الخطبمقالات

يوم غزوة بدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان

 

 

يوم  غزوة بدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان

 

*الحمد لله على نعمة الاسلام و كفى بها نعمة *و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد السبب في كل خير و منة * و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،*ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله      و رسوله من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته  و التابعين،    و من استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين. * أما بعد ،

عباد الله : يقول الله تعالى ممتنا على أصحاب رسوله ﷺ: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران-123)

أيها المؤمنون: نحن مقبلون في بضعة أيام على ذكرى حدث عظيم من أحداث السيرة النبوية لا ينبغي أن نفوِّت الحديث عنه، كيف وقد سمى الله اليوم الذي حدث فيه يومَ الفرقان ؟ يومٌ أعزَّ الله فيه جنده، ونصر فيه عبده، وأُذلَّ فيه من عاداه، ورفع راية الإسلام، ففي الجمعة السابع عشر من شهر رمضان في العام الثاني للهجرة النبوية الشريفة، وقعت غزوة بدر الكبرى،

فقد خاض رسول الله ﷺ هذا اليوم مع القليل من أصحابه – رضوان الله عليهم- من المهاجرين و النصار بثباتٍ وإيمانٍ ويقينٍ، ونصرهم الله وأيَّدهم، حيث كانوا ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً، وهم أحبُّ أهل الأرض إلى ربِّهم آنذاك. يوم بدر أيها المؤمنون حدثٌ تاريخيٌّ واجب علينا ان نستلهم منه المواعظ والعبر؛ فقد وقعت غزوة بدر الكبرى، التي قادها النبي سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بمشاركة جماعة قليلة من صحابته الكرام من مهاجرين و أنصار – رضوان الله عليهم أجمعين- في مواجهة قريش ومَن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي وهي المعركة التي انتصر فيها الحق على الباطل، وانتصر فيها المسلمون نصرًا مؤزرًا، وكانت فتحًا للإسلام وأهله.وتسمى “غزوة بدر الكبرى، وبدر القتال، ويوم الفرقان”،.

  ـ أيها المؤمنون:لقد كانت غزوة بدر معركة الإسلام الفاصلة، تجلَّت فيها الكثير من المعجزات والكرامات العظيمة، نذكر بعضها للتذكرة و الاعتبار:

 أولاًتحديدُ مصارعِ القوم ليلة حدوث المعركة: فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أنس رضي اللهُ عنه قال: كان عمرُ يحدثنا عن أهل بدر فقال: “إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ بِالْأَمْسِ، يَقُولُ:” هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ”، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: فَوَا الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأوا الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَجُعِلُوا فِي بِئْرٍ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ“.

 

ثانياًنزول المطر على المومنين المجاهدين بالقدر الذي يحتاجونه من غير زيادة ولا نقصان  من حديث علي رضي اللهُ عنه وهو يحدث عن ليلة بدر: “أَصَابَنَا مِنَ اللَّيْلِ طَشٌّ مِنْ مَطَرٍ، فَانْطَلَقْنَا تَحْتَ الشَّجَرِ وَالْحَجَفِ – أي الترس – نَسْتَظِلُّ تَحْتَهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو رَبَّهُ“. (رواه الإمام أحمد في مسنده)

فمن الكرامة:”أن الله عزَّ وجلَّ أنزل في تلك الليلة مطراً واحداً، فكان على المشركين وابلاً شديداً منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طَلّاً طهرهم به وأذهب عنهم رجس الشيطان( لأن منهم من احتلم)، ووطَّأَ به الأرض، وصلـَّبَ الرملَ، وثبَّتَ الأقدامَ، ومَهَّد به المنزل، ولولا هذا المطر لما أمكن المسلمين القتالُ؛ لأنهم كانوا رجَّالَة ليس فيهم إلا فارسٌ واحدٌ هو: المقداد، وكانت الأرض دِهاساً تسيخُ فيها الأقدام أو لا تثـْبُتُ عليها“.

ثالثاًاستجابة الله لدعاء نبيه ﷺ على من كان يُؤذيه بمكة من كفار قريش حتى قـُتِلوا مع إخوانهم الكَفَرة ببدر: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي اللهُ عنه قال: “بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ، إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي،أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلَانٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا  وَدَمِهَا وَسَلَاهَا فَيَجِيءُ بِهِ ثُمَّ يُمْهِلُهُ، حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ ﷺ سَاجِدًا، فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ رضي اللهُ عنها وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى، وَثَبَتَ النَّبِيُّ ﷺ سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الصَّلَاةَ قَالَ:”اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ”، ثُمَّ سَمَّى:”اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ ابْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ ابْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ”. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً“.

رابعاً : إعانة بعض المسلمين بالملائكة على أسْرِ العدُوِّ: روى الإمام أحمد في مسنده من حديث علي رضي اللهُ عنه وفيه: “فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَصِيرٌ بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسِيرًا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا وَاللَّهِ مَا أَسَرَنِي، لَقَدْ أَسَرَنِي رَجُلٌ أَجْلَحُ (من انحسر شعرُه عن جانبَيْ رأسه ) مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا،عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ  مَا أُرَاهُ فِي الْقَوْمِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَا أَسَرْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: اسْكُتْ، فَقَدْ أَيَّدَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَلَكٍ كَرِيمٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: فَأَسَرْنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: الْعَبَّاسَ وعَقِيلًا وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ“.

 وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي اللهُ عنهما أن النبي ﷺ قال يوم بدر:”هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ، عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ“. وفي رواية: “عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ“.

خامساً: اختصاص أبي بكر وعلي بكرامة من الله،روى الإمام أحمد في مسنده من حديث علي رضي اللهُ عنه قال: “قِيلَ لِعَلِيٍّ وَلِأَبِي بَكْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ: مَعَ أَحَدِكُمَا جِبْرِيلُ، وَمَعَ الْآخَرِ مِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ مَلَكٌ عَظِيمٌ يَشْهَدُ الْقِتَالَ، أَوْ قَالَ: يَشْهَدُ الصَّفَّ”  

سادساً إنزالُ النُّـُعَاسِ عليهم: قال تعالى ﴿ إِذْ يُغْشِيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ [الأنفال: 11]. روى أبو يعلى في مسنده من حديث أبي طلحة رضي اللهُ عنه قال: “لَقَدْ سَقَطَ السَّيْفُ مِنِّي يَوْمَ بَدْرٍ لِمَا غَشِيَنَا مِنَ النُّعَاسِ. يقول الله تعالى: ﴿ إِذْ يُغْشِيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ ﴾ قال ابن كثير:يُذَكِّرُهم الله تعالى بما أنعم به عليهم من إلقائه النّـُعاسَ عليهم أماناً أمَّنهم به من خوفهم الذي حصل لهم من كثرةِ عدوِّهِم، وقلةِ عددِهِم “.

سابعاً:أن الله تعالى أراهم العَدُوَّ أقلَّ مِمَّا هُم عليه: لتقوى قلوبهم على حربهم، ويُشَجِّعَهم على مُواجهتهم، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُور ]الأنفال: 44[.. قال ابن جرير:إذ يُري اللهُ نبيَّهُ في منامه المشركينَ قليلاً، وإذ يريهِمُ اللهُ المؤمنين إذْ لقوهم في أعينهم قليلاً، وهم كثير عدُدُهم، ويقللُ المؤمنين في أعينهم ليتركوا الاستعداد لهم، فتهون على المؤمنين شوكَتُهم ..سبحان ربك رب العزة  عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

*الخطبة الثانية*

الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :أيها الإخوة المؤمنون؛ ثامناً ومن معجزات و كرامة غزوة بدر سماعُ أموات المشركين خطابَ النبي ﷺ وهم في القليب أي البئر، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي طلحة رضي اللهُ عنه: “أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ، خَبِيثٍ مُخْبِثٍ، وَكَانَ ﷺ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ ( أي انتصر) أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَاتَّبَعَهُ أَصْحَابُهُ، وَقَالُوا: مَا نُرَى ( أي ما نظن و نعتقد) يَنْطَلِقُ إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، يَا فُلاَنُ ابْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ: “أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟”، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:”وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ”، قال قَتَادَةُ:أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا،وَنَقِيمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا.

جعلنا الله من ذكر فتذكر و اقتبس من نور الهدى ما تيسر و اعتبر بذكرى الغزوة ما يصلح به حاله و مآله.واستعينوا عباد الله على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم. (ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم )(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين،والحمد لله رب العالمين).

 

 

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته : ذ. سعيد منقار بنيس”

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية بالمدرسة القرآنية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد 

  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى