ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*( خطبة الجمعة في موضوع )*:
[ نقصان عقل و دين المرأة هل هو مدح ام ذم ؟ ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الحمد لله رب العالمين* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين* ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،* ونشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، وعلى آله وصحابته و التابعين، وعلى من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .
* أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، وسلك منهاجا قويما وسبيلا رشدا ومن يعص الله و رسوله فقد غوى واعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له .
عباد الله، أخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخُدريّ رضي الله عنه قال: خرجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فِطر إلى المصلّى، فمر على النساء، فقال: «يا معشر النساء تَصَدَّقـْنَ فإني رأيتُكن أكثرَ أهل النار» فقلن: وبِمَ يا رسول الله؟ (وفي رواية مسلم: فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ ـ أي عاقلة ـ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ؟) قال: «تُكْثِرْن اللعنَ، وتَكْفُرْنَ العَشير، ما رأيتُ من ناقصات عقل ودين أذهبَ للُبِّ الرجل الحازمِ مِنْ إحداكُن»، قلن: وما نقصانُ ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال:«أليس شهادةُ المرأة مثلُ نصفِ شهادة الرجل؟» قلن: بلى، قال: «فذلك من نقصانِ عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟» قلن: بلى، قال:«فذلك من نقصان دينها». أيها المؤمنون بناء على هذا الحديث،الكثيرُ منا في الماضي والحاضر يردد: “النساء ناقصاتُ عقلٍ ودين” نعم يردد ويعتقد أن هذا أمر مُسَلَّـَم لا يقبل النقاش، لكن هل تم التساؤل أيضا في الماضي و الحاضر عن قوله صلى الله عليه وسلم “ناقصاتُ عقلٍ ودين” هل هو مدح ٌ للنساء أم ذم؟ هل صفةُ كمالٍ فيهن أم صفةُ نقصان؟ سؤالٌ كان لا بدّ من طرحه والتفكّـُرِ في إجابته، خصوصا في ظلّ ما نواجهه اليوم مِن تَهَجُّم على الإسلام و اتهامه بأنه يحتقر المرأة و يبخسها حقها و يدعو إلى معاملتها ككائن ناقص عن الرجل، إنه غزو ثقافيّ تاه معه كثير منَ الناس قديما وحديثا بسبب تداول غير صحيح لفَهم معنى هذا النصَ النبوي الشريف، فنحن نرى العامة تتداولـُه بفهم مغلوط، لا نقصد بالعامة الأميين أوغير المثقفين، وإنما نقصد عموم الناس على اختلاف طبقاتهم و مستويات ثقافتهم، الذين يفهمونه فهما مغلوطا وبطريقة تمسُّ بحقائق ديننا الإسلامي الحنيف، وكانوا سينجون من هذا الفهم المغلوط لو أنهم لم يجتزئوا ما يحلو لهم من السنة المطهرة والقرآن الكريم، ولم يتناولوا دونَ وعي منهم معاني الحديث الشريف الرفيعة..وهنا نقول: إذا كانت المرأة بحالتها تلك من النقص الذي وُصفت به في هذا الحديث تسلـُبُ لُبَّ(أي عقل) الرجل الحازم على الرغم من ضعفها الفطري.. أفلا تكون العاطفة الفياضة منها في حقها حينذاك كمالًا وقوة؟! و ليس ضعفا و نقصا.لقد كان من تمام العقل والصواب أن ندرك أن لكلا الطرفين ـ الرجل والمرأة ـ حالةَ عقل وحالةَ عاطفة، وهذا لا ذمّ فيه من حيث هو لأيِّ طرف منهما، فالعاطفة عند المرأة تعد كمالًا في غالب الأحيان خلافًا للرجل. كما يعد العقلُ عند الرجل الميزانَ الراجح في غالب أحواله خلافًا للمرأة. وفي كثير من الأحوال تغلبُ عاطفة المرأة عقلَها ويكون ذلك أمرًا محمودًا في حقها، بل ربما كانت هي الحالة المُثلى لها بحكم موقعها من التكوين الاجتماعي والأُسَري.
أيها المؤمنون: إذا أمعنا التأمل في النصّ النبوي الشريف وجدنا أن فيه من اللطافة والتحبّـُب من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فيه، فاليومُ كان يوم عيد، والنبي صلى الله عليه وسلم صاحب”الخلق العظيم“، وهو”المبعوث رحمة للعالمين“،وهو “بالمؤمنين (رجالا و نساء و كبارا و صغارا) رؤوف رحيم“،والداعي إلى الله”بالحكمة والموعظة الحسنة“،ولم يكن صلى الله عليه وسلم “فظا غليظ القلب“… فهل يُتصور ويُقبل في يوم العيد و السرور أن يقصد صلى الله عليه وسلم بشارة نساء أمته وبنات أصحابه المؤمنات بأن أكثرهن في النار يوم القيامة، وأن ينعتهم بنقصان العقل والدين في وجوههن، أليس يُعدُّ خُلـُقا سيئا وقسوة وعبثا يقتضي العقلُ وحسنُ التبَصُّر التنزهَ عنه ـ لو صدر من مطلق الدعاة ـ فضلا عن الأنبياء والمرسلين. فما العمل؟ هل نرفض الحديث و نكذب الرواة؟ والحديث صحيح و الرواة ثقات، أم علينا أن نتهم فهمنا بأنه مغلوط؟ + فما معنى نقصان دين المرأة إذن؟: أولا إنه نقصان دين و ليس نقصان تَدَيّـُن،وهناك فرق كبير بينهما الكثير منا لا يميزه، نقصانُ دين المرأة يعني أن تكاليف الدين بالنسبة لها أقل وأخفُّ من تكاليف الرجل بسبب ما يعتريها من أحوال طبيعية(حيض وحمل ونفاس ورضاعة) أحوال لم تتعمدها بل جُبلت و طبعت عليها دون اختيار، كما قال تعالى:(حملته كرها و وضعته كرها)، فلا يعني نقصُ تكاليفها نقصَ تدينها، كما لا يعني ذلك نقصَ ثوابها، ولا نقص منزلتها عند الله، ولا ينبغي أن يكون سبب تنقيص لها عند الناس. ولا يصح و لا يُقبَل أن يُتخذ ذلك مبررا لتنقيصها وبخسها حقها،بل إن الإسلام جاء ليحارب طباع الجاهلية و ضلالها فعجبا كيف يحرص الناس على استمرار أخلاق الجاهلية وإلباسها لباس الدين،اعتمادا على فهم مغلوط لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟،أخرج ابن ابي الدنيا في (النفقة على العيال) بسند جيد موصول عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ” بَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْك ، يَا رَسُولَ اللَّهِ : رَبُّ الرِّجَالِ وَرَبُّ النِّسَاءِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَآدَمُ أَبُو الرِّجَالِ وَأَبُو النِّسَاءِ، وَحَوَّاء أُمُّ الرِّجَالِ وَأُمُّ النِّسَاءِ، وَبَعَثَكَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَالرِّجَالُ إِذَا خَرَجُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُتِلُوا فَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَإِذَا خَرَجُوا فَلَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَنَحْنُ نَخْدُمُهُمْ وَنحْبِسُ أَنْفُسَنَا عَلَيْهِمْ، فَمَاذَا لَنَا مِنَ الْأَجْرِ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَقْرِئِي النِّسَاءَ مِنِّي السَّلَامَ وَقُولِي لَهُنَّ: إِنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ تَعْدِلُ مَا هُنَالِكَ، وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ تَفْعَلُهُ ) .
+ ثم ما معنى نقص عقلها؟:ليس معناه افتقادُها الحكمة والفكر الصحيح، فالحديث يردُّ ذلك النقص إلى الشهادة المالية وليس إلى كل الشهادات في كل مجال، قال صلى الله عليه وسلم ذلك في ظروف كانت المرأة بعيدة عن مزاولة أمور التجارة، إذ لا يُعتدُ فيها بشهادة امرأة واحدة، بخلاف الرجل الذي هو أقدر على الضبط والفهم في تلك الحالة، وقد يعود ذلك إلى طبيعة مهمات المرأة الحياتية التي كانت تبعدها عن الخوض في الأمور المالية والتجارات، كما أن الرجل أبعد ما يكون عن الأمور التي تتولاها النساء، بل ربما لا تُقبل شهادة الرجال فيها أحيانًا!فمهمة المرأة الأساسية تكون بذلك مهمة عاطفية، وعقلُها في مهمتها عقلٌ كامل، فكأن مهمتَها تكمن في كمال عاطفتها. ولو قدّرنا أن حالة العقل عند المرأة انتصرت على حالة العاطفة لَما قامت امرأة بما تقوم به مع أبنائها أو زوجها مثلًا، ولمَا وجدنا للمرأة قوة فريدة مؤثرة تظهر في عنفوان حنانها وفيضان أنوثتها!!
نفعني الله وإياكم بالذكر الحكيم و كلام سيد الأولين والآخرين سبحان ربك رب العزةعما يصفون…
الخطبة الثانية*
الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي، الصادق الزكي، و على آله ، وعلى جميع من تعلق بأذياله ، و نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده و رسوله و بعد :
معاشر المؤمنين اعلموا: أن المرأة ليس دائما شهادتُها نصفَ شهادة الرجل ـ كما يعتقد البعض ـ وذلك أن الأصل في الشهادة في الإسلام لا علاقة له بجنس الشاهد هل ذكرٌ أو أنثى، بل له علاقة بمدى قوة الشاهد في الموضوع، وفائدة شهادته، وقوتُها، والآية الكريمة التي تحدثت عن شهادة المرأة، هي في سياق الحديث عن توثيق الحقوق المادية:قال تعالى”وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى“(البقرة:282).وهنا ـ أيها المؤمنون ـ مَلْمَحٌ ذو أهمية بالغة يُبينه المفسرون الفقهاء للآية، وهو أن الآية لا تتحدث عن مقام الشهادة، بل عن مقام الإشهاد، وهناك فرق بَيِّنٌ وكبير بينهما، فَنَصُّ الآية ليس واردا في مقام الشهادة التي يقضي بها القاضي ويحكُم، وإنما هو وارد في مقام الإرشاد إلى طُرُق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل”.فالآية تتحدث عن الإشهاد على العقود، وهو أمر اختياري وتوثيقي مقصود به إثباتُ حقوق الناس، وأما العلة في اشتراط اثنتين فهو الاحتراز من أن تَنسى إحداهُما فتذكرها الأخرى، صيانة للحقوق المالية، فهو احتياط وليس شرطاً. وقد علل بعض العلماء الأمر في الآية هنا بانتصاف شهادة المرأة: بعدم حضور المرأة العمل العام، وقلة وخبرتها بالعمل التجاري والمالي، بحكم ظروف البيئة آنذاك، ولذلك وجدنا عالما تونسيا كبيرا هو الطاهر بن عاشور رحمه الله يشير إلى ملمح مهم في آية سورة البقرة، فيقول: “وفيه مرمى آخر، وهو تعويدُهم بإدخال المرأة في شؤون الحياة، إذ كانت في الجاهلية لا تشترك في هذه الشؤون، فجعل الله المرأتين مقام الرجل الواحد، وعلل ذلك بقوله: أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، وهذه حيطة أخرى من تحريف الشهادة، وهي خشية الاشتباه والنسيان، لأن المرأة أضعف من الرجل بأصل الجبلة بحسب الغالب، والضلال هنا بمعنى النسيان“. فهو يرى أن هذه مرحلةَ تأهيل للمرأة، في مجتمع تُمنع فيه من المشاركة في العمل العام، فيفقدها ذلك خبرةَ التمرس بالحياة، فتكون هذه مرحلة أُولى بالمشاركة، التي تعينها فيها امرأة أخرى، تقوية لها ولموقفها، تليها مرحلةٌ أخرى، تتقن فيها المرأة فنون الحياة الماليةوغيرها، فيتغيرُ حكمها،وهو نفس رأي المراغي في تفسيره، ومحمد عزة دروزة في التفسير الحديث، ومحمد عبد الحليم أبو شقة في الجزء الأول من موسوعته الرائعة (تحرير المرأة في عصر الرسالة) . و للحديث بقية.
واستعينوا عباد الله في اموركم كلها بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات وتطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك وخلفاء نبيك القائمين معه وبعده على الوجه الذي أمربه و ارتضاه و استنه خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لاتخالف بنا عن نهجهم القويم و سنتهم،(ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).
الخطبة من إنشاء عبد ربه الفقير إلى فضل الله و رحمته : ” ذ. سعيد منقار بنيس”
الخطيب بمسجد ” الرضوان ” لافيليت /عين البرجة/ الدار البيضاء
أستاذ العلوم الشرعية بمدرسة العلوم الشرعية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني
مفتش منسق جهوي لمادة التربية الإسلامية للتعليم ثانوي متقاعد