فقه الطريقةمقالات

نشر إزار الوظيفة التجانية حكمه وأقوال العلماء فيه

 

نشر إزار الوظيفة التجانية حكمه وأقوال العلماء فيه

 

الاختصار

لحجج بسط الإزار

الدكتور:

المحدث الفقيه الأصولي

عدنان زهار

 

سألني بعض الإخوة المحبين فقال:

بسم الله. والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه أجمعين.

انتقد المنكرون على الطريقة التجانية نشر الازار أثناء قراءة جوهرة الكمال، وانتقدوا حضور الرسول صلى الله عليه وسلم، مدعين أن القرآن وهو يتلا لا يشترط فيه مثل هذا ولم يدع أحد من التالين حضور الرسول معه.

أفيدونا جزاكم الله في دحض هذه التعليلات بما أتاكم الله من تبصر وسعة أفق.

طاقم الزاوية التجانية بريمة مراكش

قلت:

فإن موضوع الثوب الأبيض الذي يبسط عند قراءة جوهرة الكمال في طريقتنا الأحمدية من شروط الكمال التي تجمُل مجالس الذكر به وتحسن السيرة بإلفه، وقد شغب المعترضون كعادتهم في إنكارهم كل ما اتصل بالطريقة التجانية ولو كان سنة جارية لكنهم جبلوا على الإنكار، والجواب عن ذلك ما سبق إليه الفحول وبينه العلماء البدور كالتالي:

أولا: فقد تقرر في الأصول أن الأصل في الأشياء قبل ورود الشرع الإباحة الشرعية لا العقلية، وحجته قوله تعالى { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } ، وقوله تعالى { وأعطى كل شيء خلقه}، فمعنى الآيتين أن الأشياء خلقت مباحة لبني آدم، والتحريم في بعضها طارٍ على الإباحة.

ولا متمسك لمن قال بأن هذا في العادات لا العبادات، لأنا نقول: والعبادات أيضا يدخلها هذا الأصل متى اندرج  المحدَث فيها تحت أصل عام من أصول الدين، كعموم الأمر بفعل الخيرات وعموم الأخذ بالاحتياط وعموم الأمر بالطهارة وغير ذلك، مما استلَّ منه الفقهاء الربانيون مفهوم الزيادة في العبادات على الوارد شرعا متى كان داخلا في هذا النظم.

ومن ذلك في السنة الشيء الكثير مما حضره النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقره على  أصحابه حتى صار من المقطوع به عند الفقهاء قبل أن تبتلى الأمة بنبتة الإنكار والتبديع، فمن ذلك ما رواه الحاكم في مستدركه  عن أنس رضي الله عنه : أن رجلا كان يؤمهم بقباء فكان إذا أراد أن يفتتح سورة يقرأ بها قرأ (قل هو الله أحد) ثم يقرأ بالسورة يفعل ذلك في صلاته كلها فقال له أصحابه: أما تدع هذه السورة أو تقرأ ب(قل هو الله أحد) فتتركها فقال لهم ما أنا بتاركها إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإلا فلا وكان من أفضلهم وكانوا يكرهون أن يؤمهم غيره فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما يحملك على لزوم هذه السورة؟ فقال: أحبها يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حبها أدخلك الجنة .

وروى الإمام أحمد رضي الله عنه ، عن ابْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَقَالَ يَا بِلَالُ بِمَ سَبَقْتَنِي إِلَى الْجَنَّةِ إِنِّي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ الْبَارِحَةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي فَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُرَبَّعٍ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ قُلْتُ فَأَنَا مُحَمَّدٌ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُو لِرَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ قُلْتُ أَنَا عَرَبِيٌّ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قُلْتُ فَأَنَا قُرَشِيٌّ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ قَالُوا لَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. فَقَالَ بِلَالٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَذَّنْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا:

فمن تأمل هذين الخبرين علم أن النبي لم يسبق له أن علم الناس شيئا مما ابتدعه هذان الصحابيان حتى رآهما فأقرهما واستحسن صنيعهما، ولو كانت زيادتهما على فعله مذمومة لنهاهم وأبطل صنيعهم.

وبسط الإزار الأبيض في طريقتنا من هذا لا محالة، بل يرتفع أمره من درجة الإباحة إلى مقام الاستحباب لاقترانه بمقاصد وحكم نفيسة نذكرها في:

الثاني: أنه مظنة الطهارة في مجلس الذكر؛ والبياض كما هو معلوم مشروع من علامة الطهارة وأمارتها والتي هي شرط في العبادات قاطبة، ولذلك حث الدين الحنيف على البياض فقد روى الترمذي وأبو داود وغيرهما، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البسوا من ثيابكم البياض، فإنها خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم. والله أعلم. وهذا عام في اللباس وغيره كما هو معلوم بالاستقراء في السيَّر العطرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم…

الثالث: أنه أجلب للأدب حالة الذكر، وهذا هو أصل بسطه في تاريخ الطريقة، كما ذكره العارف سيدي أحمد سكيرج رضي الله عنه في كتاب ” كشف الحجاب “: أنه قبل إنشاء الزاوية كانت الوظيفة تقرأ بباب دار الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه وهو حاضر معهم، لكن حيث كان المكان محل توارد الناس للزيارة و المرور أمر بنشر ثوب يعم البقعة كلها أي وسط الحلقة، و يكون محقق الطهارة ثم يطوى و يصان الى المرة القادمة، ثم بعد إنشاء الزاوية استمر الإخوان على ذلك العمل بمرأى و مسمع من الشيخ رضي الله عنه لاستحسانهم له لما فيه من الأدب الخاص و لأنه معين على الحضور… ثم تتابع الناس في سائر الأقطار على هذا العمل إلا القليل النادر.اهـ

وجاء في  “الفتح الرباني” : “ورد في أقوال السادة الصوفية أنه ينبغي تعظيم محل الذكر والمبالغة في طهارته ووضع الطيب فيه”،

وقال في “البغية”: و جاء عن الإمام الجليل أبي ميسرة رضي الله عنه قال: لا يذكر الله إلا في مكان طيب، ونقل صاحب “تهذيب الأذكار “: ينبغي تطييب المجلس بالرائحة الطيبة لأجل الملائكة و الجن  وقطع العلائق المشوشة.

فليس لنشر الإزار معنى إلا التعظيم للذكر والمبالغة في النظافة حتى قال العلماء بأنها مستحبة…

الرابع: أن في البياض إعدادا للروح وتصفية لها من كادورات التشويش التي تقطع الصلة بين الذاكر والمذكور جل وعلا، يقول الشيخ محمد الحافظ المصري رضي لله عنه في كتابه “قصد السبيل في الطريقة التجانية”: ومن شروط الكمال فيها {أي جوهرة الكمال} نشر ثوب أبيض محقق الطهارة عند السابعة وليس هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عليه كما يظن بعض الجهلاء بل هو لأنه يحسن بالذاكرين أن يكونوا على أحسن حال وقد جرب أن الجلوس في أمكنة طاهرة رحبة مع كمال الطهارة من أسباب حصول الصفاء .اهـ

الخامس: أن بسط الثوب الأبيض فرحٌ بالحضور اللائق للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في السابعة من الجوهرة، وها هنا مباحث: الأول في صحة وقوعه والثاني في إمكانية وقوعه والثالث في علاقة الثوب الأبيض بهذا لو صح.

أما أولا: فقد صح وقوعه عند من أزال حجاب الغفلة عن عينه بشهادة وإخبار أحد خلفائه المحمديين سيدي أحمد التجاني ومن جرب عليه الصدق في عادته يستحيل كذبه في عظيم الأمور كهذه، وسيدي أحمد التجاني رضي الله عنه معلوم الصدق والأمانة ومشهور العفة والكرامة، فلا داعي لتكذيبه إلا دفعا بالصدر وبمرض القلب عافانا الله…

وأما ثانيا: فلا حجة لمنع حضور النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يليق بجلال الله وقدرة الله تعالى في الأرواح والذوات بمجرد العقول الضعيفة القاصرة، كما بيناه في جواز الاجتماع به عليه الصلاة والسلام، فمن رام منعه بالعقل كفر بالوحي أصلا ورأسا ومن منعه بالشرع فقد تحكم لعدم ورود ما يثبت ضده.

وأما ثالثا: فلأن من اعتقد هذا وعلم بحضور النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من الخلفاء الأربعة لزمه الأدب في مجالسته وأول ذلك أن يهيئ له أنظف محل وأطهر مجلس وأنقاه، ويتحقق ذلك بالبياض الذي كان يحبه صلى الله عليه وآله وسلم بل ويأمر به، بل إن في نشر الثوب للمحبوب المكرم أصلا في الشرع وقد بسط صلى الله عليه وسلم رداءه لأخته من الرضاعة حين جاءت في وفد هوازن كما قال في الهمزية:

بسط المصطفى لها من رداء

أي فضل حواه ذاك الرداء

وكذا بسطه أيضا لدحية الكلبي لما جاءه يريد الإسلام فبكى دحية وقبل الرداء ووضعه على رأسه وعينيه، وقد ثبت أيضا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان ينشر ثوبه للملائكة . وكان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول: بلغنا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يفرش رداءه للملائكة على باب الخلاء ويقول: اجلسوا هاهنا حتى أخرج إليكم . فإذا كان هذا في حضور الملائكة فكيف مع حضوره صلى الله عليه وسلم بل لو فرش الإنسان حينئذ جبينه أو قلبه أو مقلته لحقّ له ذلك، كما قاله بعض الشيوخ رضي الله عنه:

لو علمنا مجيئكـــــم لفرشنا

مهج القلب أو سواد العيون

وجعلنا فوق الجفون طريقا

ليكون المرور فوق الجفون

والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على سيدنا محمد الفاتح الخاتم

حكم نشر الإزار في الوظيفة:

قضية نشر الإزار  للجوهرة  مذكور أصلها في كتاب “كشف الحجاب ” للشيخ العلامة سيدي أحمد سكيرج رحمه الله  و كذلك في كتابه” جناية المنتسب”

ومفادها أن الفقراء كانوا يذكرون الوظيفة قبل بناء الزاوية في دار الشيخ رضي الله عنه  في مدخلها الذي يقال له عندنا بفاس” السطوان”

والمكان وإن كان طاهرا طهارة حكمية إلا أن الشيخ رضي الله  مبالغة في تحقيق الطهارة التامة لجوهرة الكمال أمر بنشر الإزار . لا لشيء آخر كما يزعم من لا علم عنده فيتسببون في إثارة موجة الإنكار  بحيث يقولون نشرالإزار  إنما هو لحضور المصطفى صلى الله عليه وسلم .هذا غير صحيح بل ينشر الإزار من أجل نفَس الذاكر لأن نفسه الخارج بالفاظ  جوهرة  الكمال ينبغي له طهارة مكان يسع على  الأقل ستة أشخاص.

فهذا النشر من أجل الإستفادة من سر الجوهرة الذي هذا شرطها ومن لم يفعل ضاعت له الخاصية .

لكن لما بنيت الزاوية و فرشت و كانت الطهارة تامة متحققة لم يعد هناك داع لنشر الإزار.  غير أن أصحاب الشيخ رضي الله عنه وعنهم استحسنوا البقاء على نشر الإزار فأقرهم الشيخ رضي الله عنه على ذلك الإستحسان و بقي معمولا به إلى الآن  لكن يبقى حكمه الندب فقط.

و نشرنا للثوب ليس يجب*** في ذكر الجوهرة لكن يندب

كما أن ما يفعله  عوام الفقراء من كثرة التمسح بالإزار عمل قبيح يثير أيضا علينا الإنكار  والتقولات.

فينبغي للعلماء والمقدمين التنبيه على ذلك حتى لا يتفاحش الأمر فقد لاحظنا في بعض الزوايا الإنكباب على الإزار للتمسح به بكيفية مستهجنة فمن ماسح بيديه وجهه، إلى ماسح أطرافه ، إلى دلك بعض أعضائه إلى ماسح سبحته  إلى غير ذلك حتى يصبح المشهد مثيرا للضحك والسخرية. وهذا عمل مستهجن أيما استهجان لم نر أبدا عالما من علماء الطريقة يفعله.

فعليكم إخوتي وأحبتي في التجانية  بالاتباع و ترك الزوائد والابتداع  . وعليكم بمنهج العلماء ولا تقلدوا العوام وأشباههم وأن زعموا أن ذلك صوابا فهو بخلافه.

ذ: سعيد بنيس

 

نشر الإزار في الوظيفة

ونشرنا للثوب ليس يجب           على الذي يذكرها بـل ينذب

  وشيخنا فعل ذا بمحضـره            فدع مقالة جهـــول منــكره

                وأشار بهذا إلى أن ما استمر عليه عمل أصحاب سيدنا الشيخ رضي الله عنه من نشر ثوب محقق الطهارة عند جوهرة الكمال في الوظيفة من عهد الشيخ رضي الله عنه إلى الآن ليس بلازم في الطريق، بحيث لا يسوغ ذكرها إلا معه وإن كان المحل طاهرا حكما، لكنه مما ينبغي ويستحب لمكان الخاصية التي اختصت بها هذه الصلاة الشريفة عن غيرها من الأذكار وهي حضور النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة على ما سيوصف قريبا إن شاء الله تعالى لا غير، والأصل فيه عندنا خصوصا على ما سيوصف قريبا إن شاء الله تعالى لا غير، والأصل فيه عندنا خصوصا على ما حدثني به السيد الجليل الحاج الأبر الفاضل الناسك سيدي عبد الوهاب ابن التاودي أحد خاصة أصحاب سيدنا الشيخ رضي الله عنه وخزنة أسراره وورثة أنواره قدس الله سره وأعاد علينا من بركاته وهو أنهم كانوا يقرؤون الوظيفة في أول الأمر قبل نشأ الزاوية بفاس بباب دار الشيخ رضي الله عنه وهو حاضر معهم رضي الله عنه، وكانت البقعة طاهرة حكما يصلي رضي الله عنه بها مع جماعة من أصحابه، لكن حيث كان المحل محل توارد الناس عليه للزيارة وممر الداخل للدار والخارج منها أمر رضي الله عنه بنشر ثوب يعم البقعة كلها أعني وسط الحلقة ويكون محقق الطهارة غير مكتفى فيه بالطهارة الحكمية بحيث لا ينشر إلا عند قراءة الأصحاب للجوهرة ثم يطوى ويصان إلى مثل ذلك الوقت.ثم بعد نشأ الزاوية، استمر الإخوان على ذلك العمل بمرأى ومسمع من الشيخ رضي الله عنه لاستحسانهم له لما فيه من الأدب الخاص مع هذا الحضور الخاص ولأنه مشعر به ومعين على الحضور والتأديب الواجب فيه. ثم تتابع الناس في سائر أقطار الأرض على هذا العمل إلا النادر منهم ممن لم يتبين وجهه. ومن أجل هذا تعسف بعض من ينتسب للعلم في البحث فيه وأفرغ ذلك في قوالب من الألفاظ بشيعة تنادي عليه عند كل مومن منصف بالفضيحة الفظيعة وتسمه بكل ذميمة شنيعة لأن كل مومن منصف بمجرد ما يسمع ذلك المقال يعلم تحقيقا أنه مقال من قطع الحسد منه الأحشاء والأوصال، والحسود لا يسود أبدا ولا يموت من كثرة الغم الداخل عليه إلا كمدا والعياذ بالله تعالى منه ومن كل داء عضال يعود على من ابتلي به بوخامة الحال وسوء المئال.هذا وقد عرف ما قاله العلماء حسبما في عدة “الحصن الحصين” وشرحه من انه ينبغي أن يكون المكان الذي يذكر الله فيه نظيفا خاليا. قالوا: فإنه أعظم في احترام الذكر والمذكور. ولهذا مدح الذكر في المساجد والمواضع الشريفة، ولا معنى للنظافة إلا المبالغة في التطهير وتحصيل القدر الزائد على الطهارة الحكمية كما لا يخفى. قال في شرح الحصن الحصين: وجاء عن الإمام الجليل أبي ميسرة رضي الله عنه قال: لا يذكر الله تعالى إلا في مكان طيب. انتهى.ونقل عن صاحب “تهذيب الأذكار”: ينبغي تطييب المجلس بالرائحة الطيبة لأجل الملائكة والجن وقطع العلائق المشوشة الخ… يشير إلى معنى قولهم: خاليا، إذ الذي ينبغي أن يراد هنا من معاني الخلوة عندهم البعد عما يشوش البال ويشتت الفكر والله أعلم. فأنت ترى ما قاله العلماء رضي الله عنهم في آداب الذكر على الإطلاق فكيف ينكر على من أكد هذه الآداب أو بعضها في ذكر مشتمل على ذكر الله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العلى وذكر الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم ومدحه والثناء ببعض أوصافه الكمالية ونعوته الجمالية والجلالية وخصوصا مع وجود الخاصية العظمى فيه كما مر وسيأتي أيضا، وهل لنشر الثوب المذكور معنى إلا المبالغة في النظافة التي نص العلماء على انها مستحبة وأنها أعظم في احترام الذكر والمذكور؟ وهل المتعسف بالبحث في ذلك بعدما تقرر عن العلماء فيه من الاستحباب إلا من أكبر الجهلة الأغمار وممن سجل عليه بالشقاء لمحاربة مولاه جل وعلا بمعاداة أوليائه الأبرار.

تنبيه: قد وقع لصاحب “الجيش الكبير” في كتابه هذا، وكذا في سريته أن الشيخ رضي الله عنه لم ينشر الثوب في قيد حياته وأنه مما استحسن فعله أصحابه رضي الله عنه بعد وفاته وذلك لأنه لم يحفظ ما تقدم مما ثبت عن الشيخ رضي الله عنه ولم يبلغه الأمر على ما هو عليه في ذلك لبعد ما بين بلده وبلد الشيخ رضي الله عنه، ولذلك احتاج الناظم إلى التنصيص على ذلك بعينه في قوله: وشيخنا فعل ذا بمحضره فافهم والله تعالى اعلم.

ترياق القلوب الجزء الأول

 

 

سؤال طرح حول نشر الرداء الأبيض في الوظيفة

يجب العلم أولا ان هذا ليس من شروط الذكر بل من مستحباته

وأصله كما ورد في كتاب ” كشف الحجاب ” لسيدي الحاج احمد سكيرج انه قبل انشاء الزاوية كانت الوظيفة تقرأ بباب دار   الشيخ احمد التجاني رضي الله عنه وهو حاضر معهم ، لكن حيث كان المكان محل توارد الناس للزيارة و المرور أمر بنشر ثوب يعم البقعة كلها اي وسط الحلقة ، و يكون محقق الطهارة ثم يطوى و يصان الى المرة القادمة

ثم بعد انشاء الزاوية استمر الاخوان على ذلك العمل بمرأى و مسمع من الشيخ رضي الله عنه لاستحسانهم له لما فيه من الادب الخاص و لأنه معين على الحضور… ثم تتابع الناس في سائر الأقطار على هذا العمل الا القليل النادر

جاء في  “الفتح الرباني”

ورد في اقوال السادة الصوفية انه ينبغي تعظيم محل الذكر و المبالغة في طهارته ووضع الطيب فيه

و قال في البغية ، قال في شرح الحسن، و جاء عن الامام الجليل ابي ميسرة رضي الله عنه قال لا يذكر الله الا في مكان طيب

و نقل صاحب تهذيب الاذكار : ينبغي تطييب المجلس بالرائحة الطيبة لاجل الملائكة و الجن  وقطع العلائق المشوشة

وهل لنشر الازار معنى الا التعظيم للذكر و المبالغة في النظافة الى ان قال العلماء بأنها مستحبة.

يقول الشيخ محمد الحافظ المصري رضي لله عنه في كتابه قصد السبيل في الطريقة التجانية : ومن شروط الكمال فيها {أي جوهرة الكمال} نشر ثوب أبيض محقق الطهارة عند السابعة وليس هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عليه كما يظن بعض الجهلاء بل هو لأنه يحسن بالذاكرين أن يكونوا على أحسن حال وقد جرب أن الجلوس في أمكنة طاهرة رحبة مع كمال الطهارة من أسباب حصول الصفاء .إنتهى

ويقول العارف بالله سيدي العربي ابن السائح رضي الله عنه في البغية : أن ما استمر عليه عمل أصحاب سيدنا الشيخ رضي الله عنه من نشر الثوب محقق الطهارة عند قراءة جوهرة الكمال في الوظيفة من عهد الشيخ رضي الله عنه إلى الآن ليس بلازم في الطريق بحيث يسوغ ذكرها إلا معه وإن كان المحل طاهرا حكما لكنه مما ينبغي ويستحب لمكان الخاصية التي اختصت بها هذه الصلاة الشريفة عن غيرها من الأذكار وهي حضور النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة والأصل فيه عندنا خصوصا على ما حدثني به السيد الجليل الحاج الأبر الفاضل الناسك سيدي عبد الوهاب بن التاودي أحد خاصة أصحاب سيدنا رضي الله عنه وخزانة أسراره وورثة أنواره قدس الله سره وأعاد علينا من بركاته وهو أنهم كانوا يقرؤون الوظيفة في أول الأمر قبل إنشاء الزاوية بفاس بباب دار الشيخ رضي الله عنه وهو حاضر معهم رضي الله عنه وكانت البقعة طاهرة حكما يصلي رضي الله عنه بها مع جماعة من أصحابه لكن حيث كان المحل محل توارد الناس عليه للزيارة وممر الداخل للدار والخارج منها أمر رضي الله عنه بنشر ثوب يعم البقعة كلها أعني وسط الحلقة ويكون محقق الطهارة غير مكتفى فيه بالطهارة الحكمية بحيث لا ينشر إلا عند قراءة الأصحاب لجوهرة الكمال ثم يطوى ويصان إلى مثل ذلك الوقت ثم بعد نشء الزاوية استمر الإخوان على ذلك العمل بمرأى ومسمع من الشيخ رضي الله عنه لاستحسانهم له لما فيه من الأدب الخاص مع هذا الحضور الخاص ولأنه مشعر به ومعين على الحضور والتأدب الواجب فيه ثم تتابع الناس في سائر أقطار الأرض على هذا العمل إلا النادر منهم ممن لم يتبين وجهه ومن أجل هذا تعسف بعض من ينتسب للعلم في البحث فيه وأفرغ ذلك في قوالب من الألفاظ بشيعة تنادي عليه عند كل مؤمن منصف بالفضيحة الفظيعة وتسمه بكل ذميمة شنيعة لأن كل مؤمن منصف بمجرد ما يسمع ذلك المقال يعلم تحقيقا أنه مقال من قطع الحسد منه الأحشاء والأوصال …..هذا وقد عرف ما قاله العلماء حسبما في عدة الحصن الحصين وشرحه من أنه ينبغي أن يكون المكان الذي يذكرالله فيه نظيفا خاليا قالوا فإنه أعظم في احترام الذكر والمذكور ولهذا مدح الذكر في المساجد والمواضع الشريفة ولا معنى للنظافة إلا المبالغة في التطهير وتحصيل القدر الزائد على الطهارة الحكمية كما لا يخفى .قال في شرح الحصن : وجاء عن الامام الجليل أبي ميسرة رضي الله عنه قال ك لا يذكر الله تعالى إلا في مكان طيب إهـ ونقل عن صاحب تهذيب الأذكار : ينبغي تطييب المجلس بالرائحة الطيبة لأجل الملائكة والجن وقطع العلائق المشوشة إلخ ….فأنت ترى ما قاله العلماء رضي الله عنهم في آداب الذكر على الإطلاق فكيف ينكر على من أكد هذه الآداب أو بعضها في ذكر الله تعالى وأسمائه الحسنى وصفاته العلى وذكر الحبيب الأعظم ومدحه والثناء عليه ببعض أوصافه الكمالية ونعوته الجمالية والجلالية ……وهل لنشر الثوب المذكور معنى إلا المبالغة في النظافة التي نص العلماء على أنها مستحبة وأنها أعظم في احترام الذكر والمذكور وهل المتعسف بالبحث في ذلك بعدما تقرر عن العلماء فيه من الإستحباب إلا من أكبر الجهلة الأغمار وممن سجل عليه بالشقاء لمحاربته مولاه جل وعلا بمعاداة أوليائه الأبرار.إنتهى

ويقول العلامة مْحمد بن محمد كنون في كتابه حل الأقفال لقراء جوهرة الكمال : التنبيه الخامس : من شروط الصحة لقراءة الجوهرة الطهارة المائية فلا تكفي الترابية لمن كان من أهلها لعدم الماء أو لعدم القدرة على استعماله وطهارة البدن والثياب والمكان الذي يسع ستة ولا تقرأ على ظهر الدابة ولا على ظهر السفينة ويستحب زيادة على ذلك نشر ثوب محقق الطهارة مبالغة في النظافة فقد ذكر العلماء أنه ينبغي أن يكون المجلس مطيبا بالروائح الطيبة ولا سيما ذكر يحضره النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد بسط صلى الله عليه وسلم رداءه لأخته من الرضاعة حين جاءت في وفد هوازن كما قال في الهمزية :

بسط المصطفى لها من رداء     أي فضل حواه ذاك الرداء

وكذا بسطه أيضا لدحية الكلبي لما جاءه يريد الإسلام فبكى دحية وقبل الرداء ووضعه على رأسه وعينيه كما في روح البيان {وهو كتاب للشيخ إسماعيل حقي البرسوي } وقد ثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان ينشر ثوبه للملائكة . وكان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول بلغنا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يفرش رداءه للملائكة على باب الخلاء ويقول اجلسوا هاهنا حتى أخرج إليكم . فإذا كان هذا في حضور الملائكة فكيف مع حضوره صلى الله عليه وسلم بل لو فرش الإنسان حينئذ جبينه أو قلبه أو مقلته لحقّ له ذلك .

لو علمنا مجيئكـــــم لفرشنا         مهج القلب أو سواد العيون

وجعلنا فوق الجفون طريقا         ليكون المرور فوق الجفون

على أنه لو فرضنا عدم حضوره صلى الله عليه وسلم يكون نشر الثوب كتبخير مجلس الذكر وتطييبه لمن حضره من الملائكة ومؤمني الإنس والجن كما قيل في آداب الذكر :

منه طهارة وطيب المجلس       لمؤمني الجن وطيب الملبس

وتذكر هنا ما ثبت في الشريعة من الأمر بغسل الجمعة والعيد والتجمل والطيب فيهما وما ذكره العلماء في وجه ذلك وما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم كان يتجمل للوفود يفتح لك الباب وينكشف عنك الحجاب فالله حسيب من ينكر علينا معشر التجانيين نشر الثوب إذ ذال .

ونهج سبيلي واضح لمن اهتدى          ولكنها الأهواء عمت فأعمت

وحدثني بعض العلماء الفضلاء من الأصحاب أن أصل نشر الرداء أن الشيخ وأصحابه كانوا يقرؤون الوظيفة قبل بناء الزاوية بباب داره وهو محل المرور فكان لذلك يأمر بنشر الثوب تحفيظا للطهارة فلما بنيت الزاوية استحب ذلك .إنتهى

وقال العارف بالله سيدي مْحمد بن عبد الواحد النظيفي في مباديء الإشراق والإسعاد : ونشر الإزار أمر خاص لأمر خاص ولحكمة بالغة وما يعقلها إلا العالمون.إنتهى

وقال العارف بالله القطب سيدي الأحسن البعقيلي رضي الله عنه في كتابه الإراءة الجزء الثاني : وانشر للجوهرة ثوبا نقيا طاهرا نظيفا طيبا وجوبا نظريا واقتداءا بالشيخ رضي الله عنه فوجب عليه جميع ما عليه عمله وإن كان أصله الندب مبالغة في النظافة فإن أطلعك الله على سره في قلبك فذاك وإلا فامتثل تربح …..ويجوز التبرك به وأن يكفن فيه الميت ولا سيما أهل الخصوصية والغرباء ومن أوصى به أو أحب الطريقة وإن لم يسلك في سلكها فلا حسد على الفضل ….ولا ينشر لهيللة الجمعة.إهـ

وسئل سيدي محمد بن الحسن الجكاني رضي الله عنه ما السر في نشر الإزار عند الجوهرة هل ينشر لحروفها أو لمن يحضر عند السابعة هذا نص السؤال فأجاب رضي الله عنه كما في أجوبته الخمسة والسبعون في فقه الطريقة: الإزار ينشر اقتداءا بالشيخ رضي الله عنه فيصير حكمه الوجوب وجوب اقتداء وإن كان حكمه أصلا الندب وإنما ينشر لحروف الجوهرة لا غير قال في الإراءة فإن أطلعك الله على سره في قلبك فذلك وإلا فامتثل تربح ويجوز التبرك به وأن يكفن فيه الميت لا سيما أهل الخصوصية ومن أوصى به وإن لم يكن فقيرا فلا حسد على فضل الله .إهـ

ويقول الشيخ سيدي محمد بن عبد الله الطصفاوي في كتابه الفتح الرباني فيما يحتاج إليه المريد التجاني : وأما الإنكار على نشر الإزار عند ابتداء جوهرة الكمال فلا معنى له إذ قد ورد في أقوال السادة الصوفية أنه ينبغي تعظيم محل الذكر والمبالغة في طهارته ووضع الطيب فيه قال في البغية قال في شرح الحصن وجاء عن الإمام الجليل أبي ميسرة رضي الله عنه قال لا يذكر الله تعالى إلا في مكان طيب . ونقل عن صاحب تهذيب الأذكار ينبغي تطييب المجلس بالرائحة الطيبة لأجل الملائكة والجن وقطع العلائق المشوشة . وهل لنشر الإزار معنى إلا التعظيم للذكر والمبالغة في النظافة التي قال العلماء بأنها مستحبة وأنها من تعظيم الذكر والمذكور .إهـ

هذا ومنكر افتراش الثوب الأبيض مع إقراره افتراش الزرابي بجميع ألوانها لعلامة على نقص في عقله مع العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تجاوز افتراش المفروشات ليفترش ثيابه المباركة لغيره ففي المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار لزين الدين العراقي حديث ” إن ظئر رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته جاءت إليه فبسط لها رداءه ثم قال لها مرحبا بأمي ثم أجلسها على الرداء ثم قال لها اشفعي تشفعي وسلي تعطي فقالت : قومي فقال : أما حقي وحق بني هاشم فهو ذلك فقام الناس من كل ناحية وقالوا : وحقنا يا رسول الله . ثم وصلها بعد وأخدمها ووهب  “لها سهمها بحنين أخرجه أبو داود والحاكم وصححه من حديث الطفيل مختصرا في بسط ردائه لها دون ما بعده وفي الإصابة في تمييز الصحابة لإبن حجر العسقلاني قدمت ابنة خالد ابن سنان على النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وأجسلها عليه وقال ابنة نبي ضيعه قومه. وفي الطبقات الكبرى لإبن سعد  :عن محمد بن المنكدر قال أستأذنت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت أرضعته فلما دخلت عليه قال أمي أمي وعمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه قال أخبرنا إبراهيم بن شماس السمرقندي قال أخبرنا الفضل بن موسى السيناني عن عيسى بن فرقد عن عمر بن سعد قال جاءت ظئر النبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وأدخل يده في ثيابها ووضعها على صدرها قال وقضى حاجتها قال فجاءت إلى أبي بكر فبسط لها رداءه وقال لها دعيني أضع يدي خارجا من الثياب قال ففعل وقضى لها حاجتها ثم جاءت إلى عمر ففعل مثل ذلك.  وفي تهذيب الكمال للمزي :أن أبا الطفيل أخبر قال كنت غلاما أحمل عضو البعير فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة فجاءته امرأة فبسط لها رداءه فقلت من هذه قالوا أمه التي أرضعته .وفي زاد المعاد في هدي خير العباد لإبن القيم الجوزية :وقدمت الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فقالت : يا رسول الله ! إني أختك من الرضاعة قال : وما علامة ذلك ؟ قالت : عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك قال : فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فبسط لها رداءه وأجلسها عليه . وفي كتاب الشفا للقاضي عياض : و لما جيء بأخته من الرضاعة الشيماء في سبايا هوازن و تعرفت له بسط لها رداءه.

و لنشر الثوب الأبيض أثناء ذكر الوظيفة فوائد جمة متعددة تعكس تمسك التجانيين بسنة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم .  روى كل من الترمذي والنسائي وابن ماجة في سننهم وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا ذكر هاذم اللذات. إهـ وفي مجمع الزوائد للهيثمي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استكثروا ذكر هاذم اللذات فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه و رواه الترمذي وغيره باختصارورواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن، وفيه أيضا:عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بمجلس وهم يضحكون قال أكثروا من ذكر هاذم اللذات  أحسبه قال- فإنه ما ذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا في سعة إلا ضيقها عليه.رواه البزار والطبراني باختصار عنه وإسنادهما حسن .  وفيه أيضا وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم أكثروا ذكر هاذم اللذات – يعني الموت – فإنه ما كان في كثير إلا قلله ولا قليل إلا جزأه رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.إهـ وأكثروا من ذكر هاذم اللذات قال حجة الإسلام أبي حامد الغزالي في إحيائه:  ومعناه نغصوا بذكره اللذات حتى ينقطع ركونكم إليها فتقبلوا على الله تعالى .إهـ  وقال الشعراني في كتابه لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية : أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعاطى الأسباب التي تذكرنا بالموت وتقصر أملنا كمعاشرة العباد والزهاد في الدنيا امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم : اذكروا هاذم اللذات . وما لا يتوصل إلى فعل المأمور إلا به فهو من جملة المأمور واجبا لواجب ومندوبا لمندوب .وفيه أيضا عن  سيدي علي الخواص قال : من الأضداد أن من يذكر الموت يحيا قلبه ومن ينساه يموت وذلك لأن من لازم ذكر الموت قصر الأمل والمبادرة في العمل فمثل هذا ولو طال عمره فعمله حسن إن شاء الله تعالى وذلك أعظم ما يكون العبد عليه .إهـ وقال المناوي في فيض القدير : أكثروا ذكر الموت فإنه أي ذكره  يمحص الذنوب أي يزيلها  ويزهد في الدنيا فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم وذلك لأن نور التوحيد في القلب وفي الصدر ظلمة من الشهوات فإذا أكثر الإنسان ذكر الموت بقلبه انقشعت الظلمة واستنار الصدر بنور اليقين فأبصر الموت وهو عاقبة الأمر فرآه قاطعا لكل لذة حائلا بينه وبين كل أمنية ورآها أنفاسا معدودة وأوقاتا محدودة لا يدري متى ينفذ العدد وينقضي المدد فركبته أهوال الحط وأذهلته العبر وتردد بين الخوف والرجاء فانكسر قلبه وخمدت نفسه وذبلت نار شهوته .إهـ وقال الصنعاني في كتابه سبل السلام :والحديث دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يغفل عن ذكر أعظم المواعظ وهو الموت.إهـ

فإذا كان القدوة الأعظم سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم يحثنا معشر المسلمين على الإكثار من ذكر هادم اللذات الذي هو الموت ويرغبنا في عدم الغفلة عنه كما مر معنا كقوله صلى الله عليه وسلم : {أكثروا ذكر هاذم اللذاتْ}  فنشر التجانيين  للإزار الأبيض إنما هو تجسيد حي لهذا الحديث المبارك فالثوب الأبيض كما قال سيدي محمد بن عبد الواحد النظيفي في خريدته :

*وكفن به الموتى من أجل التبرك*

وقال في شرحه {به} أي في الإزار المذكور .إنتهى إذ أن النظر إلى الثوب الأبيض مشعر بحقيقة كون الناظرإليه يوما سيكون مستلقيا على مثله وهو يستحضر قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه النسائي بسند صحيح  : {عليكم بالبياض من الثياب فليلبسها أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم فإنها من خير ثيابكم.}ونشر الثوب الأبيض يكون التجانيون به قد امتثلوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويوميا بذكرهم للموت وهو ما لا يتأتى لمنكريه وغيرهم إلا للقليل منهم وبوجود المنبهات عليه كمرور جنازة مثلا أو زيارة لمقابر .

ونشر الثوب الأبيض عند الذكر إنما هو كذلك جمعٌ لهمة الذاكرين على الذكر وقطع للوساوس الدنيوية والخواطر الشيطانية التي هي موانع الخشوع والحضور في الذكر.والمصرعلى إنكار نشر الثوب الأبيض عند الذكر مع علمه لأسباب نشره إنما هو إعانة وعون من أعوان الشيطان في محاربة أسباب الخشوع في الذكر واستعاب ألفاظه وقد أجمع علماء أصول الفقه على أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فتغميض العينين في الصلاة مثلا من مكروهاتها ففي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة لمؤلفه عبد الرحمن الجزيري عند ذكره لمكروهات الصلاة قوله: ومنها تغميض عينيه إلا لمصحلة كتغميضها عما يوجب الاشتغال والتلهي وهذا متفق عليه.إنتهى فلما كان نشر الثوب الأبيض سبب قوي في خشوع الذاكر والتأدب مع المذكوركان الحرص عليه كالحرص على حصول الخشوع .

ونشر الثوب الأبيض عند الذكر إنما هو أيضا امتثال واقتداء بصنيع النبي صلى الله عليه وسلم الذي ورد عنه  عن عائشة قالت :{قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في خميصة ذات أعلام فنظر إلى علمها فلما قضى صلاته قال اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة وائتوني بأنبَجانية فإنها ألهتني آنفا في صلاتي} رواه البخاري ومسلم في صحيحهما وفي روايةالامام مالك في الموطأ :{أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :أهدى أبو جهم بن حذيفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة شامية لها علم فشهد فيها الصلاة فلما انصرف قال ردي هذه الخميصة إلى أبي جهم فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني} ونشر التجانيين للثوب الأبيض إنما هو من هذا القبيل وعمل بسنة من قال فيه الله سبحانه وتعالى :{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا

نشر على صفحة  

القطب الرباني سيدي احمد التجاني

بتاريخ 21 يناير 2019

 


 

نشر الإزار

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى