لنفهم حقا أن رمضان شهر القرآن
الخطبة الأولى
*الحمد لله على نعمة الاسلام و كفى بها نعمة *و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد السبب في كل خير و منة * و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،*ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله ﷺ من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته والتابعين، ومن استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين.
* أما بعد ،
عباد الله : كلنا يعلم أن رمضان شهرُ القرآن، فكيف فهمنا ذلك؟ و كيف عملنا بمقتضاه؟ لقد كان عليه الصلاة والسلام يُكثر في رمضان من قراءة القرآن ومُدارسَتِه مع جبريل عليه السلام ، وكان لذلك ﷺ أجودَ ما يكون بالخير ـ (أي بالمال)ـ في رمضان، فلَهُوَ أجودُ من الريحِ المرسلة حين يُدارسُهُ جبريلُ عليه السلام القرآن، ويكفي في فضل شهر رمضان أن الله تعالى يقول:﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ ﴾[ سورة البقرة الآية : 185] فمن كرامةِ هذا الشهر على الله عزَّ وجل أنه أنزل فيه القرآن، ومن حُرمتِه و فضيلته أن الله سبحانه سنَّ لقراءته آدابا. منها: حُسْنُ الاستماع والإنصاتِ إليه فلعلَّ الله سبحانه وتعالى يتجلَّى على قلب القارئ والسامع برحمته، ألم يقل عز شأنه:﴿وَإِذَا قُـُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [ الأعراف 204 ] ومنها: تدبُّرُه و تَفَهـُّمُه، قال تعالى:﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾[ محمد الآية :24 ]. ومنها: تعظيمُ القرآن،فكيف لا؟ وقد وصف الله سبحانه القرآنَ بأنه عظيم، فقال تعالى:﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ)[الحجر 87 ] فإذا وصفه الله ـ وهو العلي العظيم ـ بأنه عظيم، أفلا يَجْدُر بنا أن نعظِّمَه؟ ومنها: أن نستعيذ بالله إذا نحن أردنا تلاوته، من كلِّ شيطانٍ رجيم، ومن وسوسةِ كلِّ لعين، فقد أمر الله بذلك إذ قال:﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾[النحل 98 ].
ـ هذا، وقد أمرنا سبحانه أن نقرأ القرآن في أوقات السَّحَر، فقال سبحانه:﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ، وَقـُرْآَنَ الْفَجْرِ، إِنَّ قـُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾[الإسراء78]، كما بَيَّنَ سبحانه أن في القرآن شفاءٌ لنفوس المؤمنين ورحمةٌ لهم فقال تعالى:﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء 82 ] .و قد تولَّى الله سبحانه تيسيرَ تلاوتِهِ، وحفظِه للمُوَفّـَقِين من عباده فقال تعالى:﴿ وَلَقَدْ َسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾[القمر 17]، فكيف لا نخشع للقرآنِ ـ يا عباد الله ـ والجبالُ الشامخة تخشع له لو أُنْزِلَ عليها ؟! ﴿لَوْأَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾[الحشر 21] . أيها المؤمنون: تلك آياتُ القرآن تتحدث عن القرآن، أما نبينا الكريم ﷺ فقال عن هذا الكتاب العظيم:(من قرأ القرآنَ ثُمَّ رأى أن أحداً أوتي أفضلَ مِمَّا أوتيَ فقدِ استصْغَرَ ما عظَّمَهُ الله)[رواه الطبراني].وقال ﷺ:(ما مِنْ شفيعٍ أفضلُ منزلةً عند الله تعالى من القرآن)(حديث مرسل)،وقالصلى الله عليه وسلم:(أفضلُ عبادةِ أمتي تلاوةُ القرآن)(البيهقي في شعب الايمان) وقال صلى الله عليه وسلم:(خيرُكُم من تعلَّمَ القرآنَ وعلَّمَهُ) (صحيح البخاري) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقولُ الربُّ عز وجل: من شَغَلهُ القرآنُ وذكرِي عن مسألتِي أعطيتُهُ أفضلَ ما أعْطِي السائلين، وفضلُ كلامِ اللهِ على سائرِ الكلامِ كفضلِ اللهِ على خلقِهِ) (رواه الترمذي). وقال ﷺ:(ثلاثةٌ على كثيبٍ من مسكٍ أسودَ يوم القيامة، لا يهولهُمْ الفزعُ، ولا ينالهم الحسابُ :1ـ رجلٌ قرأ القرآنَ ابتغاءَ وجهِ اللهِ وأمَّ به قوماً وهُمْ به راضون(يعني ليسوا كارهين لأن من أمَّ قوماً وهم له كارهون لا تتجاوز صلاته أذنيه يعني لا تُرفع و لا تُقبل). 2ـ ورَجُلٌ أذّنَ في مسجدٍ، دعاً إلى الله ابتغاءَ وجهِ الله. 3ـ ورجُلٌ ابتُلِي بالرِّقِّ في الدنيا فلم يشغَلـْهُ ذلك عن طلبِ الآخرة)(رواه البيهقي في “شعب الإيمان”). وقال ﷺ:(إن القلوبَ تصدأ كما يصدأ الحديدُ، فقيل: يا رسول الله وما جِلاؤُها؟ قال: كثرةُ ذِكْرِ الموتِ و تلاوةُ القرآن)، و قال ﷺ:(لا يحزنُ قارئ القرآن)(السيوطي في الجامع الصغير)، فهلا تأملتم يا عباد الله هذا الحديث: نعم صدق عليه الصلاة و السلام أنَّى للحُزْنِ أن يتسرَّبَ إلى قلبِ قارئِ القرآن وكيف يحزنُ إذا كان يوحِّدُ الله؟وَكيف يحزن إذا كان يرى اللهَ قبلَ ومعَ و بعدَ كُلِّ شيْءٍ، وبيدهِ كلُّ شيء، وإليه المصير؟ فإذا كان الله عنك راضياً يا قارئَ القرآن فما الذي يحزنُك؟ و إذا كان الله عنك راضياً يا قارئ القرآن فمن الذي يُخيفك؟ ألا يكفيك يا قارئ القرآن قوله تعالى:﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً] [ النحل: 97 ] ، فالمصيبة كلُّ المصيبة أن يكون همُّ قارئ القرآن رضا الناس و استجلابُ ما في جيوبهم من مال،والنبي ﷺ يقول:(القرآنُ غِنىً لا فقر بعده،ولا غنىً دونه)(رواه أبو يعلى عن أنس)، فإن شعرتَ يا أخي القارئ أنك محروم فلست تقرأ القرآن،لأن مِنْ علامة تلاوةِ كتابِ الله كما أراده سبحانه أن يُتلى أن تحسَّ بالغنى:غنى النفس الذي لا حدود له. جعلني الله و إياكم ممن استغنى بالقرآن واستأنس به و تلاه حق تلاوته، و رُزِقَ حُسنَ الفهمِ لمعانيه، وحُسْنَ العمل بما دعا إليه و الوقوف عما نهى عنه. آمين
سبحان ربك رب العزة عما يصفون .
و سلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين