اللهم بجاه أسمائك الحسنى وصفاتك العليا وجاه صاحب الجاه عندك سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن تمن على فقيدنا الشريف الميموني برحمة منك تسعده في قبره وتنور له روضته وتجعله في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، اللهم اكتبه بما مات به من الشهداء، وألحقه بهم في مستقر ربحمة عندك يا أرحم الراحمين آمين يا رب العالمين.

والعزاء يبلغل أنجاله البررة الصالحين وبناته الكريمات والله يصبرنا ويإياهم على هذا المصاب، وكفى بالله وكيلا، وكفى بالله حسيبا.

عزيت نفسي فيه فقلت:

بِدُمُوعِ الْحُزْنِ عَلَى حِبِّي    اَلْمَيْمُونِي عَيْنِي سِيلِي

فَذَهَابُهُ ثَلْمَةُ ذَا الدَّهْرِ         فَابْكِيهِ الظُّهْرَ وبِاللَّيْلِ

لَكِنْ قُولِي إِنَّا لِلَّــــــــــــ    ــهِ وّإِنَّ لَهُ الرُّجْعَى قُولِي

 

عدنان_زهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى