الخطب

إضاءات وتوجيهات بمناسبة حلول عام هجري جديد و عاشوراء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 خطبة الجمعة في موضوع:

[ إضاءات وتوجيهات بمناسبة حلول عام هجري جديد و عاشوراء ]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

**الحمد لله قال و هو أصدق القائلين:” وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ].الإسراء: 12 [

* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد المنزل عليه قول الله تعالى: “وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا (80) ” الإسراء*و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله و مصطفاه من خلقه و خليله،القائل عليه الصلاة و السلام :” لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها أخرجه أحمد والدارمي  وأبو داود  فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته والتابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

* أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك  منهاجا قويما    و سبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى  و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه  و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له .

عبادالله: لا شك أنكم تعلمون أننا ودعنا منذ بضعة أيام عاما هجريا و استقبلنا آخر، و حدث الهجرة أيها الإخوة المؤمنون جزء من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، الكريمة الطاهرة  التي تمثل منهجاً كاملاً للإنسانية، و كيف لا والنبي عليه الصلاة والسلام إنما كان قرآنا يمشي على الأرض، لذلك لم تجد السيدة عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عن خُلـُق رسول الله صلى الله عليه وسلم عبارة مناسبة تعبر بها عن سمو أخلاقه صلى الله عليه و سلم سوى قولها: “كان خُلـُقه القرآن يرضى برضاه و يسخط بسخطه“، هذا النبي الكريم الذي أمرنا الله تعالى بطاعته إذ قال عز من قائل: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾]سورة الحشر: الآية 7[واجب علينا حتما امتثال ما تدعونا إليه هذه الآية الكريمة فهل تساءلنا معشر المؤمنين كيف نأخذ ما آتانا وكيف ننتهي عما عنه نهانا إذا لم نكن على علم بسيرته الشريفة؟ نعم كيف يتسنى لنا ذلك إن لم نكن مطلعين على أحواله و أقواله و أفعاله و شمائله صلى الله عليه و سلم؟ إن القاعدة الأصولية تقول” ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ” فمعرفة السيرة النبوية إذن فرض عين لمن يريد تطبيق قوله تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا

ألا فاعلموا عباد الله: أن النبي عليه صلى الله عليه وسلم ـ الذي جعله الله قدوةً لنا ـ قد أذاقه الله من كل شيء، أذاقه ربه الفقر فصبر حتى إذا نصح الفقراء بالصبر نفعهم ذلك النصح، وأذاقه الله تعالى الغنى ففتحت له الدنيا و أقبلت عليه بخزائنها، فزهد فيها و بذلها للناس في سخاء و كرم لا نظير له فيهما، و أذاق الله تعالى رسوله و حبيبه صلى الله عليه و سلم القهر (كما يقهر كثير من المسلمين في هذا الزمان)،أذاقه القهر في الطائف حيث تسلط عليه الصبيان و السفهاء يضربونه بالحجارة حتى أدْمَوْا قدميه وعقبيه فخرج منها طريدا شريدا فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”اللهم إليك أشكو ضعف قوتي،وقلة حيلتي وهواني على الناس،يا أرحم الراحمين،أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟  إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي،أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبَك، أو يحل عليَّ سخطـُك ، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.( سيرة ابن هشام) و أذاقه سبحانه النصرو العزة و التمكين في مكة، فدخلها عليه الصلاة والسلام من أعلاها، فاتحا مؤزرا منصورا، راكبا على راحلته، منحنيا على رحله تواضعا لله تعالى وشكرا له على هذه النعمة، حتى إن جبهته تكاد أن تمس رَحْله ولم يدخلها متكبرا ولا متجبرا على خلق الله بل قال لقريش المنهزمة الذليلة بين يديه: ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا: أخ كريم و ابن أخ كريم،قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء.”و أذاقه الله تعالى موت الولد فحزن و صبر و لم يقل هُجْرا(أي قولا قبيحا)، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام(الظئر هو زوج المرضعة فهو صاحب اللبن) فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ“.  وأذاقه  الله ألم طلاق ابنتيه السيدتين رقية و أم كلثوم، وأذاقه الله مرارة التعرض للإشاعة الكاذبة الطاعنة في عرضه و شرفه ، فقد أشاع الناس الشائعة عن زوجته المكرمة المحبوبة لديه عائشة بنت الصديق رضي الله عنها و عن أبيها وتكلموا في عرضها في حديث الإفك، فكان موقفه صلى الله عليه و سلم موقف الزوج الصابر المتأني المتثبت الذي لا يتعجل حتى نزلت براءتُها من السماء بقرآن يتلى إلى يوم الدين،

نعم أيها المؤمنون لقد ذاق صلى الله عليه و سلم من كل شيء، ووقف من كل شيء الموقف الصحيح الصائب الكامل، لذلك كان قدوةً لنا وأسوة و مثلا أعلا، فمن كان في أي موقف من مواقف الحياة فليرجع إلى سيرة هذا النبي الكريم صلى الله عليه و سلم فسيجد لا محالة فيها ما يصلح له الاقتداء به فيه، و هذا خير ما ندعو أنفسنا و أنفسكم إليه في توديع عام هجري و استقبال آخر نفعني الله و إياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين .سبحان ربك رب العزة  عما يصفون ، و سلام على المرسلين

الخطبة الثانية

* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة  والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي،الصادق الزكي،وعلى آله،وعلى جميع من تعلق بأذياله و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد : أيها المومنون: عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فـُرض رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من شاء فليصمه، ومن شاء فليفطره » أخرجه البخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:« قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال:ما هذا؟قالوا:هذا يوم صالح نجَّى الله فيه بني إسرائيل من عدوِّهم، فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه» ».وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال صلى الله عليه و سلم : وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال : «يكفر السنة الماضية» رواه مسلم.. واعلموا أن من المستحب صيام يوم عاشوراء عند جمهور العلماء، ويُستحب أن يُصام معه التاسع …». واعلموا  نَّ كلَّ ما يُفعل فيه سوى الصوم إما بدعة مكروهة أو محرمة. فقفوا عباد الله عند حدود السنة والذي نراه منطقيا في سبب احتفال المغاربة بعاشوراء يعود إلى ثلاثة أمور:

الأول: أنها عادة كتابية، فقد كان المغرب موئلا للحواريين ومؤمني بني إسرائيل قبل الإسلام،  فتقمص المغاربة عادات عدة تنتمي إليهمالثاني: أنه يعتبر بالنسبة للمسلمين أول عيد تفتتح به السنة الهجرية، فوافق أن يكون سببا للفرح والسرورالثالث: أن العشر الأول من محرم، هي فاتحة السنة الهجرية، فناسب أن نفرح بهذه المناسبة، ونسعد بها، ونؤرخ لهاالرابع: أنه جرت العادة أن الأغنياء يدفعون زكواتهم في رأس السنة الهجرية، فيوسعون على الفقراء، ويسدون حاجاتهم، ويفرحونهم، فكانت مدة رأس السنة الهجرية هي مدة النعيم، التي توقد فيها النيران لطبخ الطعام، أما رش المياه فيها فمأخوذ عن اليهود علامة على الرزق والخيرات، ولذلك كانت أيام فرح وسرور، فخلدها المغاربة بذلك. انما هناك بدع و منكرات زيدت كاعتقاد الناس أن الماء يوم عاشوراء يصبح كله ماء زمزم.وفي الختام اعلموا أن ديننا دين تصافي، وتآلف، ومحبة، وبر، وفرح وسرور، وليس دين حقد وبغضاء، و لا دين اجترار للمآسي والبأساء، ولذلك فقد جرت عادة الأمة بالفرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وليس بوفاته، وبنصر سيدنا موسى عليه السلام، وليس بتيهه، وبالإسراء والمعراج، وعيد الأضحى الذي هو مناسبة نجاة نبي الله إسماعيل عليه السلام من الذبح، وأيامه العشر خير أيام السنة، وعيد الفطر الذي هو نتيجة صوم رمضان، ويوم الجائزة…إلخ، تلك الأيام المباركة هي التي حضت الشريعة على الاحتفال والفرح بها…أما أيام الحزن والأسى، وذكرياتها؛ فلم تكن قط مقصودة بالاحتفال، ونشر الضغينة والبغضاء، واجترار المآسي، وخلق عقائد منها تدعو لسفك الدماء، وبغض الآخر، والبكاء والعويل، وجلد النفس وتعذيبها، وإراقة الدماء …إلخ…فما يحدث في المغرب الآن، وتاريخيا، لا علاقة له بقصة استشهاد سيدنا الحسين عليه السلام، ولا بمأساته، ولا يجمل أن نجعل منه يوم عزاء وحزن وبؤس، وحقد، واجترار للأخبار المكذوبة والمبالغة كما يفعله الشيعة في المشرق، ولله عاقبة الأمور

واستعينوا عباد الله على ذلك كله بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم.صلاة تنجينا بها  الخ….(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا  للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).

الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته : ” ذ. سعيد منقار بنيس”

الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء

أستاذ العلوم الشرعية

بمدرسة العلوم الشرعية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني

مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد 

  البريدالالكتروني mankarbennissaid@gmail.com 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى