كلمة
سماحة الشيخ الشيخ
الشريف إبراهيم صالح الحسيني
رئيس هيئة الإفتاء، بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في نيجيريا، وجماعة نصر الإسلام
رئيس المجلس الإسلامي النيجيري
بمناسبة
إفتتاح الملتقى الدولي الثالث
للمنتسبين إلى الطريقة التجاتية
في الفترة من 14 إلى 16 رجب 1435 هـ
الموافق لـ 14 – 16 2014 هـ
فاس
المملكة المغربية
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعه ووالاه
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة:24].
ويقول أيضا:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[الحشر:10].
ويقول:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[النور: 55-56].
وقال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة:5].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه، قال: إن الله تعالى قال:(من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري.
وعن الضحاك بن قيس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أخلصوا أعمالكم لله، فإن الله لا يقبل إلا ما خلص له). رواه الدارقطني بإسناد صحيح.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم، وأطيعوا ذا أَمْرِكُمْ، تدخلوا جنة ربكم). رواه الترمذي، وابن حبان، والحاكم في (المستدرك).
وعن حنظلة بن الربيع رضي الله عنه؛ أحد كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ فقلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكرنا بالنار والجنة كانا رأي عين، وإذا خرجنا من عنده عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، ونسينا كثيرا. قال أبو بكر: فو الله إنا لنلقى مثل ذلك. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال: وما ذاك؟ قلت: نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كانا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيرا. فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة، ثلاث مرات). رواه مسلم في الصحيح.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ترضين أحدا بسخط الله تعالى، ولا تحمدن أحدا على فضل الله عز وجل، ولا تذمن أحدا على ما لم يؤتك الله تعالى، فإن رزق الله تعالى لا يسوقه إليك حرص حريص، ولا يرده عنك كراهة كاره، وإن الله تعالى، بعدله وقسطه جعل الروح والفرج في الرضا واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط). رواه الطبراني (في الكبير)، وابن حبان (في صحيحه)، والقشيري (في الرسالة) بدون إسناد
حال الزوايا في العصر الحالي
كان عمل المقدمين في الزوايا، – في السابق- ينحصر في توجيه المريدين لعمارة الأوقات بالفرائض، وبالأذكار، وبالوظيفة، وبالوردين، وإذا كان هناك وقت باق يملئونه بالأوراد الإختيارية، وفي يوم الجمعة يقيمون حضرة ذكر الجمعة، ويوجهونهم للتعلم، وقراءة القرآن، وهذا شيء طبيعي. وهو يسري حتى على الطرق والزوايا الصوفية غير التجانية. وكان الأمن مستتبا في أكثر البلدان الإسلامية، ولم تظهر الفتن وتنتشر بالصفة التي نشهدها اليوم. وكان كل مقدم مختص بزاويته، ومختص بمريديه وتلامذته. ونظرا لتغير الأحوال في هذا العصر، كان لزاما على خلفاء الطريقة التجانية، ومشايخها، ومقدميها أينما كانوا أن يستيقظوا ويفيقوا وينهضوا للقيام بمسئولياتهم التاريخية تجاه هذه الأمة، وتخليصها مما وقعت فيه.
ظهور بعض البدع والمحدثات بين المنتسبين إلى التصوف عامة والتجانيين بصفة خاصة
لقد ظهرت في الآونة الأخيرة بعض التصرفات الشاذة من بعض المنتسبين إلى التصوف عامة، وإلى الطريقة التجانية بصفة خاصة، وهي تعد من قبيل الشطحات المخالفة لقواعد الأولياء، ولمبادئ الزوايا القائم أمرها على كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالطريقة التجانية، لا تحتاج إلى منافسة الطرق الأخرى، بمعنى المنافسة على وجه الحسد، وبمعنى إظهار التمايز، أو التميز. فهذه الطريقة لا تعادي الطرق الأخرى، ولا تنازعها في ما من الله به عليها. كذلك نحن كتجانيين نحترم جميع الأولياء. وأما الحديث عن تفاوت الأولياء، وعن فضلهم، وعن تفضيل بعض الناس، على بعض الناس فلا مجال للخوض فيه؛ لأنه يرجع إلى فضل الله الذي يختص بعلمه هو وحده. وكل ولي من الأولياء له مرتبة عند الله، يجب أن تحترم، ويجب أن تراعى الخصائص التي يمن الله بها عليه من خصوصية العلوم أو الكرامات.
وخلفاء الشيخ التجاني رضي الله عنه، صحيح أنهم متفاوتون، لكن ما حصل عليه كل واحد منهم من الفتح والمعرفة، فشيء كاف يكفي لهداية الدنيا كلها. وما عند كل واحد منهم من النعمة كبير، لا يجب عليه إلا حمد الله عليه وشكره. ومن هنا، فإنه لا يجوز أن نخلق عداوات وهمية بين المقدمين والمشايخ عن طريق التفاوت بينهم؛ يقول بعضهم جهلا، أو زيفا أن فلانا، أفضل من فلان، أو كذا وكذا. مما يعمل الآن، وهذا خطأ لا ينبغي السكوت عليه.
إهتمامات أهل الطريقة التجانية
ينحصر هم أهل الطريقة التجانية في:
- الذكر، وإخلاص العبادة، وإسلام الوجهة لله تبارك وتعالى، والتربية والتزكية للنفس حتى تصفو، والقلوب حتى تنجلي، وتصل إلى مرتبة قبول التجلي من الحق تبارك وتعالى، والتحقق بالتوحيد المحض، المخلص، المجرد، وعدم الإلتفات إلى الأغيار، أو الوقوف معها، إضافة إلى العمل الميداني. وكذلك العكوف على قراءة القرآن، وتعلم العلم، ونيل فنون المعرفة، كتابا، وسنة، وفقها، وحديثا، أصولا، وفروعا، إلى آخره. ثم الخروج إلى تعليم هذا العلم إلى الآخرين، فيبذل المريد الْمَعْنِيُّ جهده لنقل هذا التعليم للآخرين؛ إلى مستحقيه من المسلمين. فهذه الأشياء مهمة جدا يجب أن يعرفها التجانيون.
- الابتعاد عن كل بدعة، وكل محدثة، فالتجانية طريقة سنة، (موضوع الكرامات، والشطحات، والتظاهر بالمقامات، والتنافس، وخلق العداوات بين المقدمين؛ إذا ظهر من أي إنسان فإنما يدل على إظهار عجزه! فهذه الأشياء ليست من هدي الصالحين ويجب الابتعاد عنها).
- المحافظة على حرمة الشيخ التجاني، وكذلك المحافظة على مراتب أهل المراتب من أهل طريقته، فلابد من المحافظة على حق الله تبارك وتعالى، وهو الخالق، الواحد الأحد، الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. ولابد من المحافظة على حقوق الأنبياء والرسل، وحق رسول الله عليه الصلاة والسلام. فهو رسول الله، ومصطفاه، ومجتباه من خلقه، أرسله كافة للناس بشيرا ونذيرا، وأرسله رحمة للعالمين، فيجب أن تحمى مرتبة هذا الرسول، فلا يتجرأ على خصوصيته شاطح أو مجذوب، بل لا يقع في ذلك إلا مخذول، وكذلك ما يخصه من آل بيته، وزوجاته، وذريته، وكل أهل الخصوصية الذين جمعهم الله به، من أصحابه، ومن تبعهم بإحسان. فيجب على التجانيين احترام كل هذا. قال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:100].
- إن الشيخ التجاني رضي الله عنه، هو قمة هذا الأمر مهما نال من جاء بعده من الكمالات والكرامات، فهو أقل شأنا منه، فهو شيخ الطريقة وإمامها، وكل من جاءوا بعده تبعا له، فيجب أن تحفظ مكانته، وأن تحفظ حرمته، ألا يتلاعب بها بعض أصحاب الأهواء، ممن انجرفوا وراء الشطحات الكاذبة غير الصادقة.
- وكذلك، الطريقة التجانية هي مصدر كل خير، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وتقوم القيامة، ولا يزال لله فيها آيات تظهر آية بعد آية، وهي كلها من كرامات الشيخ التجاني رضي الله عنه، كما يقول الشيخ عثمان طن فوديو بالنسبة لشيخه جبريل بن عمر:
إِنْ قِيلَ فِيَّ بِحُسْنِ الظَّنِّ مَا قِيلَا فَإِنَّمَا أَنَا مِنْ حَسَنَاتِ جِبْرِيلَا
وهكذا إن قيل في أي خليفة، أو مقدم، ما قيل بحسن الظن إلا أنه من حسنات مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه، لا زيد ولا نقص.
والتجاني لا يكون ثرثارا، ولا متشدقا، ولا متفيقها. وفي الحديث عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن من أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مني مجلسا يوم القيامةِ، أَحَاِسِنُكُمْ أَخْلَاقاً، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مني مجلسا يوم القيامةِ، الثرثارون والمتشدقون وَالْمُتَفَيْهِقُونَ. قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والْمُتَشَدِّقُونَ، فما الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قال: المتكبرون”. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب، ورواه أحمد، والطبراني، وابن حبان، في صحيحه؛ من حديث أبي ثعلبة، قال: والثرثار: ثاءين مثلثتين مفتوحتين وتكرار الراء، هو الكثير الكلام تكلفا. والمتشدق: هو المتكلم بملء شدقيه تفاصحا وتعاظما واستعلاء على غيره، وهو المتفيهق أيضا.
وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار”. رواه أحمد، بإسناد حسن، وابن أبي الدنيا، والطبراني، وغيرهم.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:” من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة”. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وابن أبي الدنيا، وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ، ولفظه: ” من ذب عن عرض أخيه، رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة، وتلا رسول الله صلى الله عليه:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.
وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم،:” من حمى مؤمنا من منافق أراه، قال: بعث الله ملكا يحميه يوم يوم القيامة من نار جهنم. ومن رمى مسلما يريد به شينه، حبسه الله، على جسر جهنم حتى يخرج بما قال”. رواه أبو داود وابن أبي الدنيا.
وعن جابر بن أبي طلحة الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما من امرئ مسلم يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وتنتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يُحِبُّ فيه نصرته. وما من مسلم ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه حرمته، إلا نصره الله في موطن يُحِبُّ فيه نصرته”. رواه أبو داود، وابن أبي الدنيا، وغيره، وإسناده حسن.
فالتجانيون جميعا ينتسبون إلى طريقة واحدة، إلى منهج واحد هو منهج الشيخ التجاني، فيحبون بقدر هذا الانتساب. أما التنقيب في أن فلانا أفضل من فلان، وفلان، أرسخ من فلان، هذا شيء يملكه الله وحده لا شريك له، ولا يشاركه فيه أحد. ولذلك يكون الخوض فيه أمرا يوغر القلوب، ويورث صاحبه السخط من الله تبارك وتعالى، والذنوب، ثم إنه في الحقيقة، يظهر عيوب من اشتغل به، ويدل على فراغ قلبه من العزم والإخلاص.نسأل الله السلامة والتوفيق.
وكل زاوية، يجب أن تهتم بهذا. وما يخص الطريقة التجانية، لم يترك الشيخ التجاني رضي الله عنه شيئا إلا بينه، وما يخص الطرق الأخرى فأهلها أبصر بها. نحن لا نعترض عليهم، بل ولا نتدخل في شئونهم، ولا تعترض عليهم، ونحسن الظن بهم.
- إدراك أن الهجوم على أهل الزوايا، عن طريق أولئك الذين يعترضون على الأولياء والصالحين، ولكن لبعضهم أسباب، ومن هذه الأسباب أن حركات أنصار المشايخ أنفسهم وتنقلاتهم وزياراتهم أغلبها أصبحت مبنية على المصلحة الدنيوية؛ ليس بحثا عن الملك، وإنما هي مصلحة مادية نقود، أو مال من أجل النفقة وما أشبه ذلك. وطبعا هذا بالنسبة لغير الصوفية في الحقيقة لا يضر بخلاف الصوفية لأنهم أصلا لم يبنوا أمرهم على هذا, بل يقومون بمهمة التنقل لنشر الإسلام، ونشر الدين، ويقومون بكل هذا لا من أجل المادة. أما الآن وقد دار الزمان دورته، وتغيرت الأمور فبدأنا نرى بعضهم يزور ويتنقل لهذا الأمر بحيث انقلبت الآية، فأصبحنا نتنقل ونتحرك من أجل المصالح الدنيوية، مع العلم بأن ذلك مخالف لمبدأ التصوف.
ضرورة التعاون والتضامن والتناصر وتناسي الخلافات بين المشايخ والمقدمين في الزوايا
يجب على التجانيين بالإضافة إلى المحافظة على الأوراد والأذكار، وعمارة الأوقات بالعبادات وتعليق قلوب المريدين بالله تبارك وتعالى، عن طريق التربية والذكر، المحافظة على الإسلام كله، ولا بد من أن يتناسوا الخلافات، والخصومات. وكون الشيخ المقدم في محله يرى أن أعداءه هم أهل طريقته الذين عندهم زوايا أخرى فهذه نظرة خاطئة إلى التصوف والطريق وسلوكياته. ويجب أن تختفي وإلى الأبد. ولا نقول بأن الشيخ، أو المقدم بمجرد أن يذهب ويتكلم للناس يجب عليهم أن يتبعوا كلامه، فالأمر ليس كذلك؛ لأن اختلاف وجهات النظر سنة من سنن الله تبارك وتعالى في البشر. يقول الشاعر:
وللناس فيما يعشقون مذاهب وحكمة ربي في اختلاف المشارب.
فكل شخص له رأي خاص به يتبعه، ويعرف أنه يستفيد منه غيره. لكن بالخلق الحسن، والحال الطيبة والحكمة البالغة وستصل فكرتك للناس إن شاء الله، ويستطيع أن يفكر فيها الناس ويصلحوا. لأن الإصلاح مهم لك ولغيرك من جميع فئات المسلمين.
الخلاصة
وإحساسا منا بضرورة مضاعفة الجهود في سبيل إصلاح مجتمعاتنا التي أصبحت تعاني الكثير من الأزمات والتحديات، وتنخر فيها جراثيم الانحرافات والاختلافات، نظرا لما شاب حياة الأمة من انحرافات وتشوهات في مسيرتها الفكرية، وفي جوانب حياتها الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، مما جعلها تتلفت يمنة ويسرة بحثا عن طريق الخلاص وشعاع الإصلاح الذي يعيد إليها صفاءها ونقاءها ويقودها إلى ما فيه خيرها وسعادتها.
واستشعارا منا لحقيقة أن التطورات والمستجدات التي تزخر بها الساحة الإقليمية والعالمية، وما تفرزه من نتائج وتداعيات، قد أوجبت على كل المخلصين الغيورين من أبناء هذه الأمة أن يبذلوا قصارى جهدهم في سبيل تصحيح مسار الأمة، وترشيد بذل طاقاتها، ليكون تطلعها المشروع نحو التحرر والتغيير مؤديا إلى الأفضل وليس إلى الأسوأ الذي قد تجد فيه بعض التيارات المنظمة فرصة لطرح نفسها كبديل جديد مع افتقارها إلى المنهج السليم فتكون النتائج مأساوية على النحو الذي رأيناه في بعض الدول.
وانطلاقا من قناعتنا الراسخة بأن التصوف الإسلامي القويم هو السبيل الأمثل لمعالجة الإشكالات الراهنة والأزمات المزمنة التي تعاني منها أمتنا، أفرادا وجماعات، باعتبار أن الهدف الأول والأخير للتصوف الإسلامي منذ نشأته في القرون الأولى هو إصلاح النفوس وتهذيبها وتزكيتها والارتقاء بها إلى ما يريده خالقها جل وعلا، على هدي نبيها المصطفى المختار عليه أفضل الصلاة والتسليم، لاسيما وأن أمتنا قد جربت العديد من الحلول الأخرى، الداخلية منها والمستوردة، ولكنها لم تجد فيها العلاج الناجع الذي تنتظره في إكسابها الطمأنينة والاستقرار النفسي المنشود.
وإيمانا منا بأن المنهج الذي أرساه أئمة الطريقة التجانية؛ بدءا من شيخنا ووسيلتنا إلى ربنا سيدي الشيخ أحمد بن محمد التجاني رضي الله عنه، الذي كان رمزا من رموز الإصلاح والتجديد والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، مع التمسك التام والالتزام الصارم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جاء بعده من الخلفاء المنتشرين في جميع أنحاء العالم، وخاصة في هذا العصر، وانتهاء بما أصَّلَهُ وأوضحه بعض أكابر خلفاء الشيخ في هذا العصر حفظهم الله، في كثير من مؤلفاتهم وعملوا على إرسائه طوال مسيرتهم العلمية المباركة، وبجهودهم العملية التطبيقية التي جمعوا فيها بين القول والعمل في رفعة راية الإصلاح والتجديد موقِفين حياتَهم لتجديد ما اندرس من معالم الدين، وتصحيح ما اعوج من مبادئ التصوف، ورتق ما انفتق من كيان الأمة وبناء مقوماتها ، نقول : إيمانا بأن هذا المنهج هو أمثل المناهج وأقربها إلى تحقيق الإصلاح المنشود.
انطلاقا من كل هذه الاعتبارات فإننا نرجو أن يسعى الجميع لتحقيق الأهداف الآتية:
- تقديم منهج التصوف الإسلامي كمنهج إسلامي أصيل للتزكية والإصلاح الشامل، وهو كفيل بمعالجة المشاكل والأزمات التي تعاني منها الأمة الإسلامية خاصة والمجتمعات الإنسانية بصفة عامة.
- تصحيح اتجاه دعاة الإصلاح في العالم الإسلامي وتوجيه جهودهم نحو منهج إصلاحي عملي يقوم على تغيير النفوس وتزكيتها، وتوجيه طاقات الأمة إلى آفاق التنمية والبناء في شتى مجالات الحياة، بدلا من استفراغ الطاقات في مساعي تغيير الحكام، والاكتواء بحمى الصراع على السلطة تحت شعارات مختلفة.
- إبراز الصورة المشرقة للتصوف الإسلامي عامة والطريقة التجانية خاصة، وتأكيد ارتباطهما بالكتاب والسنة، وتصحيح المفاهيم السلبية عنهما في أذهان بعض الناس، ولقطع الطريق لهؤلاء المحرفين المبدلين بالتكفير والتبديع والتضليل مما يفرق الأمة، ويصيب وحدتها في المقتل..
- الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والتصدي لكل التيارات المعادية للإسلام، أو لمنهج التصوف والطريقة التجانية بالوسائل الشرعية المناسبة الكفيلة بإظهار الحق ودحض الباطل بفهم صحيح أصيل يتناسب مع مناهج سلفنا الصالح في الدعوة والإصلاح والإرشاد.
- بذل المساعي لتوحيد المسلمين عامة والتجانيين خاصة، وتعزيز روح التسامح والتعايش السلمي، والعمل على إزالة الخلافات، ووضع الأسس المناسبة لمعالجة أي مشاكل قد تحدث بينهم –لا سمح الله- ولإزالة جميع الفوارق بين التجانيين وغيرهم من أصحاب الطرق الأخرى.
- نشر وتعليم القرآن الكريم والعلوم الإسلامية ومبادئ التصوف وحقائق الطريقة التجانية بالأساليب المناسبة والمتسقة مع روح العصر ومقتضياته.
- إحياء الدور التاريخي الريادي للزوايا التجانية، لتكون مراكز إشعاع روحي وحضاري تعمل على تخريج الدعاة والأئمة والمرشدين المتمتعين بخصائص العلماء الربانيين في إرشاد الناس وتوجيههم.
- التعريف بجهود الأئمة من شيوخ الطريقة التجانية في مجالات الإصلاح والتربية وتزكية النفس وغيرها من المجالات، قديما وحديثا، والعمل على إبراز مكانتهم وآثارهم المباركة لتأخذ مكانها الطبيعي بين مكونات التراث الإسلامي المجيد لهذه الأمة.
- معالجة جوانب القصور الذاتي لدى المنتسبين إلى الطريقة التجانية وأهل التصوف عامة، والعمل على الارتقاء بمستوياتهم العلمية وتأهيلهم في مختلف المجالات التي يحتاجون إليها في حياتهم الدنيوية والأخروية.
- العمل على تقديم رؤية علمية واضحة تقوم على استلهام قيم ومبادئ التصوف الإسلامي في مناهج التربية والتعليم من أجل بناء الإنسان المسلم المزود بالطاقات الإيمانية النافع لدينه وأمته ومجتمعه.
- محاربة العادات الاجتماعية الضارة وتقديم البديل الإسلامي المناسب لها دون تطرف، أو اعتقاد مناف لمنهج الاستقامة الذي أجمع عليه السلف الصالح من عهد الصحابة، والتابعين، وفقهاء الآخرة الصالحين المصلحين من المحققين والأتقياء والعارفين.
- العناية بالمرأة المسلمة وشرائح الشباب والطلاب والإلمام بمشاكلهم وتقديم الحلول المناسبة لها بما يعصمهم من الضلال والانحراف، ويمكنهم من أداء دورهم في النهوض بقضايا أمتهم.
- المساهمة في كل ما يخدم المجتمعات الإسلامية، والتصدي لثالوث الجهل والفقر والمرض، وتزويد المسلم بالأدوات المشروعة المناسبة للتعامل مع هذه الأزمات والأوبئة، وقاية وعلاجا.
- فتح وتفعيل قنوات التواصل والتنسيق والتعاون مع كل الجهات والهيئات ذات الأهداف المماثلة، من أجل تجسيد الوحدة والتنسيق بين المنتمين إلى الطرق الصوفية، وصولا إلى تحقيق الوحدة في مستوياتها الممكنة بين مكونات الأمة الإسلامية، عن طريق تكثيق العمل في المجالات الآتية:
- الدعوة إلى الإسلام والتمسك بتعاليمه
- التربية الروحية
- التعليم
- تحقيق الاكتفاء الذاتي في الجانب الاقتصادي
- الإعلام الهادف
- العمل الاجتماعي العام
- لإصلاح السياسي
وفي نهاية هذه الكلمة نتوجه بخالص الشكر والتقدير لشعب المغرب الكريم المضياف للحفاوة البالغة والكرم الفياض التي لقيناها منذ وطئت أقدامنا تراب هذا البلد العريق. كما نشيد بدور أحفاد سيدي الشيخ أحمد بن محمد التجاني، وعلى رأسهم الخليفة سيدي محمد الكبير، وكذلك بالشكر الجزيل عرفانا منا بما تقدمه دائما وأبدا وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، وعلى رأسها السيد الحكيم الأمين معالي السيد الوزير الدكتور/ أحمد التوفيق، وعلى رأس الجميع صاحب الجلالة، أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين، الملك محمد السادس أيده ونصره، الذي أكد بالفعل أنه النموذج الحي لخلفاء المسلمين وأيمتهم، والرمز المتميز الذي تفخر به أمتنا الإسلامية، حفظ الله جلالة الملك ورعاه.
وشكرا للسادة الحضور، مقدمين ومريدين
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
فاس
14 رجب، 1435ه
14 مايو، 2014م