مقالات

فضائل أصحاب الشيخ التجاني رضي الله عنه

يخص الله خلقه بخصائص لا دخل للعقول فيها، داخلة تحت قول الله تعالى ” ذلك فضل الله يوته من يشاء “، يسرد علينا سيدي العربي بن السائح في كتابه بغية المستفيد ما خص اله تعالى أصحاب الشيخ التجاني من خصائص، تابعها بتسليم الأمور لدويها.

فضائل أصحاب الشيخ التجاني رضي الله عنه

• فَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الأُولَى، فَهِيَ فِي [الْجَامِعِ]، وَعَدَّهَا مُؤَلِّفُهُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ مَنَاقِبِ سَيِّدِنَا رضي الله  عنه فَقَالَ: “وَمِنْ مَنَاقِبِهِ رضي الله  عنه أَنَّ أَصْحَابَهُ الدَّاخِلِينَ فِي طَرِيقَتِهِ لَهُمْ مَرَاتِبُ يَوْمِ الْقِيَّامَةِ أَكْبَرُ مِنْ مَرَاتِبِ الأَوْلِيَّاءِ” اهـ.
وَتَعْبِيرُ النَّاظِمِ بِالأَقْطَابِ، تَبِعَ فِيهِ مَا فِي بَعْضِ الْوَجَادَاتِ لِمَنْ لاَزَمَ سَيِّدَنَا رضي الله  عنه مِنْ خَاصَّةِ الأَصْحَابِ. عَلَى أَنَّ مَا فِي الْجَامِعِ يَتَنَاوُلُهُ بِعُمُومِهِ، لأَنَّ لَفَظَ الأَوْلِيَّاءِ عِنْدَ الإِطْلاَقِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ بِمَفْهُومِهِ.
وَقَوْلُ النَّاظِمِ هُنَا “مِنْ طِيبِهِ قَدْ طَابُوا” كَالتَّعْلِيلِ لِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ السَّنِِيَّةِ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ، -أَعْنِي أَصْحَابَهُ الدَّاخِلِينَ فِي طَرِيقَتِهِ رضي الله  عنه- إِنَّمَا نَالُوا هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ عَلَى أَكَابِرِ الأَوْلِيَّاءِ، مِنْ أَجْلِ مَقَامِهِ الأَرْفَعِ الذِي لاَ مَطْمَعَ فِيهِ لِغَيْرِهِ مِنْ كُمَّلِ العَارِفِينَ الأَتْقِيَّاءِ.
وَكَأَنَّ النَّاظِمَ رَمَزَ بِهِ إِلَى مَا ثَبَتَ عَنْ بَعْضِ الخَاصَّةِ مِنَ الأَصْحَابِ، الْمُشَارِ إِلَيْهِمْ بِالْفَتْحِ بَيْنَ الإِخَوَانِ وَالأَحْبَابِ، مِنْ أَنَّهُ تَلَقِّى عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الاِخْتِصَاصِ مِمَّنْ كَانَ يَرَى النَّبِيَّ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  وَكَانَ إَذْ ذَاكَ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، عَلَى مُشَرِّفِهَا أَفْضَلُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، أَنَّ مِمَّا أَكْرَمَ اللهُ بِهِ سَيِّدَنَا رضي الله  عنه وَتَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِ مِنَ الْخُصُوصِيَّةِ التِّي يَعِزُّ مِثْلُهَا وَوَجُودُهَا لِغَيْرِهِ، إِلْحَاقَ أَصْحَابِهِ بِدَرَجَتِهِ وَرُتْبَتِهِ فِي جَمِيعِ مَقَامَاتِهِ التِّي لاَ يَزَالُ مُتَرَقِّيّاً فِيهَا إِلَى أَبَدِ الآبَادِ، فَلاَ يَرْتَقِي [مِنْ مَقَامٍ] مِنَ الْمَقَامَاتِ حَتَّى يَحْصُلَ الْمَقَامُ الذِّي قَبْلَهُ بِمَزِيَّةِ الإِلْحَاقِ لاِتِّبَاعِهِ رضي الله  عنه، وَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ، مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى، كَلَمَا تَرَقَّى مِنْ مَقَامٍ إِلَى مَا فَوْقَهُ، خلََّفَهُ فِيهِ أَصْحَابُهُ وَأَتْبَاعُهُ دَائِماً أَبَداً.
وَمَزِيَّةُ الإِلْحَاقِ التِّي أَشَرْنَا إِلَيْهَا، هِيَ الْمُسْتَأْنَسَ لَهَا عِنْدَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ]وَالَّذِينَ ءامَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانِ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّّيَّاتِهِمْ[ الآيَةِ، قَالُوا: فَكَمَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُلْحِقُ بِالْمُؤْمِنِينَ ذُرِّيَّاتِهِمْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْفَضْلِ وَإِنْ لَمْ يُسَاوُوهُمْ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَكَذَلِكَ يُلْحِقُ مَنْ شَاءَ مِنَ الأَتْبَاعِ لِمَتْبُوعِهِمْ فِي الْفَضْلِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكُوا دَرَجَتَهُ فِي الْعَمَلِ.
وُيُشِيرُ إِلَى هَذَا الإِلْحَاقِ مَا أَخْرَجَهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ البَنَّانِي عَنْ أَنَسٍ رضي الله  عنه قَالَ “جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  فَقَالَ: “يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى السَّاعَةٌ” قَالَ: »وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا» قَالَ: “حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ”، قَالَ: »فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». قَالَ أَنَسُ: “فَمَا فَرِحْنَا بَعْدَ الإِسْلاَمِ فَرَحاً أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِِّي  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  “فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ”. قَالَ أَنَسُ: “فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ، وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ. فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ”. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ “وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ” تَتَّضِحُ لَكَ هَذِهِ الإِشَارَةُ.
ثُمَّ إِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ تَكُونَ مَنْزِلَةُ الْمُلْحَقِ وَجَزَاؤُهُ مِثْلُ مَنْزِلَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَافْهَمْ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْكَرَامَاتِ لِسَيِّدِنَا رضي الله  عنه وَإِنْ كَانَ يَعْزُبُ فَهْمُهَا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ كَغَيْرِهَا مِنْ جُلِّ كَرَامَاتِهِ رضي الله  عنه وَكَرَامَاتِ طَرِيقِهِ الْمُبَارَكَةِ السَّنِيَّةِ. وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ، لَمَّا كَانَتْ أَذْوَاقُ مَنْ يَسْلُكُ عَلَيْهَا غَرِيبَةً، لأَنَّهَا تُفَاضَ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ مَقَامِ شَيْخِهِمْ وَأُسْتَاذِهِمْ، لاَ بِحَسَبِ مَرَاتِبْهِمْ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ فِي اسْتِعْدَادِهِمْ، كَانَتْ كَرَامَاتُهَا فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنِ الدِّقَّةِ، حَتَّى يَكُونَ إِدْرَاكُهَا كَرَامَةً أُخْرَى فِي حَقِّ مَنْ أَدْرَكَهَا، لأَنَّهَا لاَ تُدْرَكُ إِلاَّ بِالصَّفَاءِ التَّامِ، وَالْفَتْحِ وَِالإِلْهَامِ، وِبِهَذَا تَكُونُ كَرَامَةً دَائِمَةً لِسَيِّدِنَا رضي الله  عنه بِدَوَامِ مَنْ يُفْتَحُ لَهُ فِي إِدْرَاكِهَا مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وِرَاثَةًّ مُحَمَّدِيَّةً، وَخُصُوصِيَّةً أَحْمَدِيَّةً. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأْحْكَمُ.
• وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الثًّانِيَّةُ فَهِيَ مِمَّا ثَبَتَ عَنْ سِيِّدِنَا رضي الله  عنه عَلَى أَلْسِنَةِ الثِّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَمِنَ الْمُتَوَاتِرِ الْمَشْهُورِ أَيْضاً بَيْنَ أَتْبَاعِهِ وَأَحْبَابِهِ.
وَسَبَبُهَا، عَلَى مَا حَدَّثَنِي بِهِ بَعْضُ الْفُضَلاَءِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَمُلاَزِمِيهِ رضي الله  عنه، أَنَّ رَجُلاً أَجْنَبِيّاً عَنْ فُقَرَائِهِ بَاتَ مَعَهُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي التِّي كَانَ يَبِيتُ فِيهَا بِالزَّاوِيَّةِ الْمُبَارَكَةِ مَعَ الْفُقَرَاءِ الْكِرَامِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ذَهَبَ ذِلَكِ الأَجْنَبِي وَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ مَعَ الْعَوَامِّ، عَلَى عَادَةِ الْمُتَهَوِّرِينِ الْقَاصِرِي الأَفْهَامِ، وَيقُولُ: “كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الشَّيْخَ وَأَصْحَابَهُ يَبِيتُونَ فِي حَالِ اجْتِهَادٍ فِي أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ، فَإِذَا هُمْ يَبِيتُونَ كَمَا يَبِيتُ غَيْرُهُمْ مِنَ النَّاسِ، لاَ يَزِيدُونَ عَلَى الْمُحَادَثَةِ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَتَحَدَّثُ فِيهِ كُلُّ النَّاسِ”. فَتَنَاقَلَ خَبَرُ ذَلِكَ الإِنْسَانِ، فَبَلَغَ الشَّيْخَ رضي الله  عنه، فَقَالَ رضي الله  عنه مُبِشِّراً وَمُثْبِتاً لأَصْحَابِهِ الذِّينَ طَرَقَ سَمْعُهُمْ ذَلِكَ: “كُلُّ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً للهِ تَعَالَى فَرْضاً أَوْ نَفْلاً وَتُقُبِّلَ مِنْهُ يُعْطِينَا اللهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ أَزْيَدَ مِمَّا يُعْطِيهِ لِعَامِلِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ ضِعْفٍ وَنَحْنُ رُقُودٌ” اهـ.
وَأَدْخَلَ نَفْسَهُ رضي الله  عنه فِي عُمُومِ الْكَلاَمِ مَعَ أَصْحَابِهِ إِشَارَةً إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَزِيَّةِ الإِلْحَاقِ، فَافْهَمْ. وَفِي ذَلِكَ إِيمَاءٌُ إِلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا نَالُوا تِلْكَ الْمَزِيَّةِ مِنْ أَجْلِهِ رضي الله  عنه.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي [الْجَامِعِ] مِنَ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذَا. وَذَلِكَ أَنَّ مُؤَلِّفَهُ أَخْبَرَ أَنَّ سَيِّدَنَا رضي الله  عنه قَالَ: “يُعْطِي اللهُ لأَصْحَابِنَا ثَوَابَ كَذَا” فَقُلْتُ لَهُ: “ثَوَابَ الأَعْمَالِ أَوْ ثَوَابَ الْمَرْتَبَةِ”. فَقَالَ لِي رضي الله  عنه: “ثَوَابَ الأَعْمَالِ وَالْمَرْتَبَةِ”، قُلْتُ لَهُ: “وَهَذَا الْفَضْلُ الْعَظِيمُ حَصَلَ لَهُمْ بِسَبَبِ الْفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقْ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ: “فَسَكَتَ هُنَيْئَةً ثُمَّ قَالَ: “مِنْ أَجْلِنَا للهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ”.
قَالَ: “ثُمَّ سَأَلْتُهُ رضي الله  عنه عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ ثَوَابِ الْعَمَلِ وَالْمَرْتَبَةِ. فَأَجَابَ بِقَوْلِ إِمَامِ الطَّرِيقَةِ الْجُنَيِدِ رضي الله  عنه: “مَنْ أَقْبَلَ عَلَى اللهِ أَلْفَ سَنَةٍ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ لَحْظَةً كَانَ مَا فَاتَهُ فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَكَثَرَ مِمَّا فَاتَهُ فِي أَلْفِ سَنَةٍ”. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: “مَا مَعْنَى كَلاَمَهُ.” قَالَ: “أَهْلُ التَّجَلِّي يُعْطِي اللهُ للْوَاحِدِ فِي كُلِّ نَفَسٍ كَذَا وَكَذَا مِنَ التَّجَلِّيَاتِ، فِي كُلِّ تَجَلٍّ قَدْرَ مَا يُعْطِيهِ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ، وَفِي النَّفَسِ الثَّانِي كَذَلِكَ، وَفِي النَّفَسِ الثَّالِثِ كَذَلِكَ، هَكَذَا مَا دَامَ عُمُرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَنِسْبَةُ كُلِّ تَجَلٍّ لِمَا بَعْدَهُ كَنُقْطَةٍ فِي بَحْرٍ. وَيَقُومُ بِوَظَائِفِهَا وَآدَابِهَا كُلِّهَا. فَهَذَا هُوَ ثَوَابُ الْمَرْتَبَةِ”. قَالَ: “ثُمَّ قَالَ رضي الله  عنه: “ويُعْطَي ثَوَابَ الْمَرْتَبَةِ لأَصْحَابِنَا وَإِنْ كَانُوا أَصْحَابَ حِجَابٍ”. قََالَ الْمُؤَلِّفُ -أَعْنِي مُؤَلِّفُ [الْجَامِعِ] رَحَمَهُ اللهُ-: “وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، جَعَلَنَا اللهُ مِنْ أَهْلِهَا دُنْيَا وَأُخْرَى آمِينْ” اهـ.
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَقَدْ اتَّضَحَ لَكَ الْوَجْهُ فِي هَذِهِ الْفَضِيلَةِ بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى.
وَقَدْ كَانَ يَتَبَادَرُ لِي فِي حَالِ الْمُذَاكَرَةِ مَعَ الأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْفَضِيلَةِ قَبْلَ أَنْ أَرَى مَا ذَكَرَهُ فِي [الْجَامِعِ] هُنَا أَنَّ الْوَجْهَ الذِي مِنْ أَجْلِهِ اخْتَصَّ بِهَا أَهْلَ هَذِهِ الطَّرِيقِ هُوَ ذِكْرُهُمْ لِصَلاَةِ الْفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقْ. وَهُوَ إِنْ كَانَ يَظْهَرُ فِيهِ ذَلِكَ لَمَا فِيهِ مِنْ تَضْعِيفِ صَلَوَاتِ الْمُصَلِّينَ عَلَى النَّبِِيِّ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  وَذِكْرَهُمْ وَتَسْبِيحَهُمْ، فَهَذَا الذِّي ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ عَنْ سَيِّدِنَا رضي الله  عنه أَوْضَحُ، وَأَبْلَغُ وَأَصْرَحُ، كَيْفَ وَقَدْ أَعْطَى فِيهِ الْقَوْسَ بَارِيهَا، وأُسْكِنَ الدَّارَ بَانِيهَا. نَفَعَنَا اللهُ بِعُلُومِ سَيِّدِنَا وَأْسَرَارِهِ، وَغَمَرَ ظَوَاهِرَنَا وَبَوَاطِنَنَا بِمُشْرِقَاتِ أَنْوَارِهِ آمِينْ.
• وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الثَّالِثَةُ فَهِيَ مِنَ الْمَشْهُورِ الْمُتَوَاتِرِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ رضي الله  عنه وَمِنْ بَعْدِهِمْ مِنَ الأَتْبَاعِ. وَحَدَّثَنِي بِهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الأَجِلاَّءِ مِنْ خَاصَّةِ أَصْحَابِهِ رضي الله  عنه وَمَشَاهِيرِ أَعْيَانِهِمْ، نَفَعَنَا اللهُ بِبَرَكَاتِهِمْ.
قَالَ لِي قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ: “حَضَرْتُ مَعَ وَالِدِي وَكَانَ مِمَّنْ أَخَذَ الطَّرِيقَ فِي أَوَّلِ ظُهُورِهَا، عِنْدَ سَيِّدِنَا الشَّيْخِ جَعَلَنَا اللهُ فِي حِمَاهُ. وَكَانَ قَدْ طَالَ عَهْدُهُ رضي الله  عنه بِرُؤْيَتِهِ -يَعْنِي وَالِدَهُ الْمُذْكُورُ- فَسَأَلَهُ الشَّيْخُ: “مَنْ أَنْتَ” فَقَالَ لُهُ: “إِنَّ الْمَشَايِخَ يَعْرِفُونَ تَلاَمِذَتَهَمْ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، وَيَحْضُرُونَ مَعَهَمْ عِنْدَ الْمَوْتِ” فِي كَلاَمٍ يَنْحُو مَنْحَى هَذَا. فَقَالَ سَيِّدُنَا رضي الله  عنه مُجِيباً لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ: “هُوَ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  كَفَانِي الْحُضُورَ مَعَ أَصْحَابِي عِنْدَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ سُؤَالِِ الْمَلَكَيْنِ فِي الْقَبْرِ” اهـ، فَفَرِحَ الحَاضِرُونَ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ الْعَظِيمَةِ، وَعَدُّوهَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّيِّدِ الْمُحَدِّثِ بِهَا وَمِنْ مَآثِرِهِ الْجَسِيمَةِ، لأَنَّهُ هُوَ الذِّي أَتَى بِوَالِدِهِ الْمَذْكُورِ، لِيُجَِدِّدَ الْعَهْدَ بِالأَخْذِ عَنِ الشَّيْخِ رضي الله  عنه لِمَا كَانَ حَصْلُ لَهُ مِنَ الْفُتُورِ، حَسَبَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ خِطَابِهِ للشَّيْخِ رضي الله  عنه بِمَا تَقَدَّمَ. فَجَدَّدَ الْعَهْدَ، وَزَالَ عَنْهُ مَا كَانَ اعْتَرَاهُ مِنَ الْفُتُورِ، وَظَهَرَتْ هَذِهِ الْكَرَامَةُ الْعَظِيمَةُ، وَالْبِشَارَةُ الْعَمِيمَةُ، بِسَبَبِ صِدْقِ نِيَّتِهِ، وَأَثَرِ هِمَّةِ وَلَدِهِ السَّيِّدُ الْمُحَدِّثُ بِالْقِصَّةِ رَحَمَهُمَا اللهُ تُعَالَى.
وَقَدْ ظَهَرَ، وَالْحَمْدُ للهِ، مِصْدَاقَ هَذِهِ الْبِشَارَةِ الْعُظْمَى بَيْنَ الأَصْحَابِ فِي سَائِرِ الْبِلاَدِ، حَتَّى شَهِدَ بِهَا غَيْرَ مَا مَرَّةٍ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ أَهْلِ الاِنْتِقَادَ، فَكَثِيراً مَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْمُحْتَضَرُونُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالْعَبِيدِ وَالإِمَاءِ، مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْمُبَارَكَةِ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ الْعَظِيمِ. وَكَثِيراً مَا ظَهَرَتْ آثَارُ ذَلِكَ وَالشَّوَاهِدُ الْحَالِيَةُ عَلَى مَنْ لَمَْ يُفْصِحْ بِالإِخْبَارِ بِهِ. جَعَلَنَا اللهُ مِنَ الْمُتَعَلِّقِينَ بِأَذْيَالِهِ، الثَّابِتِينَ عَلَى حُبِّهِ وَحُبِّ مَنْ يُحِبُّهُ بِجَاهِ سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ خَاتِمِ أَنْبِيَّائِهِ وَأْرَسَالِهِ،  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  وَعَلَى آلِهِ. آمِينْ، آمِينْ، آمِينْ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
• وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الرَّابِعَةُ، وَهِيَ حُضُورُ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  لأَهْلِ هَذِهِ الطَّرِيقِ عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ فَنَصُّ كَلاَمِ الشَّيْخِ رضي الله  عنه فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَلاَ مَحَالَةَ أَنَّ هَذَا الْحُضُورَ حُضُورٌ مَخْصُوصٌ، فَهُوَ غَيْرُ الْحُضُورِ الْعَامِّ الْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ الْقَبْرِ بِقَوْلِهِ فِيهِ “مَا عِلْمُكَ بَهَذَا الرَّجُلِ؟” عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، لأَنَّ فِي هَذَا الْحُضُورِ، كَمَا يَدُلُّ لَهُ سَيَّاقُ الْكَلاَمِ، مَزِيدُ تَأَنِيسٍ وَكَرَامَةٍ لَهُمْ، مَعَ كِفَايَتِهِمْ ذَلِكَ بِحُصُولِ شَفَاعَتِهِ لَهُمْ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وَمَآلُ ذَلِكَ إِلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْجَوَاهِرِ وَكَذَا فِي الْجَامِعِ مِنْ ضَمَانِ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  للشَّيْخِ رضي الله  عنه تَأْمِينِهِمْ مِنْ كُلِّ مَخُوفٍ وَمَكْرُوهٍ مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الاِسْتِقْرَارِ فِي عِلِّيِّينَ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ رَحِمَهُ اللهُ لَمَا تَكَلَّمَ عَلَى فِتْنَةِ الْقَبْرِ مَا حَاصِلُهُ: “قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: »يُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟» الْمُرَادُ بِهِ ذَاتُ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وَرُؤْيَتُهُ بِالْعَيِنْ فِي هَذَا دِلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى. فَإِنَّ النَّاسَ يَمُوتُونَ فِي الزَّمَنِ الْفَرْدِ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ عَلَى اخْتِلاَفِهَا وَبُعْدِهَا، وَكُلُّهُمْ يَرَاهُ قَرِيباً مِنْهُ”. ثُمَّ قَالَ: “وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ أَنَّ رُؤَيَتَهُ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  فِي الزَّمَنْ الْفَرْدِ، فِي أَقْطَارٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَلَى صُورٍ مُخْتَلِفَةٍ لاَ تُمْكِنُ، لأَنَّ الْقُدْرَةَ صَالِحَةٌ لِمَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ”.
• وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الْخَامِسَةُ، وَهِيَ أَنَّهُ يَسُوءُهُ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  مَا يَسُوءُ أَهْلَ هَذِهِ الطَّرِيقِ، فَهِيَ مِنَ الْمُتَوَاثِرِ عَنْ سِيِّدِنَا رضي الله  عنه أَيْضاً. وَذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ رضي الله  عنه مُنَاقَضَةٌ تُوجِبُ مُجَافَاةً، فَأُمَرَ رضي الله  عنه أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمَا وَقاَلَ: “إِنَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  أَمَرَهُ بِذَلِكَ”، وَقَالَ: “قَالَ لِي  صلى الله عليه وعلى آله وسلم : قُلْ لأَصْحَابِكَ لاَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضاً، فَإِنَّهُ يُؤْذِينِي مَا يُؤْذِيهِمْ” اهـ.
وَوَجْهُ هَذَا ظَاهِرٌ بَيِّنٌ، لأَنَّ طَرِيقَةَ الشَّيْخِ رضي الله  عنه طِرِيقُ الْمَحْبُوبِيَّةِ، وَالْمَحْبُوبِيَّةُ دَرَجَةٌُ يَلْتَحِقُ صَاحِبُهَا بِالأَوْلاَدِ وَالذُّرِّيَةِ عِنْدَ مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ مِنْ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ كَامِلٍ كَمَا يُشِيرُ إٍلَيْهِ حِدِيثُ: »سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ»، وَكَمَا وَقَعَ لِسُلْطَانِ الْعَاشِقِينَ الشَّيْخُ أَبِي حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ الْفَارِضِ رضي الله  عنه حَيْثُ أَلْحَقَهُ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  بِبَنِيهِ وُذُرِّيَّتِهِ، وُهُوَ مِنْ بَنِي سَعْدٍ قَبِيلَةِ سَيِّدَتِنَا حَلِيمَةٌ السَّعْدِيَّةُ شَرَّفَ اللهُ قَدْرَهَا.
وَقَدْ قَالَ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  فِي مَوْلاَتِنَا فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ بِنْتُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: »فَاطِمَةُ بِضْعَةٌ مِنِّي» الْحَدِيثُ. وَلاَ مَانِعَ أَنْ يَلْتَحِقَ بِهَا فِي ذَلِكَ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ سَهْمُ الْمَحَبُوبِيَّةِ الْخَاصَّةِ مِنْهُ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  مَزِيَّةً لَهُ، وَخُصُوصِيَّةً، وَكَرَامَةً مِنَ اللهِ تَعَالَى.
وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ثُبُوتِ الْمَحْبُوبِيَّةِ مِنْهُ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  لأَهْلِ هَذِهِ الطَّرِيقِ مِنْ أَجْلِ شَيْخِهِمْ وَأُسْتَاذِهِمْ رضي الله  عنه بِسَابِقِ الْفِضِْلِ الإِلَهِيِّ، وَالاِخْتِصَاصِ الرَّبَّانِيِّ، مَا ثَبَتَ عَنْ سِيِّدِنَا رضي الله  عنه أَنَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  قَالَ لَهُ: “أَنْتَ حَبِيبِي وَكُلُّ مَنْ أَحَبَّكَ حَبِيبِي”. ذَكَرَهُ فِي [الْجَوَاهِرِ] وَكَذَا فِي [الْجَامِعِ] أَيْضاً.
وَفِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كَلاَمِ صَاحِبِ [الرِّمَاحِ]: أَنَّ مِنْ خَصَائِصِ أَصْحَابِ سِيِّدِنَا رضي الله  عنه الدَّاخِلِينَ فِي طَرِيقِهِ مَحَبَّةَ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  لَهُمْ مَحَبَّةَ خَاصَّةً غَيْرَ التِي تَشْمَلُهُمْ وَتَشْمَلُ مَنْ ذَكَرَ مَعَهُمْ مِنَ الْمُتْعَلِّقِينَ بِهِ رضي الله  عنه.
وَفِيهِ أَيْضاً: أَنَّ بَعْضَ الْخَاصَّةِ مِنْ أَصْحَابِ سِيِّدِنَا رضي الله  عنه الْوَارِثِينَ لأَسْرَارِهِ وَأَنْوَارِهِ حَدَّثَّهُ وَهُوَ مَعَهُ بِِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، عَلَى مُشَرِّفِهَا أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  فَقَالَ لَهُ: “أَنْتَ ابْنُ الْحَبِيبِ وَأَخَذْتَ طَرِيقَةَ الْحَبِيبِ”، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَأَيَّدُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
• وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ السَّادِسَةُ، وَهِيَ أَنَّ لأَهْلِ هَذِهِ الطِّرِيقِ لَطْفَيْنِ: اللُّطْفُ الْعَامُّ وَاللُّطْفُ الْخَاصُّ بِهِمْ، فَهِيَ مِمَّا هُوَ مُتَوَاتِرٌ بَيْنَ الأَصْحَابِ وَالأَتْبَاعِ. وَقَدْ حَدَّثَنِي بِهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِهِ رضي الله  عنه، قَالَ لِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: “سَمِعْتُهُ رضي الله  عنه يَقُولُ: اللُّطْفُ لُطْفَانِ: اللُّطْفُ الْمُمْتُزِجٌ بِالْمَشِيئَةِ الإِلَهِيَّةِ، وَهُوَ الذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ الآيَةُ الْكَرِيمَةُ: ]إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَآءُ[، وَهُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِ صَاحِبِ [الْحِكَمِ]: “مَنْ ظَنَّ انْفِكَاكَ لُطْفِهِ عَنْ قَدَرِهِ، فَذَلِكَ لِقُصُورِ نَظَرِهِ”. وَلُطْفٌ خَاصٌّ، يَخْتَصُّ اللهُ تَعَالَى بِهِ أَهَلَ الْخُصُوصِيَّةِ مِنْ عِبَادِهِ. وَهُوَ لاَزِمٌ بِفَضْلِ اللهِ تَعَالَى لأَصْحَابِي لاَ يَنْفَكُّ عَنْهُمْ فِي سَائِرِ تَقَلُّبَاتِهِمْ، كَمَا لاَ يَنْفَكُّ اللُّطْفُ الْعَامُّ عَنِ الْمَشِيئَةِ الرَّبَّانِيَّةِ” انْتَهَى.
وَكَانَ بَعْضُ الْفُضَلاَءِ مِنْ أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رضي الله  عنه الْمُلاَزِمِينَ لَهُ يَقُولُ لَنَا عِنْدَ الْمُذَاكَرَةِ فِي هَذِهِ الْفَضِيلَةِ: “قَدْ شُوهِدَ جَرَيَانُ الأَلْطَافِ الْخَاصَّةِ فِي أُمُورِ وَالِدَيّْ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللهِ أَنْ سَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الطَّرِيقِ بَحَيْثُ تُحِسُّ بِذَلِكَ أُمُّهُ وَهَوَ فِي بَطْنِهَا، وَكَذَلِكَ فِي إِبَّانِ رَضَاعِهِ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَطْوَارِ طُفُولِيَّتِهِ”.
وَلاَ بُعْدَ فِي هَذَا الذِي ذَكَرَهُ هَذَا السَّيِّدُ رَحِمَهُ اللهُ، فَإِِنَّ الْمَشَايِخَ الْكُمَّلَ لاَ يَزَالُونَ يُرَبُّونَ تَلاَمِذَتَهُمْ فؤي سَائِرِ أَطْوَارِهِمْ قَبْلَ الأَخْذِ عَنْهُمْ بِلاَ شَكٍّ، كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
• وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ السَّابِعَةُ، وَهِيَ جَوَازُ أََهْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ عَلَى الصِّرَاطِ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ الْعَيْنِ عَلَى كَوَاهِلِ الْمَلاَئِكَةِ، فَهِيَ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ فِي ضَمَانِ النِّبِيِّ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  للشَّيْخِ رضي الله  عنه حَسَبَمَا فِي [الْجَوَاهِرِ] وَ[الْجَامِعِ].
• وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الثَّامِنَةُ، وَهِيَ وُرُودُهُمْ الْحَوْضَ إِلخ، فَهِيَ كَالتِي قَبْلَهَا أَيْضاً مَضْمُونَةٌ لَهُمْ مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابَيْنِ مَعاً.
• وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ التَّاسِعَةُ، وَهِيَ وُقُوفُهُمْ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ فِي الْمَحْشَرِ، فَهِيَ كَذَلِكَ فِي الْكِتَابَيْنِ أَيْضاً. وَرَأَيْتُ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ كَلاَمِ صَاحِبِ [الرِّمَاحِ] نَفَعَنَا اللهُ بِبَرَكَاتِهِ، مَا نَصُّهُ: “وَقَالَ سَيُّدُنَا رضي الله  عنه: إِنَّ أَصْحَابِي لاَ يَحْضُرُونَ الْمَوْقِفَ، وَلاَ يَرَوْنَ صَوَاعِقَهُ وَلاَ زَلاَزِلَهُ. بَلْ يَكُونُونَ مَعَ الآمِنِينَ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَدْخُلُوا مَعَ الْمُصْطَفَى  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  فِي الزُّمْرَةِ الأُولَى مَعَ أَصْحَابِهِ، وَيَكُونُ مُسْتَقَرُّهُمْ فِي جِوَارِهِ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم ” اهـ بِلَفْظِهِ. فَلَهُمْ مَعَ وُقُوفِهِمْ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ زِيَّادَةُ هَذِهِ الْكَرَامَةِ أَيْضاً.
• وَأَمَّاَ الْفَضِيلَةُ الْعَاشِرَةُ، وَهِيَ غِبْطَةُ أَكَابِرِ الأَقْطَابِ لَهُمْ لَمَا يَرَوْنَ مِنْ مَكَانَتِهِمْ وَمَا لَهُمْ مِنَ الْفَضْلِ عِنْدَ اللهَ تَعَالَى، فَهِيَ مِنَ الْمُتَوَاتِرِ الْمَشْهُورِ عَلَى أَلْسِنَةِ الأَتْبَاعِ رِوَايَةً عَنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِهِ رضي الله  عنه.
• وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الْحَادِيَةَ عَشَرْ، وَهِيَ ذِكْرَ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ مَعَ الذَّاكِرِ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الطَّرِيقِ مَهْمَا ذَكَرَ ذِكْراً كَيْفَمَا كَانَ عَلَى الإِطْلاَقِ، فَهِيَ فِي [الْجَوَاهِرِ]. وَهِيَ مِمَا خَصَّ بِهِ سَيِّدَنَا رضي الله  عنه عَنْ سَائِرِ الأَوْلِيَاءِ، ثُمَّ الْتَحَقَ بِهِ فِيهِ أَتْبَاعُهُ مِنْ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى، حَسَبَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي [الْجَوَاهِرِ] أَثْنَاءَ الْكَلاَمِ فِي فَضْلِ اسْمِ اللهِ الْعَظِيمِ الأَعْظَمِ. فَلْيُرَاجِعْهُ هَنَالِكَ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ.
• وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرْ، وَهِيَ مُجَالَسَةُ سَيِّدِ الْبَشَرِ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فَهِيَ فِي [الْجَوَاهِرِ] أَيْضاً مِنْ جُمْلَةِ فَضَائِلِ جَوْهَرَةِ الْكَمَالِ، وَذَلِكَ مِنَ الشَّائِعِ الذَّائِعِ بَيْنَ الأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ.
وَهُنَا مِنَ الأَسْرَارِ، مَا لاَ تَسْتَقِّلُ بِحَمْلِهِ الأَسْفَارُ، وَلاَ تَتَّسِعُ لَهُ الْعُقُولُ وَالأَفْكَارُ، فَلِسَانُ حَالِ الشَّيْخِ يُنْشِدُ فِي مِثْلِهَا، تَعْزِيَّةً مِنْهُ رضي الله  عنه فِيهَا لَمَنْ لَيْسَ مِنَ أَهْلِهَا، وَإِغْرَاءً لأَهْلِهَا بِإِدْرَاكِهَا وَنَيْلِهَا:
وَفِي السِّرِّ أَسْرَارٌ دِقَاقٌ لَطِيفَةٌ         تُبَاحُ دِمَانَا جَهْرَةً لَوْ بِهَا بُحْنَا
وَبَقِيَ مِنْ فَضَائِلِ أَهْلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الشَّرِيفَةِ، وَخَصَائِصِهِمُ السَّامِيَّةُ الْمُنِفِيَّةُ، مَا لَمْ يَذْكُرْهُ النَّاظِمُ رَحَمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذَا الَمَحَلِّ مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ، وَلَعَلَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيباً مِنْ فَضَائِلِ الْيَاقُوتَةِ الْفَرِيدَةِ، وَجَلَ ذَلِكَ مُسْتَوِفَى فِي الْكِتَابَيْنِ [الْجَوَاهِرِ] وَ[الِجَامِعِ]، فَلْيُرَاجِعْهُمَا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ مِنَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَرُّ بِهِ الأَعْيُنُ مِنْهُ وتُقَرَّطُ بِهِ الْمَسَامِعُ.
وَقَدْ كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَ مِنْ ذَلِكَ غَيْرَ مَا هُوَ فِي الْكِتَابَيْنِ مَذْكُورٌ وَمَعْلُومٌ، فَأَحْجَمَ الْقَلَمُ عَنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الشَّيْخِ رضي الله  عنه مِنَ الأَمْرِ الْمَكْتُومِ، إِذْ قَدْ أَفْصَحَ رضي الله  عنه حَسَبَمَا تَقَدَّمَ، بِأَنَّ نِسْبَةَ مَا ذُكِرَ مِمَّا لَمْ يَذْكَرْ مِنْ هَذِهِ الْفَضَائِلِ كَنِسْبَةِ النُّقْطَةِ مِنَ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ الْخِضَمِّ. ثَمَّ فِي هَذَا الْقَدْرِ الْغُنْيَةُ وَالْكِفَايَةُ، ِلِمَنْ أَلْهَمَهُ اللهُ التَّصْدِيقَ وَالْهِدَايَةَ.
وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْفَضَائِلُ كُلُّهَا مَشْرُوطاً فِي نَيْلِهَا، عَدَمُ الأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَالإِصْرَارُِ عَلَى الْمُخَالَفَةِ اتِّكَالاً عَلَى مَا سُمِعَ مِنْ فَضْلِهَا، أَشَارَ النَّاظِمُ إِلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ رضي الله  عنه فِي التَّحْذِيرِ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ:
تَحْذِيرٌ

أَيْ هَذَا تَحْذِيرٌ وَتَخْوِيفٌ وَإِنْذَارٌ، لِمَنْ سَمِعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْفَضَائِلِ ثُُمَّ رَكَنَ بِسَبِبِهِ إِلَى أَمْنِ الْمَكْرِ، وَأَخْلَدَ إِلَى التَّمَادِي عَلَى الْعِصْيَانِ وَالْمُخَالَفَةِ بِطَرِيقِ الإِصْرَارِ، وَالاِنْهِمَاكِ وَالاِغْتِرَارِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللهُ:
وَمَنْ رَأَى ذَا الفَضْلَ ثُمَّ اتَّكَلاَ           عَلَيْهِ فَاعِلاً لِمَا قَدْ حُظِلاَ
يَسُبُّ غَوْثَ الأَوْلِيَا التِّجَانِي         شَيْخَ الشُّيُوخِ العَارِفَ الرَّبَّانِي
فَعِنْدَ ذَاكَ لاَ يَمُوتُ إِلاَّ           إِذَا بِحِلْيَةِ الشَّقَا تَحَلَّى
انْظُرْهُ فِي جَوَاهرِ المَعَانِي           فِي فَيْضِ قُطْبِ العَالَمِ التِّجَانِي
وَمَنْ لِمَكْرِ اللهِ رَبِّنَا أَمِنْ           فَذَاكَ بِالخُسْرَانِ وَالطَّرْدِ قَمِنْ
وَجَاءَ ذَا الوَعِيدُ فِي القُرْآنِ           أَعَاذَنَا اللهُ مِنَ الخُسْرَانِ
فَالأَنْبِيَاءُ عَلَى عُلاَ رُتَبِهِمْ         لَمْ يَأْمَنُوا بِذَاكَ مَكْرَ رَبِّهِمْ
“رَأَى”: بِمَعْنَى عَلِمَ. وَ”حُظِلَ”. هُنَا: مُنِِِعَ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ. وَ”يَسُبُّ”: مِنْ سَبَّهُ يَسُبُّهُ إِذَا شَتَمَهُ وَوَقَعَ فِيهِ بِلَسَانُهُ. وَ”الشَّقَا”: ضِدُّ السَّعَادَةِ. وَ”قَمِنَ”: حَقِيقٌ. وَبَاقِي الأَلْفَاظِ وَاضِحٌ.
يَقُولُ: إِنَّ مَنْ سَمِعَ بِهَذِهِ الْفَضَائِلِ السَّنِيَةِ الفَخَارِ، ثُمَّ اتَّكَلَ عَلَى ذَلِكَ وَانْهَمَكَ فِي ارْتِكَابِ الْمُخَالَفَةِ وَالتَّمَادِي عَلَى الإِصْرَارِ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَلْبِسُ قَلْبَهُ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ بُغْضَ هَذَا الإِمَامِ الأَعْظَمِ، حَتَّى يَقَعَ فِي جَانَبِهِ بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُسَجَّلُ عَلَيْهِ بِالشَّقَاءِ وَالخِذْلاَنِ، فَيَبُوءُ بِالْهَلاَكِ وَالْخُسْرَانِ، وَالاِرْتِكَامِ فِي مَهْوَاةِ الْكُفْرَانِ، وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى. وَذَلِكَ لأَمْنِهِ مَكَرَ الْمَوْلَى الْجَبَّارِ ذِي البَطْشِ الشِّدِيدِ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْوَعِيدِ، وَالأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مَعَ مَالَهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنَ الْجَاهِ الْخَطِيرِ، لَمْ يَأْمَنُوا مَكْرَ رَبِّهِمُ الْقَدِيرُ.
وَعَقَدَ النَّاظِمُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الأَبْيَاتِ مَا فِي [جَوَاهِرِ الْمَعَانِي] وَغَيْرِهِ مَنْ قَوْلِ سَيِّدِنَا رضي الله  عنه عَلَى وَجْهِ التَّحْذِيرِ لأَصْحَابِهِ، وَالإِرْشَادِ لَهُمْ: “أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ سَيِّدَ الْوُجُودِ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  ضَمِنَ لَنَا أَنَّ مَنْ سَبَّنَا وَدَامَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَتُبْ لاَ يَمُوتُ إِلاَّ كَافِراً. وَأَقُولُ لِلإِخْوَانِ: إِنَّ مَنْ أَخَذَ وِرْدَنَا، وَسَمِعَ مَا فِيهِ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِلاَ حِسَابٍ وَلاَ عِقَابٍ، وَأَنَّهُ لاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةٌ، فَطَرَحَ نَفْسَهُ فِي مَعَاصِي اللهِ، وَاتَّخَذَ ذَلِكَ حِبَالَةً إِلَى الأَمَانِ مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ فِي مَعَاصِيهِ، أَلْبَسَ اللهُ قَلْبَهُ بُغْضَنَا حَتَى يَسُبَّنَا، فَإِذَا سَبَّنَا أَمَاتَهُ اللهُ كَافِراً. فَاحْذَرُوا مِنْ مَعَاصِي اللهِ وَمِنْ عُقُوبَتِهِ. وَمَنْ قَضَى اللهُ عَلَيْهِ مِنْكُمْ بِذَنْبٍ -وَالْعَبْدُ غَيْرُ مَعْصُومٍ- فَلاَ يَقْرَبَنَّهُ إِلاَّ وَهُوَ بَاكِيَ الْقَلْبِ، خَائِفاً مِنْ عُقُوبَتِهِ، وَالسَّلاَمُ” اهـ.
وَفِي مَعْنَى قَوْلِهِ رضي الله  عنه “بَاكِيَ الْقَلْبِ” إلخ قَوْلُ الْقَائِلِ:
اللهُ يَعْلَمُ مَا إِثْمٌ هَمَمْتُ بِهِ           إِلاَّ نَغَّصَهُ خَوْفِي مِنَ النَّارِ
وَأَنَّ نَفْسِيَ مَا هَمَّتْ بِمَعْصِيَّةٍ         إِلاَّ وَقَلْبِي عَلَيْهَا عَائِبٌ زَارِي
وَقَوْلُ النَّاظِمِ “فَالأَنْبِيَا عَلَى عُلاَ رَتَبِهِمْ” الْبَيْتُ أَتَى بِهِ تَأْكِيداً لِمَا قَبْلَهُ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: وَإِذَا كَانَ الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، عَلَى مَا اخْتَصُّوا بِهِ مِنْ كَمَالِ الْعِصْمَةِ وَعُلُوِّ الرُّتَبِ بَيْنَ الأَنَامِ، لَحِقَهُمُ الْخَوْفُ مِنَ الرَّبِّ الَكَبِيرِ الْمُتَعَالِ، وَلَمْ يَأْمَنُوا مَكْرَهُ لِكَمَالِ مَعْرِفَتِهِمْ فِي حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ، فَمَا بَالُكَ بِمَنْ عَدَاهُمْ.
وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى نَحْوِ مَا حَكَاهُ اللهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ عَنِ الْكِلِيمِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلاَ ]فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى[ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي وَقْتِ الرِّسَالَةِ ]وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الغَالِبُونَ[ حَيْثُ لَحِقَهُ الْخَوْفُ مَعَ كَمَالِ عِصْمَتِهِ بَعْدَ مَا سَمِعَ فِي وَقْتِ الرِّسَالَةِ مَا سَمِعَ، وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لِعَدَمِ أَمْنِهِ مَكْرَ اللهِ تَعَالَى فِي حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ.
وَمَثَلُ هَذَا مَا وَقَعَ لِنَبِيِّنَا  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  يَوْمَ بَدْرٍ، فَإٍنَّهُ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  كَانَ وَعَدَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّصْرَ عَلَى قُرَيْشٍ، وَالظَّفَرَ بِهِمْ، وَأَرَاهُ مَصَارِعَهُمْ. وَمَعَ ذَلِكَ لَمَّا رَآهَا تَصَوَّبَ مِنْ كَثِيبِ الرَّمْلِ آتِيَةٌُ لِبَدْرٍ قَالَ: »اللَّهُمَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ جَاءَتْ بِفَخْرِهَا وَخُيَلاَئِهَا تَحَادُّكَ وَتُكَذِّبُ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ نَصْرَكَ الَّذِي وَعَدْتَنِي» ثُمَّ لَمَّا سَوَّى الصُّفُوفَ للْقِتَالِ، انْعَزَلَ نَاحِيَةً وَحْدَهُ فِي الْعَرِيشِ يَسْتَغِيثُ بِاللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ يَحْرِسُهُ وَيَقُولُ: “دَعْ مُنَاشَدَتَكَ رَبُّكَ فَإِنَّ اللهَ مُنْجِزٌ لَكَ مَا وَعَدَكَ بِهِ”، وَهُوَ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم  لاَ يُقْلِعُ عَنِ الْمُنَاشَدَةِ وَالاِسْتِغَاثَةِ.
إِلَى غَيْرِ هَذَا مِمَّا أَشَارَتْ إِلَيْهِ الآيُ الْقُرْآنِيَةُ الْكَرِيمَةُ فِي حَقِّ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ خَوْفِهِمْ مِنَ اللهِ تَعَالَى الذِي لَمْ يَكُنْ يُزَايِلُهُمْ فِي حَالٍ مِنَ الأَحْوَالِ. وَذَلِكَ لأَنَّ خَوْفَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِمْ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ رضوان الله عليهم  مِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ أَمْنِهِمْ مِنْ مَكْرِ اللهِ تَعَالَى، مَعَ كَمَالِ فَضِيلَتِهِمْ، وَثُبُوتِ خُصُوصِيَّتِهِمْ التِّي لَمْ يَسْبِقْهُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، مَا عَدَا الأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ.
وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ كِبَارِ التَّابِعِينَ، مَعَ قُوَّةِ إِيمَانِهِمْ، وَشِدَّةِ مُتَابَعَتِهِمْ، وَكَثْرَةِ مُجَاهَدَتِهِمْ التِّي اخْتُصُّوا بِهَا عَمَّنْ عَدَاهُمْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: التَّحْقِيقُ هَوَ أَنَّ الْوَعْدَ لاَ يَمْنَعُ الدَّهْشَةَ وَخَوْفَ الصَّدْمَةِ، كَمَا سَيَقَعُ لِلأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ يَوْمَ الْقِيَّامَةِ، وَالْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرُونَ بِالْجَنَّةِ كَانُوا يَخَافُونَ سُوءَ الْعَاقِبَةِ لاِحْتِمَالاَتٍ. وَانْظُرْ: “نَسِيمُ الرِّيَاضِ”.
وَلَوْ تَتَبَّعْنَا مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ لأَفْضَى بِنَا إِلَى التَّطْوِيلِ، وَخَرَجَ بِنَا عَنِ الْمَقْصُودِ. وَانْظُرْ [صَحِيحَ الإِمَامِ الْبُخَارِي] فِي: “بَابِ خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يُحْبَطَ عَمَلُهُ” إلخ مِنْ كِتَابِ الإِيَمَانِ، مَعَ مَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَيْضاً فَفِيهِ كِفَايَةٌ، وَاللهُ وَلِيُ التَّوْفِيقِ.
وَقَدْ كَانَ سَيُّدُنَا رضي الله  عنه كَثِيراً مَا يُحَذِّرُ أَصْحَابَهُ مِنْهُ وَيَتْلُو فِي كُلِّ مَرَّةٍ قَوْلَهُ تَعَالَى: ]فَلاَ يَامَنُ مَكْرَ اَللهِ إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُونَ[، وَخُصُوصاً إِذَا ذَكَرَ مَالَهُ وَلأَصْحَابِهِ مِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ عَلَى وَجْهِ التَّبْشِيرِ لَهُمْ وَالتَّحَدُّثِ بِالنِّعِمِ. فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ وَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: “هَذَا إِنْ سَلِمْنَا مِنْ مَكْرِ اللهِ تَعَالَى”. هَذَا دَأْبُهُ كَانَ مُدَّةَ حَيَاتِهِ رضي الله  عنه. وَكَانَ كَثِيراً مَا يَقُولُ مُتَبَرِّئاًُ مِنْ كُلِّ مَا يُوجِبُ أَمَاناً مِنْ مَكْرِ اللهِ تَعَالَى لَهُ وَلأَصْحَابِهِ: “مَا عْنِدَنَا إِلاَّ فَضْلُ اللهِ تَعَالَى وَشَفَاعَةَ رَسُولِهِ  صلى الله عليه وعلى آله وسلم “.

 

 

بغية المستفيد

للعلامة سيدي العربي بن السئح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى